بنت الباطن
14-01-2002, 11:25 PM
لقد كان للقاءات سموكم الأخيرة بفعاليات المجتمع المختلفة ، وتحدثكم معهمبصراحة ، ومطالبتكم إياهم بإبداء الملاحظات ، اطيب الاثر في النفوس ... لا سيماوبلادنا بعد الاحداث الامريكية الاخيرة ، تتعرض لهجمة شرسة من قبل بعض اصحاب
التأثير في الولايات المتحدة ، بحجة ان المملكة تتساهل مع الفكر الإرهابي ، إذالم تكن تدعمه ؛ وان هناك ثقافة ً دينية متجذرة في المملكة ، مؤداها ـ كمايقولون ـ ترسيخ العداء لكل ماهو غربي على العموم ، و امريكي على الخصوص ؛ الامرالذي أفرز حقيقة َ أن خمسة عشر شخصاً ممن نفذوا هجوم الحادي عشر من سبتمبر هم
شباب سعوديون ، فضلاً عن ممول الهجوم نفسه ... وانطلاقاً من ذلك ، وضعت وسائلالإعلام الأمريكية بلادنا تحت الأضواء ، على اعتبار انها المشجع و الممول الرئيسي للإرهاب، والداعمة له ، في اول هجمة مركزة على المملكة ، وعلى ثقافتها ، و مدى ملاءمة هذه الثقافة لعصر مكافحة الإرهاب الذي نعيشه الآن ..
وامام هذا الوضع اجد ان المملكة ، شعباً و أسرة مالكة ، هي امام هذه الاخطار ،تمر اليوم بأخطر فترات تاريخها منذ ان وحدها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ..
ولعلك ـ ياصاحب السمو ـ توافقني على ان الاسرة المالكة ، ونتيجة لهذه الهجمة ،هي احوج ماتكون الى وقوف الشعب معها ، لمواجهة هذا الخطر الذي يحث خطاه قادماً الينا ... وهذه الغاية ، أعني التكاتف بين القمة و القاعدة، لا يمكن ان تتأتى إلا بمصارحة حقيقية بيننا، يكون غاية ماتهدف اليه تضييق الهوة بين عامة الشعب و
بين الأسرة المالكة ، تلك الهوة التي كانت قد إتسعت ، وتفاقم إتساعها ، بعد انتهاء حرب تحرير الكويت ، واكتشاف المواطن السعودي ان تلك الأزمة مرت مرور الكرام على القمة السياسية ، ولم يجد هذا المواطن فيما بعدها أي اتجاه نحو الإصلاح و التغيير، رغم الوعود التي اطلقها كثير من رموز السلطة للإتجاه نحو الاصلاح آنذاك ؛ غير ان هذه الوعود لم تتمخض إلا عن ( مجلس شورى ) ضعيف كسيح، تم تصميم صلاحياته ، و نفوذه ، وقدراته ، بالشكل الذي يجعله في نهاية المطاف مجرد " ديكور "، ليس له على ارض الواقع أي فعاليات إصلاحية ، إضافة الى ان
اعضاءه يتم انتقاءهم بعناية فائقة ، بحيث لا يشتمل إلا على المنافقين و
المطبلين ، و اصحاب " البشوت الملكية " ، الذين لا هم لهم إلا إرضاء السلطة ، وتملقها ؛ الأمر الذي جعله في المحصلة النهائية مجرد "مجلس اخويا" اكثر من كونه مجلس تشريع و مراقبة و إصلاح ، كما كنا نأمل ..
