المبتسم
01-08-2002, 09:22 PM
احتفت الطائفة الشيعية في ديربورن بولاية ميتشيغن في الولايات المتحدة الأميركية بقدوم أحد الحجج من قم المشرفة زائرا ومحاضرا في شبابهم وأعيانهم. وبدأ الحفل في أحد قاعات جامعة ديربورن بتقديم هذا الضيف الكريم، فبدأ مراقب الحفل بعد الترحاب والتصفيق الطويل بقوله:
يسرنا أيها الإخوة والأخوات أن نستضيف في هذه المناسبة الطيبة أحد كبار فقهاء الشيعة الإمامية، وهو في الحقيقة مصدر العلوم والحكم والآثار، ومركز دائرة الفضلاء النبلاء الأحبار، وقطب الشريعة الذي عليه منها المدار في هذه الأعصار، وركن الشيعة وشيخها الجليل المنزلة والمقدار، إن قلت في الفضل فمثل الشمس في رابعة النهار، وإنْ في الفيض فأنى يحسن أن تقاس به الأنهار؟
وبالجملة فهو أس أساس الفقاهة والاجتهاد، وأستاذ الكل الذي استكمل من خبره كل استاذ، وأمعن نظر الفهم والتدقيق في أي ما مفاد، وأعلن كلمة الحق والتحقيق على رؤوس الأشهاد، وأوضح بلمعة من إشاراته الوافية شوارع الهداية والإرشاد، وأفصح بنخبة من إيقاظاته الكافية عن منهاج الدراية والرشاد، وجاهد في سبيل الأئمة حق الجهاد، وعمر بفيض دعواته الشريفة أطراف البلاد، وذكر بيمن كلماته الطريفة أصناف العباد إلى أن انهزمت جنود الجهل بجهده عما بين الأنفس والآفاق، والتزمت قلائد العمل بكده على قاطبة الرقاب والأعناق، فما زال ظله ظليلا، وعمره طويلا، وعدوه ذليلا، وأمره على حسب الرجاء بكرة وأصيلا. ذلك هو سماحة آية الله العظمى وحجة الله البالغة أبو اسحاق يعقوب عزرا العاملي، فليتفضل مشكورا.
- تصفيق حاد منقطع النظير من الجمهور، وقد وقفوا له تبجيلا.
آية الله العاملي: يتلو بعض الترانيم الحزينة متلعنا على أول ظالم وتابع له ثم قال:
الحمد لله وليّ الفضل والنعمة، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا محمّدٍ نبيّ الرحمة، وعلى آله الطيّبين الطاهرين أهل العصمة، لاسيّما ابن عمّه عليٍّ باب دار الحكمة، وعلى أعدائهم الناصبين من الله النكال والنقمة.
أما بعد، فإنه يسعدني في هذه المناسبة أن ألتقي بهذه الوجوه الطيبة النيرة الرقيقة، التي نشأت وترعرعت في حب هذا الدين وأهله، وبجلت علماؤه وفقهائه وآياته، ولا أطيل عليكم بكثير الكلام كي نستوفي المقال في موضوع محاضرتنا المتعة وضرورتها في مجتمعنا الحديث، ثم إن كان هناك استفسارات فقهية في هذا الموضوع أو غيره نجيب عليها إن شاء الله، فأقول:
إن مسألة زواج المتعة من المسائل التي بحث فيها فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وأولوها العناية الكبرى بحثا وتمحيصا بين مثبت لهذا النوع من الزواج، وبين ناف له، بعد اتفاقهم علي مشروعيته في صدر الإسلام، وحيث إن دور هذه المسألة الخطيرة في صيانة عفة المجتمع وحفظه من الوقوع في مزالق الفساد، دور هام يجب أن لا يغفله المشرع وبخاصة ممن يحاول إصلاح المجتمع، لكي يعيش حياة سعيدة تحفظ فيها عفة المرأة من الانزلاق وراء الشهوات المحرمة.
والذي يبدو لمن تتبع هذه المسألة في مختلف مواضعها من كتب التشريع، سواء ما يتعلق منها
بالتفسير والحديث، أم كتب الفقه، أن المسلمين على اختلاف مذاهبهم لا تكاد كلمتهم تختلف في أن هذا النوع من الزواج مما شرع في صدر الإسلام، ونزلت فيه آية من الكتاب العزيز وهي آية: «فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن» .. وفسروا الاستمتاع فيها بنكاح المتعة كما سوف يتضح من هذه المحاضرة.
