MUSLIMAH
23-10-2002, 09:42 AM
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ،،،
وصلني عبر البريد ايميل في منتهى الروعة و هو بعنوان " الجامعة الرمضانية " الموضوع طويل بعض الشيء .. لذلك سأطرحه على خمسة أجزاء :) نفعنا الله و إياكم به :)
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين
و على آله و صحبه و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
نحن قوم أعزّ نا الله بالأسلام ومهما أبتغينا العزّه بغيره ...أذلنا الله
أما بعد
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله. .
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون )) [آل عمران :102].
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمِ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) [ النساء :1].
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) [ الأحزاب : 70 ، 71 ] .
أمَّا بعد : فإنّ أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النَّار.
كلّيـــــــــــــة التقـــــــــــــوى
عندما جاء الإسلام كَانَ منبراً قوياً لقتل روح التفرقة بَيْنَ النَّاس بل مِن الأسس الَّتِي وضعها حتّى تكون العبادة لربّ العباد. وكان أهل الجاهليّة يحبّون الفخر ويسألون عَنْ الأحساب والأنساب والقبائل الَّتِي ينتمون إِلَيْهَا وعلى هَذَا الأساس يكون التعامل والمجاملة فالقويّ لَهُ الحقّ وزيادة والضعيف عَلَيهِ الظلم وله الخنوع ليعيش تحت ظلّ هَذَا القانون الَّذِي يفرّق حتّى بَيْنَ الألوان والأشكال.
ولمّا قام الدين لهدم هَذَا الميزان وضع لهم ميزاناً جديداً وَهُوَ ميزان التقوى (( يَا أيّها النَّاس إنّا خلقناكم مِن ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عِنْدَ اللهِ أتقاكم إنّ الله عليمٌ خبير )) [الحجرات: 13] ولأنّ التقوى شيء لَيْسَ بالهيّن وَلاَ يصل إِلَيْهِ الإنسان بيوم وليلة جعل لهذه الأمّة شهراً تتعلّم مِن خلاله التقوى فقال عَزَّ وَجَلَّ: (( يَا أيّها الَّذِينَ آمنوا كُتِبَ عليكم الصّيام كَمَا كتب عَلَى الَّذِينَ مِن قبلكم لعلّكم تتقون )) [البقرة: 183] ولذلك كَانَ هَذَا الشهر دعوة إِلَى النسب الحقيقي، وَهُوَ الإسلام والتّمسك بحبل الله عَزَّ وَجَلَّ ليكمل الإنسان سفره إِلَى الآخرة وَهُوَ بحاجة فِي طريقه إِلَى الزّاد والملبس وهما مِن نوع خاص لأنّ الرحلة إِلَى جنّات الخلد والنّعيم. فدلّ الله عَلَى الزّاد فقال عَزَّ وَجَلَّ: (( وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التقوى )) [البقرة: 197] فهذا هُوَ الزّاد الَّذِي يكسب الأعضاء قوّة والوجدان تقدّماً ويعين صاحبه عَلَى طاعة ربّ العالمين، ثُمَّ ذَلِكَ اللّباس الَّذِي يستر العورة ويحجب عَنْ البدن آثار الذّنوب والمعاصي ويجدّد لَهُ قوّته وطاقته (( يَا بني آدم قَدْ أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذَلِكَ خير ذَلِكَ من آيات الله لعلّهم يذكرون )) [الأعراف: 26] فالحرص كلّ الحرص عَلَى أَنْ تصنعوا لأنفسكم ولأبدانكم الزّاد واللّباس لاستكمال المسيرة إِلَى ربّ العالمين وَلاَ تضيعوا الرّحمة حتّى يكون النسب قَدْ اكتمل إِلَى دين الله عَزَّ وَجَلَّ ويجد الإنسان لنفسه مكاناً تحت تِلْكَ المظلّة الرّبّانيّة ويتعارف مَعَ إخوانه فِي دين الله عَزَّ وَجَلَّ. والله المستعان.