بعد هذه المقدمة ، دعني ، ياصاحب السمو ، اضع بعض النقاط امامكم ، و التي اجد انها تمثل ما يدور في ذهن ابنائكم المواطنين نحو السلطة الحاكمة ، متوخية الصراحة و الصدق ، ومؤملة في الوقت ذاته ان تجد منكم ، ومن مستشاريكم ، آذاناً صاغية :
اولاً :
اول ما ُيعاني منه المواطن في هذه البلاد هو التوزيع الظالم لثروة البلاد ،
وعدم وجود أي نوع من الرقابة على الصرف ، الأمر الذي ادى الى تكدس الثروة في ايدي ثلة من ابناء الأسرة المالكة دون وجه حق ، من خلال المحسوبيات و الواسطات ، ومن خلال منح الأب لأبنه ، والأخ لأخيه ، مشاريع الدولة ، ناهيك عن إقطاعيات الأراضي الكبيرة التي تمنح الى مجموعات معينة من ابناء الأسرة المالكة ، حتى اصبحت ثروات عدد منهم تتصدر قائمة اغنى رجال العالم ، وما خفي كان اعظم ... هذا
في وقت وصل فيه الدين العام في المملكة الى اكثر من ((600 مليار ريال)) كما يقول وزير المالية ... والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو : بأي حق، وعلى أي اساس شرعي ، تقترض الدولة ، وتغوص في اوحال الديون ، كي تمنح مقدراتها ، وجزءاً كبيراً مما تقترضه ، الى عدد من ابناء الأسرة المالكة؟ ..
ان هذا السؤال ـ يا صاحب السمو ـ هو اولُ ما يسأله المواطن البسيط عندما يسمع عن ثروات بعض اصحاب السمو ، التي وصلت الى ارقام فلكية ، في حين انه ( يبحث ) عن ما يسد رمقه ، وما يلبي احتياجات الكفاف، فلا يجد فرصة عمل حتى ولو كان راتبها لا يتعدَ الألفي ريال !! ..
وحينما يسمع عن الدين العام ، يجد ان هذا الدين الهائل ، هوالمسؤول بحكم مواطنته عن سداده ، بل ان هذه المسئولية ـ كما يقول المختصون ـ قد تمتد الى ابنائه ، و ابناء ابنائه من بعده ، وربما لأجيال قادمة ..
ثم يتلفت هذا المواطن حوله ، و يتساءل : هل الامير عبدالله ، والامير سلطان ، وبقية منهم في القمة السياسية من الأسرة المالكة ، يعملون ـ على الاقل ـ على السيطرة على الفساد ، و تصحيح المسار ؟ .. غير انه ـ للأسف ـ لا يجد إلا الإمعان في الأخطاء ، والتمادي في الإستئثار بالثروة ، تاركين مستقبل اسرتهم المالكة ، ومعها مملكتنا ، مملكة عبدالعزيز ، نتيجة لهذه الممارسات ، في مهب الريح !! ..
وعندما يفكر هذا المواطن اكثر ، يرى بأم عينيه كيف ان الأسرة المالكة ، رغم انهم ينعمون بالمخصصات المالية المجزية ، يتمتعون إضافة الى ذلك ، بــ ((إعفاءات كاملة)) عن دفع مستحقات الخدمات ، كالكهرباء و الماء و الهاتف ؛ بل ان هذه الإعفاءات تمتد لتشمل سفرياتهم السياحية صيفاً و شتاء الى حيث ((ُيبذرون)) ثروات البلاد و العباد في بلاد الغرب ؛ فمن المعروف ان ((جميع)) ابناء الاسرة المالكة ، بلا إستثناء ، يحصـلون على تذاكر سفر مجانية الى أي مكان في العالم ، بل ان بعض ابناء الطبقة الأولى من الأسرة ، يتم ((تخصيص)) طائرات خاصة تـتـنقل معهم الى حيث يريدون في اصقاع المعمورة ؛ كل هذا يتم على حساب دولة يرزح إقتصادها تحت دين ٍ يزيد على ((الـ 600 مليار ريال)) !! .. هذا
فضلاً عن ان اكثر من خمسة عشر مليون مواطن سعودي ، يعانون الأمرين كل نهاية شهر من فواتير الكهرباء و الهاتف و الماء التي تـتـزايد مع مرور الوقت ، وكأن المواطن البسيط الضعيف مسؤول عن (( رفاهية و ترف)) اصحاب السمو عندما ُيفرض عليه تحمل مسؤلية ((إستمرار)) شركات الكهرباء و الهاتف و الماء و الخطوط السعودية في أداء خدماتها ، ثم عليه ان يكد و يكدح ليسدد تكاليف كهربائهم و هواتفهم و مياههم و سفرياتهم ؛ بل وتسكعهم في شوارع لندن و باريس ،
وامام هذا كله ، فإنني لا ابالغ حينما اقول ان هناك من ابناء البلاد الكثيرون الذين يرون ان هذه الهجمة الأمريكية الشرسة ، على البلاد ، وعلى اسرتكم على وجه الخصوص ، قد توقظ فيكم الشعور بالخطر ، و الخوف من الفناء ، الامر الذي (( قد))
يضطركم الى ((الإصلاح)) مرغمين ، بعد ان يئس الناس من اختياركم سبيل ((الإصلاح)) من تلقاء انفسكم ، فرب ضارة نافعة كما يقولون .. وكل من يقول لكم غير ذلك ، فهو ـ والله ـ لا يصدقكم ابداً ..