وإنما شرع الزواج المؤقت لأن الزواج الدائم غير قادر في كل الحالات والظروف أن يفي باحتياجات البشر، وأن الاقتصار على الزواج الدائم يستلزم حرمان كثير من النساء أو الرجال ممارسة حقهم في الحياة الجنسية، لعدم قدرة البعض على تهيئة الظروف لمثل هذا الزواج، ولهذا فإما أن يكبت الرجل أو المرأة ما بداخلهما من غرائز وحب الالتقاء، مما يؤدي بهم إلى نتائج وخيمة وآلام دائمة، أو أن ينزلقوا في المحرمات، وأن تنشئ المرأة علاقات غير شريفة قائمة على التستر بأوكار الليل وأجنحة الظلام وخوف العاقبة.
ومن هنا فإن للزواج المؤقت (زواج المتعة)، بعد اعتراف الشريعة الإسلامية به، علاقة طيبة وطبيعية، يشعر فيها كل من المرأة والرجل بحكم كونها عقداً من العقود بكرامة الوفاء بالالتزام من الطرفين وفق الشروط التي شرعها المشرع في هذا العقد، ولهذا فهو من هذه الناحية كالزواج الدائم مع فارق واحد، وهو أن المرأة هنا تملك أن تحدد أمد العقد ابتداء ولا تملكه في الزواج الدائم، بل تظل تحت رحمة الزوج إن شاء طلقها، وإن شاء مد بها الى نهاية الحياة.
إن المرأة في الزواج المؤقت ليست سلعة تؤجر للمتعة، وإنما هي كالطرف الآخر في المعاملة تعطي من الالتزامات بمقدار ما تأخذ منه وربما تكون هي الرابحة أخيراً باكتشافها لأخلاق الزواج ومعاملته، وبرؤيتها له في مختلف حالاته ومباذله تستطيع تحديد موقفها منه فيما إذا كانت تقوى على تكوين علاقات دائمة معه بتحويل الزواج المؤقت إلى زواج دائم تأمن معه من الاختلاف نتيجة عدم توافق الطباع. ولهذه المصلحة أجاز الإسلام زواج المتعة، بل اعتبره ضرورة من ضرورات الحياة، حتى قام الإجماع على تشريعه من الكتاب والسنَّة النبوية، وقد ورد ذلك في مصادر جمهور المسلمين المعتبرة، ووصل إلى درجة من الكثرة لا نحتاج معها إلى تتبع واستيعاب كل الروايات، بل قام الإجماع على تشريعها، وهذا الإجماع موضع وفاق عند المسلمين من كل المذاهب الإسلامية كما سوف نشير إليه إن شاء الله.
وقبل أن نشير إلى مشروعية الزواج المؤقت الثابت بنص القرآن الكريم والسنّة النبوية المتفق عليها، نذكر بعض الشروط المعتبرة في زواج المتعة، وأنها كالدائم باختصار:
1 ـ الإيجاب والقبول باللفظ الدال على إنشاء المعنى المقصود والرضا به.
2 ـ القصد لمضمون المعنى وهو: متعت أو أنكحتُ أو زوجت.
3 ـ أن يكون الإيجاب والقبول باللغة العربية مع الإمكان.
4 ـ أن يكون الإيجاب من طرف الزوجة والقبول من طرف الزوج مع تقدم الإيجاب على القبول.
5 ـ ذكر المهر في العقد المتفق عليه بين الطرفين.
6 ـ ذكر الأجل المتفق عليه بين الطرفين في العقد طال أو قصر.
ولا شك أن الإسلام هو الطبيب الاجتماعي الكبير الذي أنزله الله تعالى لعلاج مشكلات الإنسان في شتى جوانب حياته، وإشباع جميع غرائزه إشباعاً كاملاً ولما كانت غريزة الجنس إحدى هذه الغرائز بل أشدها خطراً على المجتمع، عمد الشارع المقدس إلى إشباعها بتشريعه النكاح، وجعل له أبعاداً وشروطاً لا يجوز أن يتخطاها حفاظاً على صيانة المجتمع من التحلل والوقوع في مهاوي الفساد، ولهذا أباح له من الزواج الدائم مثنى وثلاث ورباع إشباعاً لتلك الغريزة المختلفة في طباع أفراد الإنسان شدة وضعفاً، فرب رجل لا يكتفي بواحدة وهو قادر على التزويج بأكثر وقد لا يقدر بعضهم على أن يقوم بما يجب عليه من الإنفاق لأكثر من واحدة مع حاجته الملحة إلى ثانية وثالثة، فإما أن يقع في المحرم عن طريق غير مشروع، وإما أن يكون له طريق آخر يبعده عن الوقوع في المحرم.