كلّيـــــــــــة الجهــــــــــاد
(( وقال الَّذِينَ لاَ يعلمون لَوْلاَ يكلّمنا اللهُ أَوْ تأتينا آية كذلك قَالَ الَّذِينَ من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قَدْ بينا الآيات لقوم يوقنون )) [البقرة: 118] وهذه الآية تخبرنا عَنْ التّشابه الَّذِي كَانَ بَيْنَ القرون مَعَ تغير البيئات والصّور والحضارات الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم والرّسل مِن قبله، وَمَا كَانَ هَذَا التّرابط إِلاَّ لأن قائد المسيرة واحد لَمْ يتغيّر مَعَ كلّ التّغيّرات. إنّه إبليس القائل كَمَا بيّنه الله عَزَّ وَجَلَّ: (( فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ثُمَّ لآتينّهم من بَيْنَ أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم وَلاَ تجد أكثرهم شاكرين )) [الأعراف: 17]، فهذا شعاره الَّذِي رفعه وَهُوَ معنا بالليل والنّهار طوال العام إِلاَّ فِي هَذَا الشهر الكريم، ينفك عَنْ محبوبته، وَهِيَ النَّفْس ليذهب إِلَى سجنه تاركها تواجه المصير لوحدها ( إِذَا كَانَ أوّل ليلة فِي شهر رمضان صفّدت الشّياطين ومردة الجنّ ) صحيح الجامع (759) فتضعف النَّفْس لأنّ قائدها مكبّل ومحبوس، وَهِيَ كذلك بَيْنَ يدي مقبل عَلَى طاعة فِيهَا من الأدوات مَا يزيد من ضعفها ويقتل الشر فِيهَا من قلّة الطّعام والشّراب والابتعاد عَنْ الشّهوات ليخرج جانب الخير الَّذِي حاولت هِيَ وإبليس خلال السنة دفنه والقضاء عَلَيهِ لتمزيق الرّاية الرّبّانيّة والقضاء عَلَى الجوارح وجعلها عبادة لشهواتها، لكن فِي شهر رمضان تختلف الأمور، فالقائد مسجون والنّفس تعبة من ضعف مقوّماتها، وأنت سيّد الموقف فِي الكرّ والفرّ. فعليك أَنْ تكون ذَلِكَ القائد المحنّك لتقضي عَلَى شرّ نفسك وتلبسها ثوب الخير (( ونفسٍ وَمَا سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قَدْ أفلح من زكّاها وَقَدْ خاب من دسّاها ))، وتفجّر طاقات الخير فِي نفسك وتفلح، فيخرج من سجنه ليزور حليف الأمس فيجده قَدْ أصبح عدوّاً مستعدّاً لحربه، وبذلك يكون الانتصار. والله المستعان.
كلّيـــــــــــة اليقيــــــــــن
عندما تكلّم أهل مكّة عَنْ يوم القيامة وتساءلوا عَنْ حقيقة ذكر الله لهم فِي سورة النبأ الظّواهر الطّبيعيّة الدّالة عَلَى قدرته ثُمَّ أشار عَزَّ وَجَلَّ إِلَى يوم القيامة (( إن يوم الفصل كَانَ ميقاتاً )) [النبأ: 17] وعندما أشار أيضاً إِلَى ذَلِكَ اليوم ومقدّماته قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (( كلا لَوْ تعلمون علم اليقين لترونّ الجحيم ثُمَّ لترونّها عين اليقين )) [التكاثر: 5-7] ولذلك أراد الله أَنْ يعلّمنا كَيْفَ نكون من أولئك الجازمين الحازمين فِي أمورهم، لاَ يتلاعب الشيطان بهم، وَلاَ تزيغ منهم الأبصار والقلوب، وتبقى متمسّكة بالحقّ الَّذِي تسعى إِلَيْهِ وتكون عَلَى ثقة دائمة بحكم الله عَزَّ وَجَلَّ، وَهِيَ بهذه الظاهرة الَّتِي يفطر الصّائم عِنْدَ لحظتها شاكراً لله نعمهُ عَلَيهِ ( إِذَا أقبل اللّيل مِن هاهنا وأدبر النّهار مِن هاهنا وغربت الشّمس فَقَدْ أفطر الصّائم ) صحيح الجامع (364)، ولذلك يؤكّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذِهِ الظّواهر الطبيعيّة الَّتِي لَهَا تعلّق بالعبادة ( لاَ يزال النَّاس بخير مَا عجلوا الفطر فإن اليهود يؤخّرون ) صحيح الجامع (7695)، وهذا حتّى لاَ تتعلّق النَّفْس بالشّك والجهل الَّذِي منع كفّار مكّة مِن الدخول فِي دين الله عَزَّ وَجَلَّ فقالوا (( أألقيَ عَلَيهِ الذّكر مِن بيننا بل هُوَ كذّابٌ أشر )) [القمر: 25] ولذلك كَانَ تعليم النَّاس الحرص عَلَى اليقين، ونبذ الشّك، والنّاظر فِي قصص الأنبياء يجد أَنْ الشكّ فِي الرّسل صلوات الله عليهم وَمَا أنزل الله معهم مِن الحقّ كَانَتْ هِيَ السّمة المشتركة بَيْنَ الأجيال المتتالية قَالَ تَعَالَى: (( وَمَا لهم بِهِ مِن علم إن يتّبعون إِلاَّ الظنّ وإنّ الظنّ لاَ يغني مِن الحقّ شيئاً )) [النجم: 28] فكانت دعوته صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله ( إنّا معشر الأنبياء أُمرنا أَنْ نعجّل إفطارنا ونؤخّر سحورنا ونضع أيماننا عَلَى شمائلنا فِي الصّلاة ) صحيح الجامع (2285). فهذه تربية مِن الله عَزَّ وَجَلَّ لمن أراد أَنْ يثبت نفسه ويتخلّص من الوسواس، ويرفع شعار نبيّه صلى الله عليه وسلم من كَانَ يؤمن باللهِ واليوم الآخر. والله المستعان.