ثانياً :
لقد اختار الملك عبدالعزيز رحمه الله ، بعد ان انتهى من توحيد البلاد ، تعليم المواطن ، لصناعة إنسان سعودي قادر و مؤهل للإضطلاع بدور ما بعد الوحدة ، وبناء البلاد ... ومنذ ذلك الوقت ، وحتى الآن ، اصبح هناك قطاعاً كبيراً ، يتزايد عدده يوماً بعد يوم ، من المتعلمين و المتخصصين ، واصحاب المهن ، الذين غيروا التوجهات التقليدية لدى ((الرأي العام)) في البلاد ، وأثـّـروا في قناعاته ، بل وولاءاته ..
ولعلك ـ ياصاحب السمو ـ توافقني ان من المستحيل ان ُتعلم ابناء الوطن ،
وتبتعثهم الى كبريات الجامعات في العالم ، لينالوا اعلى الدرجات العلمية ... ثم تضعهم على الرف ، او تطالبهم بالسكوت ، و نبذ كل ماتعلموه جانباً ، و الانخراط في آلية بورقراطية جامدة و متخلفة ، لم تتغير منذ اربعين سنة ، تسعى بهم بخطى حثيثة الى الهاوية ، لمجرد ان يدعوك و اسرتك تتمتع ((آنياً)) بالثروة و السلطة معاً ، لا ينازعكم فيها منازع !! ..
ان هذا ليس ضد العقل فحسب ، انما هو ضد تاريخ الشعوب ايضاً ..
ولعل قراءة ، ولو سطحية ، في تاريخ مصير كل من اصروا على احتكار الثروات و السلطات ، وتحدي آمال و تطلعات شعوبهم ، وكيف تعامل مواطنوهم معهم ، وماذا كانت النتيجة ، يعفيني عن الإسهاب في ذلك ..
و إمتداداً لذلك ، وبناءاً عليه ، فليس من المعقول ، ان ((يحتكر)) ابناء اسرتكم أهم المناصب السلطوية ، والوزارية ، والتجارية ، والإعلامية ، و الثقافية ... بل والرياضية ، وتُبعدون الجميع عن هذه المناصب ... ثم تطـلبون من الشعب ان يتكاتف معكم؟!! .. انها قسمة ضيزى يا صاحب السمو !! ..
فالإحصاءات تقول : ان هناك ستة اعضاء من الاسرة المالكة في مجلس الوزراء ، وان ( جميع ) إمارات المناطق يشغلها ابناؤكم ، وان الإتجاه الآن الى ((المحافظات)) ليشغلها الابناء ايضاً ، ناهيك عن رئاسة الإستخبارات ، و نواب الوزراء ، ونواب امراء المناطق ، و مساعدي الوزراء ، والوكلاء ، من الأمراء في بعض وزارات الدولة ..