ولما كان الإسلام بوصفه آخر أطروحة سماوية، لم يغفل هذه الناحية، لذا أباح المتعة لئلا يقع مثله هذا الصنف من الرجال في جريمة الزنى فيتزوج بأكثر من واحدة من طريق المتعة.
ولهذا كان سبب وقوع المجتمع في الزنا هو تحريم المتعة. ومن هنا كانت المتعة رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على حد تعبير ابن عباس، وبهذا الزواج يتخلص المرء من الوقوع في الحرام. كما أن هذا النوع من الطيبات التي أحلت لقيام مجتمع طيب قائم على الارتباط المشروع دون الارتباط والعلاقة المحرمة . ولهذا كانت حكمته سبحانه، حكمة سامية، وغاية شريفة عالية، وهي بقاء النسل وحفظ النوع، فلو خلي الإنسان من الغريزة لبطلت أو ضعفت فيه الجبلة الإنسانية، وعلى هذا لا يبقى للبشر على مر الأحقاب عين ولا أثر.
يقول آل كاشف الغطاء: «من تلك الشرائع مشروعية المتعة، فلو أن المسلمين عملوا بها على أصولها الصحيحة من العقد والعدة والضبط وحفظ النسل منها لانسدت بيوت المواخير وأوصدت أبواب الزنا والعهر، ولارتفعت أو قلت ويلات هذا الشر على البشر، ولأصبح الكثير من المومسات المتهتكات مصونات محصنات، ولتضاعف النسل وكثرت المواليد الطاهرة واستراح الناس من اللقيط والنبيذ، وانتشرت صيانة الأخلاق وطهارة الأعراق… ولله در عالم بني هاشم وحبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في كلمته الخالدة الشهيرة التي رواها ابن الأثير في النهاية والزمخشري في الفائق وغيرهما حيث قال: ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد ولولا نهيه عنها ما زنى إلا شقي… وفي الحق أنها رحمة واسعة وبركة عظيمة ولكن المسلمين فوَّتوها على أنفسهم، وحرموا من ثمراتها وخيراتها ووقع الكثير في حمأة الخنا والفساد والعار والنار والخزي والبوار: «أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير». فلا حول ولا قوة إلا بالله».
يسرنا أيها الإخوة والأخوات أن نستضيف في هذه المناسبة الطيبة أحد كبار فقهاء الشيعة الإمامية، وهو في الحقيقة مصدر العلوم والحكم والآثار، ومركز دائرة الفضلاء النبلاء الأحبار، وقطب الشريعة الذي عليه منها المدار في هذه الأعصار، وركن الشيعة وشيخها الجليل المنزلة والمقدار، إن قلت في الفضل فمثل الشمس في رابعة النهار، وإنْ في الفيض فأنى يحسن أن تقاس به الأنهار؟
وبالجملة فهو أس أساس الفقاهة والاجتهاد، وأستاذ الكل الذي استكمل من خبره كل استاذ، وأمعن نظر الفهم والتدقيق في أي ما مفاد، وأعلن كلمة الحق والتحقيق على رؤوس الأشهاد، وأوضح بلمعة من إشاراته الوافية شوارع الهداية والإرشاد، وأفصح بنخبة من إيقاظاته الكافية عن منهاج الدراية والرشاد، وجاهد في سبيل الأئمة حق الجهاد، وعمر بفيض دعواته الشريفة أطراف البلاد، وذكر بيمن كلماته الطريفة أصناف العباد إلى أن انهزمت جنود الجهل بجهده عما بين الأنفس والآفاق، والتزمت قلائد العمل بكده على قاطبة الرقاب والأعناق، فما زال ظله ظليلا، وعمره طويلا، وعدوه ذليلا، وأمره على حسب الرجاء بكرة وأصيلا. ذلك هو سماحة آية الله العظمى وحجة الله البالغة أبو اسحاق يعقوب عزرا العاملي، فليتفضل مشكورا.
- تصفيق حاد منقطع النظير من الجمهور، وقد وقفوا له تبجيلا.