إلى اللقاء في الجزء الثاني :)
وصلني عبر البريد ايميل في منتهى الروعة و هو بعنوان " الجامعة الرمضانية " الموضوع طويل بعض الشيء .. لذلك سأطرحه على خمسة أجزاء :) نفعنا الله و إياكم به :)
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين
و على آله و صحبه و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
نحن قوم أعزّ نا الله بالأسلام ومهما أبتغينا العزّه بغيره ...أذلنا الله
أما بعد
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله. .
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون )) [آل عمران :102].
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمِ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) [ النساء :1].
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) [ الأحزاب : 70 ، 71 ] .
أمَّا بعد : فإنّ أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النَّار.
كلّيـــــــــــــة التقـــــــــــــوى
عندما جاء الإسلام كَانَ منبراً قوياً لقتل روح التفرقة بَيْنَ النَّاس بل مِن الأسس الَّتِي وضعها حتّى تكون العبادة لربّ العباد. وكان أهل الجاهليّة يحبّون الفخر ويسألون عَنْ الأحساب والأنساب والقبائل الَّتِي ينتمون إِلَيْهَا وعلى هَذَا الأساس يكون التعامل والمجاملة فالقويّ لَهُ الحقّ وزيادة والضعيف عَلَيهِ الظلم وله الخنوع ليعيش تحت ظلّ هَذَا القانون الَّذِي يفرّق حتّى بَيْنَ الألوان والأشكال.
ولمّا قام الدين لهدم هَذَا الميزان وضع لهم ميزاناً جديداً وَهُوَ ميزان التقوى (( يَا أيّها النَّاس إنّا خلقناكم مِن ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عِنْدَ اللهِ أتقاكم إنّ الله عليمٌ خبير )) [الحجرات: 13] ولأنّ التقوى شيء لَيْسَ بالهيّن وَلاَ يصل إِلَيْهِ الإنسان بيوم وليلة جعل لهذه الأمّة شهراً تتعلّم مِن خلاله التقوى فقال عَزَّ وَجَلَّ: (( يَا أيّها الَّذِينَ آمنوا كُتِبَ عليكم الصّيام كَمَا كتب عَلَى الَّذِينَ مِن قبلكم لعلّكم تتقون )) [البقرة: 183] ولذلك كَانَ هَذَا الشهر دعوة إِلَى النسب الحقيقي، وَهُوَ الإسلام والتّمسك بحبل الله عَزَّ وَجَلَّ ليكمل الإنسان سفره إِلَى الآخرة وَهُوَ بحاجة فِي طريقه إِلَى الزّاد والملبس وهما مِن نوع خاص لأنّ الرحلة إِلَى جنّات الخلد والنّعيم. فدلّ الله عَلَى الزّاد فقال عَزَّ وَجَلَّ: (( وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التقوى )) [البقرة: 197] فهذا هُوَ الزّاد الَّذِي يكسب الأعضاء قوّة والوجدان تقدّماً ويعين صاحبه عَلَى طاعة ربّ العالمين، ثُمَّ ذَلِكَ اللّباس الَّذِي يستر العورة ويحجب عَنْ البدن آثار الذّنوب والمعاصي ويجدّد لَهُ قوّته وطاقته (( يَا بني آدم قَدْ أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذَلِكَ خير ذَلِكَ من آيات الله لعلّهم يذكرون )) [الأعراف: 26] فالحرص كلّ الحرص عَلَى أَنْ تصنعوا لأنفسكم ولأبدانكم الزّاد واللّباس لاستكمال المسيرة إِلَى ربّ العالمين وَلاَ تضيعوا الرّحمة حتّى يكون النسب قَدْ اكتمل إِلَى دين الله عَزَّ وَجَلَّ ويجد الإنسان لنفسه مكاناً تحت تِلْكَ المظلّة الرّبّانيّة ويتعارف مَعَ إخوانه فِي دين الله عَزَّ وَجَلَّ. والله المستعان.