وعندما نتساءل عن عن اهم الشركات ، وبالذات شركات التسليح ، او تلك التي تضطلع بتنفيذ مشاريع كبيرة مع الدولة ، وبالذات في حقلي البترول و الهاتف ، تبرز اسماء امراء من ابنائكم ..وفي المجال الإعلامي ، نجد ان اهم الصحف المؤثرة ، والتي تحضى بتعامل خاص و
مميز من الرقابة ، يملكها ابناء ابناء عبدالعزيز ؛ و كذلك المحطات الفضائية ، كمحطتي " الأم بي سي " ، او " الأوربت " ، ناهيك عن شراكة احد ابنائكم التجار في ملكية قناة الإي آر تي، وملكية قناة الإل بي سي اللبنانية ..
وفي المجال الرياضي لم يكتف الابناء برئاسة رعاية الشباب ، والتصرف فيها ، وفي مقدراتها ، تصرف الملاك في املاكهم ، بل إمتد ذلك ليشمل اهم الاندية الرياضية في المملكة ، حتى اصبح كل نادي رياضي لابد له من امير لكي ينجح و يحقق البطولات
!! ..
حتى الادب و الثقافة ياسيدي ، لم يسلما من تسلطكم و احتكاركم .. فأهم الشعراء الذين ُيطبل لهم إعلام البلاد، هم من الأمراء ، أما غيرهم فمهمشون إعلامياً ، بل و تسعون بكل ما استطعتم من قوة الى ((حصر)) كل ماهو ادبي و فكري في ابنائكم ، ولعل آخرها منتدى ((خالد الفيصل)) ، مؤسسة الفكر العربي ، الذي أنشأها سموه
في بيروت هذه السنة ، وفرض على التجار السعوديين فرضاً تمويلها رغماً عن انوفهم
..
وامام هذه الحقائق ، ماذا تنتظرون من أي ُمتعلم ، ناهيك عن المتخصصين و اصحاب الفكر ، و المثقفين ، ان يفعلوا ، وهم يرون ان ابناءكم لم يتركوا لهم أية فرصة ، في أي مجال !! .. هل تريدون منهم ان يكونوا مجرد مشجعين ، ومصفقين لكم ، لاسيما وهم يرون تسلطكم على كل شيىء في هذه الدولة ؟! .. اذا كنتم تعتقدون ذلك،
فانسوا تماماً ان ذلك الشعب الذي وقف اباؤه مع عبدالعزيز في مشروعه الوحدوي ذات يوم ، سيقف معكم هذا اليوم ، في الوقت الذي تحرمونه من كل شيىء ، وتحتكرون لأنفسكم كل شيىء ..
لذلك ، فلا تنتظرون منهم أية وقفة مؤيدة في صراعكم مع الأمريكان ، طالما انهم لم يروا أية بادرة تدل على التصحيح ؛ و السبب انكم جعلتموهم في التحليل الأخير في وضع الإنسان الذي ليس لديه ما يخسره ؛ فليس ثمة أسوء من الوضع الذي يعيشه
المواطن بكل المقاييس ؛ وبالتالي ، فإن تدخل الامريكان ، لن ينتج عنه وضعاً اسوء طالما ان ليس بالأمكان أسوء مما هو عليه الوضع الحالي ، بينما ان احتمالات الافضل في حال تدخل الأمريكان واردة الى حد كبير ..
ثالثاً :
ان تعاملكم مع ( الإصلاحيين ) ، و المنتقدين ، و المطالبين بالتغيير و توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صناعة القرار السياسي ، و كبح جماح الفساد ، تعاملاً ( أمنياً ) يعتمد على البطش و الضرب بيد من حديد على كل من يتفوه ببنت شفة في نقد ماهو قائم ، و إقصاء كل من لا يطبلُ و يكيل المدح و يتملقكم من دائرة
المقربين منكم ؛ وتراكم هذه الممارسات مع الزمن ، ادى الى تـَــشكل حلقة من النفعيين و الإنتهازيين و اصحاب المآرب الخاصة حولكم ، الأمر الذي جعلكم ابعد ماتكونون عن تلمس مشاكل الناس و توجهاتهم ومعاناتهم .. وهذا ادى ايضاً ، ومع الزمن ، الى توسيع الهوة بينكم وبين المواطنين ..