آية الله العاملي: يتلو بعض الترانيم الحزينة متلعنا على أول ظالم وتابع له ثم قال:
الحمد لله وليّ الفضل والنعمة، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا محمّدٍ نبيّ الرحمة، وعلى آله الطيّبين الطاهرين أهل العصمة، لاسيّما ابن عمّه عليٍّ باب دار الحكمة، وعلى أعدائهم الناصبين من الله النكال والنقمة.
أما بعد، فإنه يسعدني في هذه المناسبة أن ألتقي بهذه الوجوه الطيبة النيرة الرقيقة، التي نشأت وترعرعت في حب هذا الدين وأهله، وبجلت علماؤه وفقهائه وآياته، ولا أطيل عليكم بكثير الكلام كي نستوفي المقال في موضوع محاضرتنا المتعة وضرورتها في مجتمعنا الحديث، ثم إن كان هناك استفسارات فقهية في هذا الموضوع أو غيره نجيب عليها إن شاء الله، فأقول:
إن مسألة زواج المتعة من المسائل التي بحث فيها فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وأولوها العناية الكبرى بحثا وتمحيصا بين مثبت لهذا النوع من الزواج، وبين ناف له، بعد اتفاقهم علي مشروعيته في صدر الإسلام، وحيث إن دور هذه المسألة الخطيرة في صيانة عفة المجتمع وحفظه من الوقوع في مزالق الفساد، دور هام يجب أن لا يغفله المشرع وبخاصة ممن يحاول إصلاح المجتمع، لكي يعيش حياة سعيدة تحفظ فيها عفة المرأة من الانزلاق وراء الشهوات المحرمة.
والذي يبدو لمن تتبع هذه المسألة في مختلف مواضعها من كتب التشريع، سواء ما يتعلق منها
بالتفسير والحديث، أم كتب الفقه، أن المسلمين على اختلاف مذاهبهم لا تكاد كلمتهم تختلف في أن هذا النوع من الزواج مما شرع في صدر الإسلام، ونزلت فيه آية من الكتاب العزيز وهي آية: «فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن» .. وفسروا الاستمتاع فيها بنكاح المتعة كما سوف يتضح من هذه المحاضرة.
وإنما شرع الزواج المؤقت لأن الزواج الدائم غير قادر في كل الحالات والظروف أن يفي باحتياجات البشر، وأن الاقتصار على الزواج الدائم يستلزم حرمان كثير من النساء أو الرجال ممارسة حقهم في الحياة الجنسية، لعدم قدرة البعض على تهيئة الظروف لمثل هذا الزواج، ولهذا فإما أن يكبت الرجل أو المرأة ما بداخلهما من غرائز وحب الالتقاء، مما يؤدي بهم إلى نتائج وخيمة وآلام دائمة، أو أن ينزلقوا في المحرمات، وأن تنشئ المرأة علاقات غير شريفة قائمة على التستر بأوكار الليل وأجنحة الظلام وخوف العاقبة.
ومن هنا فإن للزواج المؤقت (زواج المتعة)، بعد اعتراف الشريعة الإسلامية به، علاقة طيبة وطبيعية، يشعر فيها كل من المرأة والرجل بحكم كونها عقداً من العقود بكرامة الوفاء بالالتزام من الطرفين وفق الشروط التي شرعها المشرع في هذا العقد، ولهذا فهو من هذه الناحية كالزواج الدائم مع فارق واحد، وهو أن المرأة هنا تملك أن تحدد أمد العقد ابتداء ولا تملكه في الزواج الدائم، بل تظل تحت رحمة الزوج إن شاء طلقها، وإن شاء مد بها الى نهاية الحياة.
إن المرأة في الزواج المؤقت ليست سلعة تؤجر للمتعة، وإنما هي كالطرف الآخر في المعاملة تعطي من الالتزامات بمقدار ما تأخذ منه وربما تكون هي الرابحة أخيراً باكتشافها لأخلاق الزواج ومعاملته، وبرؤيتها له في مختلف حالاته ومباذله تستطيع تحديد موقفها منه فيما إذا كانت تقوى على تكوين علاقات دائمة معه بتحويل الزواج المؤقت إلى زواج دائم تأمن معه من الاختلاف نتيجة عدم توافق الطباع. ولهذه المصلحة أجاز الإسلام زواج المتعة، بل اعتبره ضرورة من ضرورات الحياة، حتى قام الإجماع على تشريعه من الكتاب والسنَّة النبوية، وقد ورد ذلك في مصادر جمهور المسلمين المعتبرة، ووصل إلى درجة من الكثرة لا نحتاج معها إلى تتبع واستيعاب كل الروايات، بل قام الإجماع على تشريعها، وهذا الإجماع موضع وفاق عند المسلمين من كل المذاهب الإسلامية كما سوف نشير إليه إن شاء الله.
وقبل أن نشير إلى مشروعية الزواج المؤقت الثابت بنص القرآن الكريم والسنّة النبوية المتفق عليها، نذكر بعض الشروط المعتبرة في زواج المتعة، وأنها كالدائم باختصار:
1 ـ الإيجاب والقبول باللفظ الدال على إنشاء المعنى المقصود والرضا به.
2 ـ القصد لمضمون المعنى وهو: متعت أو أنكحتُ أو زوجت.
3 ـ أن يكون الإيجاب والقبول باللغة العربية مع الإمكان.
4 ـ أن يكون الإيجاب من طرف الزوجة والقبول من طرف الزوج مع تقدم الإيجاب على القبول.
5 ـ ذكر المهر في العقد المتفق عليه بين الطرفين.
6 ـ ذكر الأجل المتفق عليه بين الطرفين في العقد طال أو قصر.
ولا شك أن الإسلام هو الطبيب الاجتماعي الكبير الذي أنزله الله تعالى لعلاج مشكلات الإنسان في شتى جوانب حياته، وإشباع جميع غرائزه إشباعاً كاملاً ولما كانت غريزة الجنس إحدى هذه الغرائز بل أشدها خطراً على المجتمع، عمد الشارع المقدس إلى إشباعها بتشريعه النكاح، وجعل له أبعاداً وشروطاً لا يجوز أن يتخطاها حفاظاً على صيانة المجتمع من التحلل والوقوع في مهاوي الفساد، ولهذا أباح له من الزواج الدائم مثنى وثلاث ورباع إشباعاً لتلك الغريزة المختلفة في طباع أفراد الإنسان شدة وضعفاً، فرب رجل لا يكتفي بواحدة وهو قادر على التزويج بأكثر وقد لا يقدر بعضهم على أن يقوم بما يجب عليه من الإنفاق لأكثر من واحدة مع حاجته الملحة إلى ثانية وثالثة، فإما أن يقع في المحرم عن طريق غير مشروع، وإما أن يكون له طريق آخر يبعده عن الوقوع في المحرم.
ولما كان الإسلام بوصفه آخر أطروحة سماوية، لم يغفل هذه الناحية، لذا أباح المتعة لئلا يقع مثله هذا الصنف من الرجال في جريمة الزنى فيتزوج بأكثر من واحدة من طريق المتعة.
ولهذا كان سبب وقوع المجتمع في الزنا هو تحريم المتعة. ومن هنا كانت المتعة رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على حد تعبير ابن عباس، وبهذا الزواج يتخلص المرء من الوقوع في الحرام. كما أن هذا النوع من الطيبات التي أحلت لقيام مجتمع طيب قائم على الارتباط المشروع دون الارتباط والعلاقة المحرمة . ولهذا كانت حكمته سبحانه، حكمة سامية، وغاية شريفة عالية، وهي بقاء النسل وحفظ النوع، فلو خلي الإنسان من الغريزة لبطلت أو ضعفت فيه الجبلة الإنسانية، وعلى هذا لا يبقى للبشر على مر الأحقاب عين ولا أثر.
يقول آل كاشف الغطاء: «من تلك الشرائع مشروعية المتعة، فلو أن المسلمين عملوا بها على أصولها الصحيحة من العقد والعدة والضبط وحفظ النسل منها لانسدت بيوت المواخير وأوصدت أبواب الزنا والعهر، ولارتفعت أو قلت ويلات هذا الشر على البشر، ولأصبح الكثير من المومسات المتهتكات مصونات محصنات، ولتضاعف النسل وكثرت المواليد الطاهرة واستراح الناس من اللقيط والنبيذ، وانتشرت صيانة الأخلاق وطهارة الأعراق… ولله در عالم بني هاشم وحبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في كلمته الخالدة الشهيرة التي رواها ابن الأثير في النهاية والزمخشري في الفائق وغيرهما حيث قال: ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد ولولا نهيه عنها ما زنى إلا شقي… وفي الحق أنها رحمة واسعة وبركة عظيمة ولكن المسلمين فوَّتوها على أنفسهم، وحرموا من ثمراتها وخيراتها ووقع الكثير في حمأة الخنا والفساد والعار والنار والخزي والبوار: «أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير». فلا حول ولا قوة إلا بالله».