التأثير في الولايات المتحدة ، بحجة ان المملكة تتساهل مع الفكر الإرهابي ، إذالم تكن تدعمه ؛ وان هناك ثقافة ً دينية متجذرة في المملكة ، مؤداها ـ كمايقولون ـ ترسيخ العداء لكل ماهو غربي على العموم ، و امريكي على الخصوص ؛ الامرالذي أفرز حقيقة َ أن خمسة عشر شخصاً ممن نفذوا هجوم الحادي عشر من سبتمبر هم
شباب سعوديون ، فضلاً عن ممول الهجوم نفسه ... وانطلاقاً من ذلك ، وضعت وسائلالإعلام الأمريكية بلادنا تحت الأضواء ، على اعتبار انها المشجع و الممول الرئيسي للإرهاب، والداعمة له ، في اول هجمة مركزة على المملكة ، وعلى ثقافتها ، و مدى ملاءمة هذه الثقافة لعصر مكافحة الإرهاب الذي نعيشه الآن ..
وامام هذا الوضع اجد ان المملكة ، شعباً و أسرة مالكة ، هي امام هذه الاخطار ،تمر اليوم بأخطر فترات تاريخها منذ ان وحدها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ..
ولعلك ـ ياصاحب السمو ـ توافقني على ان الاسرة المالكة ، ونتيجة لهذه الهجمة ،هي احوج ماتكون الى وقوف الشعب معها ، لمواجهة هذا الخطر الذي يحث خطاه قادماً الينا ... وهذه الغاية ، أعني التكاتف بين القمة و القاعدة، لا يمكن ان تتأتى إلا بمصارحة حقيقية بيننا، يكون غاية ماتهدف اليه تضييق الهوة بين عامة الشعب و
بين الأسرة المالكة ، تلك الهوة التي كانت قد إتسعت ، وتفاقم إتساعها ، بعد انتهاء حرب تحرير الكويت ، واكتشاف المواطن السعودي ان تلك الأزمة مرت مرور الكرام على القمة السياسية ، ولم يجد هذا المواطن فيما بعدها أي اتجاه نحو الإصلاح و التغيير، رغم الوعود التي اطلقها كثير من رموز السلطة للإتجاه نحو الاصلاح آنذاك ؛ غير ان هذه الوعود لم تتمخض إلا عن ( مجلس شورى ) ضعيف كسيح، تم تصميم صلاحياته ، و نفوذه ، وقدراته ، بالشكل الذي يجعله في نهاية المطاف مجرد " ديكور "، ليس له على ارض الواقع أي فعاليات إصلاحية ، إضافة الى ان
اعضاءه يتم انتقاءهم بعناية فائقة ، بحيث لا يشتمل إلا على المنافقين و
المطبلين ، و اصحاب " البشوت الملكية " ، الذين لا هم لهم إلا إرضاء السلطة ، وتملقها ؛ الأمر الذي جعله في المحصلة النهائية مجرد "مجلس اخويا" اكثر من كونه مجلس تشريع و مراقبة و إصلاح ، كما كنا نأمل ..
بعد هذه المقدمة ، دعني ، ياصاحب السمو ، اضع بعض النقاط امامكم ، و التي اجد انها تمثل ما يدور في ذهن ابنائكم المواطنين نحو السلطة الحاكمة ، متوخية الصراحة و الصدق ، ومؤملة في الوقت ذاته ان تجد منكم ، ومن مستشاريكم ، آذاناً صاغية :
اولاً :
اول ما ُيعاني منه المواطن في هذه البلاد هو التوزيع الظالم لثروة البلاد ،
وعدم وجود أي نوع من الرقابة على الصرف ، الأمر الذي ادى الى تكدس الثروة في ايدي ثلة من ابناء الأسرة المالكة دون وجه حق ، من خلال المحسوبيات و الواسطات ، ومن خلال منح الأب لأبنه ، والأخ لأخيه ، مشاريع الدولة ، ناهيك عن إقطاعيات الأراضي الكبيرة التي تمنح الى مجموعات معينة من ابناء الأسرة المالكة ، حتى اصبحت ثروات عدد منهم تتصدر قائمة اغنى رجال العالم ، وما خفي كان اعظم ... هذا
في وقت وصل فيه الدين العام في المملكة الى اكثر من ((600 مليار ريال)) كما يقول وزير المالية ... والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو : بأي حق، وعلى أي اساس شرعي ، تقترض الدولة ، وتغوص في اوحال الديون ، كي تمنح مقدراتها ، وجزءاً كبيراً مما تقترضه ، الى عدد من ابناء الأسرة المالكة؟ ..
ان هذا السؤال ـ يا صاحب السمو ـ هو اولُ ما يسأله المواطن البسيط عندما يسمع عن ثروات بعض اصحاب السمو ، التي وصلت الى ارقام فلكية ، في حين انه ( يبحث ) عن ما يسد رمقه ، وما يلبي احتياجات الكفاف، فلا يجد فرصة عمل حتى ولو كان راتبها لا يتعدَ الألفي ريال !! ..
وحينما يسمع عن الدين العام ، يجد ان هذا الدين الهائل ، هوالمسؤول بحكم مواطنته عن سداده ، بل ان هذه المسئولية ـ كما يقول المختصون ـ قد تمتد الى ابنائه ، و ابناء ابنائه من بعده ، وربما لأجيال قادمة ..
ثم يتلفت هذا المواطن حوله ، و يتساءل : هل الامير عبدالله ، والامير سلطان ، وبقية منهم في القمة السياسية من الأسرة المالكة ، يعملون ـ على الاقل ـ على السيطرة على الفساد ، و تصحيح المسار ؟ .. غير انه ـ للأسف ـ لا يجد إلا الإمعان في الأخطاء ، والتمادي في الإستئثار بالثروة ، تاركين مستقبل اسرتهم المالكة ، ومعها مملكتنا ، مملكة عبدالعزيز ، نتيجة لهذه الممارسات ، في مهب الريح !! ..
وعندما يفكر هذا المواطن اكثر ، يرى بأم عينيه كيف ان الأسرة المالكة ، رغم انهم ينعمون بالمخصصات المالية المجزية ، يتمتعون إضافة الى ذلك ، بــ ((إعفاءات كاملة)) عن دفع مستحقات الخدمات ، كالكهرباء و الماء و الهاتف ؛ بل ان هذه الإعفاءات تمتد لتشمل سفرياتهم السياحية صيفاً و شتاء الى حيث ((ُيبذرون)) ثروات البلاد و العباد في بلاد الغرب ؛ فمن المعروف ان ((جميع)) ابناء الاسرة المالكة ، بلا إستثناء ، يحصـلون على تذاكر سفر مجانية الى أي مكان في العالم ، بل ان بعض ابناء الطبقة الأولى من الأسرة ، يتم ((تخصيص)) طائرات خاصة تـتـنقل معهم الى حيث يريدون في اصقاع المعمورة ؛ كل هذا يتم على حساب دولة يرزح إقتصادها تحت دين ٍ يزيد على ((الـ 600 مليار ريال)) !! .. هذا
فضلاً عن ان اكثر من خمسة عشر مليون مواطن سعودي ، يعانون الأمرين كل نهاية شهر من فواتير الكهرباء و الهاتف و الماء التي تـتـزايد مع مرور الوقت ، وكأن المواطن البسيط الضعيف مسؤول عن (( رفاهية و ترف)) اصحاب السمو عندما ُيفرض عليه تحمل مسؤلية ((إستمرار)) شركات الكهرباء و الهاتف و الماء و الخطوط السعودية في أداء خدماتها ، ثم عليه ان يكد و يكدح ليسدد تكاليف كهربائهم و هواتفهم و مياههم و سفرياتهم ؛ بل وتسكعهم في شوارع لندن و باريس ،
وامام هذا كله ، فإنني لا ابالغ حينما اقول ان هناك من ابناء البلاد الكثيرون الذين يرون ان هذه الهجمة الأمريكية الشرسة ، على البلاد ، وعلى اسرتكم على وجه الخصوص ، قد توقظ فيكم الشعور بالخطر ، و الخوف من الفناء ، الامر الذي (( قد))
يضطركم الى ((الإصلاح)) مرغمين ، بعد ان يئس الناس من اختياركم سبيل ((الإصلاح)) من تلقاء انفسكم ، فرب ضارة نافعة كما يقولون .. وكل من يقول لكم غير ذلك ، فهو ـ والله ـ لا يصدقكم ابداً ..
ثانياً :
لقد اختار الملك عبدالعزيز رحمه الله ، بعد ان انتهى من توحيد البلاد ، تعليم المواطن ، لصناعة إنسان سعودي قادر و مؤهل للإضطلاع بدور ما بعد الوحدة ، وبناء البلاد ... ومنذ ذلك الوقت ، وحتى الآن ، اصبح هناك قطاعاً كبيراً ، يتزايد عدده يوماً بعد يوم ، من المتعلمين و المتخصصين ، واصحاب المهن ، الذين غيروا التوجهات التقليدية لدى ((الرأي العام)) في البلاد ، وأثـّـروا في قناعاته ، بل وولاءاته ..
ولعلك ـ ياصاحب السمو ـ توافقني ان من المستحيل ان ُتعلم ابناء الوطن ،
وتبتعثهم الى كبريات الجامعات في العالم ، لينالوا اعلى الدرجات العلمية ... ثم تضعهم على الرف ، او تطالبهم بالسكوت ، و نبذ كل ماتعلموه جانباً ، و الانخراط في آلية بورقراطية جامدة و متخلفة ، لم تتغير منذ اربعين سنة ، تسعى بهم بخطى حثيثة الى الهاوية ، لمجرد ان يدعوك و اسرتك تتمتع ((آنياً)) بالثروة و السلطة معاً ، لا ينازعكم فيها منازع !! ..
ان هذا ليس ضد العقل فحسب ، انما هو ضد تاريخ الشعوب ايضاً ..
ولعل قراءة ، ولو سطحية ، في تاريخ مصير كل من اصروا على احتكار الثروات و السلطات ، وتحدي آمال و تطلعات شعوبهم ، وكيف تعامل مواطنوهم معهم ، وماذا كانت النتيجة ، يعفيني عن الإسهاب في ذلك ..
و إمتداداً لذلك ، وبناءاً عليه ، فليس من المعقول ، ان ((يحتكر)) ابناء اسرتكم أهم المناصب السلطوية ، والوزارية ، والتجارية ، والإعلامية ، و الثقافية ... بل والرياضية ، وتُبعدون الجميع عن هذه المناصب ... ثم تطـلبون من الشعب ان يتكاتف معكم؟!! .. انها قسمة ضيزى يا صاحب السمو !! ..
فالإحصاءات تقول : ان هناك ستة اعضاء من الاسرة المالكة في مجلس الوزراء ، وان ( جميع ) إمارات المناطق يشغلها ابناؤكم ، وان الإتجاه الآن الى ((المحافظات)) ليشغلها الابناء ايضاً ، ناهيك عن رئاسة الإستخبارات ، و نواب الوزراء ، ونواب امراء المناطق ، و مساعدي الوزراء ، والوكلاء ، من الأمراء في بعض وزارات الدولة ..
وعندما نتساءل عن عن اهم الشركات ، وبالذات شركات التسليح ، او تلك التي تضطلع بتنفيذ مشاريع كبيرة مع الدولة ، وبالذات في حقلي البترول و الهاتف ، تبرز اسماء امراء من ابنائكم ..وفي المجال الإعلامي ، نجد ان اهم الصحف المؤثرة ، والتي تحضى بتعامل خاص و
مميز من الرقابة ، يملكها ابناء ابناء عبدالعزيز ؛ و كذلك المحطات الفضائية ، كمحطتي " الأم بي سي " ، او " الأوربت " ، ناهيك عن شراكة احد ابنائكم التجار في ملكية قناة الإي آر تي، وملكية قناة الإل بي سي اللبنانية ..
وفي المجال الرياضي لم يكتف الابناء برئاسة رعاية الشباب ، والتصرف فيها ، وفي مقدراتها ، تصرف الملاك في املاكهم ، بل إمتد ذلك ليشمل اهم الاندية الرياضية في المملكة ، حتى اصبح كل نادي رياضي لابد له من امير لكي ينجح و يحقق البطولات
!! ..
حتى الادب و الثقافة ياسيدي ، لم يسلما من تسلطكم و احتكاركم .. فأهم الشعراء الذين ُيطبل لهم إعلام البلاد، هم من الأمراء ، أما غيرهم فمهمشون إعلامياً ، بل و تسعون بكل ما استطعتم من قوة الى ((حصر)) كل ماهو ادبي و فكري في ابنائكم ، ولعل آخرها منتدى ((خالد الفيصل)) ، مؤسسة الفكر العربي ، الذي أنشأها سموه
في بيروت هذه السنة ، وفرض على التجار السعوديين فرضاً تمويلها رغماً عن انوفهم
..
وامام هذه الحقائق ، ماذا تنتظرون من أي ُمتعلم ، ناهيك عن المتخصصين و اصحاب الفكر ، و المثقفين ، ان يفعلوا ، وهم يرون ان ابناءكم لم يتركوا لهم أية فرصة ، في أي مجال !! .. هل تريدون منهم ان يكونوا مجرد مشجعين ، ومصفقين لكم ، لاسيما وهم يرون تسلطكم على كل شيىء في هذه الدولة ؟! .. اذا كنتم تعتقدون ذلك،
فانسوا تماماً ان ذلك الشعب الذي وقف اباؤه مع عبدالعزيز في مشروعه الوحدوي ذات يوم ، سيقف معكم هذا اليوم ، في الوقت الذي تحرمونه من كل شيىء ، وتحتكرون لأنفسكم كل شيىء ..
لذلك ، فلا تنتظرون منهم أية وقفة مؤيدة في صراعكم مع الأمريكان ، طالما انهم لم يروا أية بادرة تدل على التصحيح ؛ و السبب انكم جعلتموهم في التحليل الأخير في وضع الإنسان الذي ليس لديه ما يخسره ؛ فليس ثمة أسوء من الوضع الذي يعيشه
المواطن بكل المقاييس ؛ وبالتالي ، فإن تدخل الامريكان ، لن ينتج عنه وضعاً اسوء طالما ان ليس بالأمكان أسوء مما هو عليه الوضع الحالي ، بينما ان احتمالات الافضل في حال تدخل الأمريكان واردة الى حد كبير ..
ثالثاً :
ان تعاملكم مع ( الإصلاحيين ) ، و المنتقدين ، و المطالبين بالتغيير و توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صناعة القرار السياسي ، و كبح جماح الفساد ، تعاملاً ( أمنياً ) يعتمد على البطش و الضرب بيد من حديد على كل من يتفوه ببنت شفة في نقد ماهو قائم ، و إقصاء كل من لا يطبلُ و يكيل المدح و يتملقكم من دائرة
المقربين منكم ؛ وتراكم هذه الممارسات مع الزمن ، ادى الى تـَــشكل حلقة من النفعيين و الإنتهازيين و اصحاب المآرب الخاصة حولكم ، الأمر الذي جعلكم ابعد ماتكونون عن تلمس مشاكل الناس و توجهاتهم ومعاناتهم .. وهذا ادى ايضاً ، ومع الزمن ، الى توسيع الهوة بينكم وبين المواطنين ..