كلّيـــــــــــة الجهــــــــــاد
(( وقال الَّذِينَ لاَ يعلمون لَوْلاَ يكلّمنا اللهُ أَوْ تأتينا آية كذلك قَالَ الَّذِينَ من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قَدْ بينا الآيات لقوم يوقنون )) [البقرة: 118] وهذه الآية تخبرنا عَنْ التّشابه الَّذِي كَانَ بَيْنَ القرون مَعَ تغير البيئات والصّور والحضارات الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم والرّسل مِن قبله، وَمَا كَانَ هَذَا التّرابط إِلاَّ لأن قائد المسيرة واحد لَمْ يتغيّر مَعَ كلّ التّغيّرات. إنّه إبليس القائل كَمَا بيّنه الله عَزَّ وَجَلَّ: (( فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ثُمَّ لآتينّهم من بَيْنَ أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم وَلاَ تجد أكثرهم شاكرين )) [الأعراف: 17]، فهذا شعاره الَّذِي رفعه وَهُوَ معنا بالليل والنّهار طوال العام إِلاَّ فِي هَذَا الشهر الكريم، ينفك عَنْ محبوبته، وَهِيَ النَّفْس ليذهب إِلَى سجنه تاركها تواجه المصير لوحدها ( إِذَا كَانَ أوّل ليلة فِي شهر رمضان صفّدت الشّياطين ومردة الجنّ ) صحيح الجامع (759) فتضعف النَّفْس لأنّ قائدها مكبّل ومحبوس، وَهِيَ كذلك بَيْنَ يدي مقبل عَلَى طاعة فِيهَا من الأدوات مَا يزيد من ضعفها ويقتل الشر فِيهَا من قلّة الطّعام والشّراب والابتعاد عَنْ الشّهوات ليخرج جانب الخير الَّذِي حاولت هِيَ وإبليس خلال السنة دفنه والقضاء عَلَيهِ لتمزيق الرّاية الرّبّانيّة والقضاء عَلَى الجوارح وجعلها عبادة لشهواتها، لكن فِي شهر رمضان تختلف الأمور، فالقائد مسجون والنّفس تعبة من ضعف مقوّماتها، وأنت سيّد الموقف فِي الكرّ والفرّ. فعليك أَنْ تكون ذَلِكَ القائد المحنّك لتقضي عَلَى شرّ نفسك وتلبسها ثوب الخير (( ونفسٍ وَمَا سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قَدْ أفلح من زكّاها وَقَدْ خاب من دسّاها ))، وتفجّر طاقات الخير فِي نفسك وتفلح، فيخرج من سجنه ليزور حليف الأمس فيجده قَدْ أصبح عدوّاً مستعدّاً لحربه، وبذلك يكون الانتصار. والله المستعان.
كلّيـــــــــــة اليقيــــــــــن
عندما تكلّم أهل مكّة عَنْ يوم القيامة وتساءلوا عَنْ حقيقة ذكر الله لهم فِي سورة النبأ الظّواهر الطّبيعيّة الدّالة عَلَى قدرته ثُمَّ أشار عَزَّ وَجَلَّ إِلَى يوم القيامة (( إن يوم الفصل كَانَ ميقاتاً )) [النبأ: 17] وعندما أشار أيضاً إِلَى ذَلِكَ اليوم ومقدّماته قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (( كلا لَوْ تعلمون علم اليقين لترونّ الجحيم ثُمَّ لترونّها عين اليقين )) [التكاثر: 5-7] ولذلك أراد الله أَنْ يعلّمنا كَيْفَ نكون من أولئك الجازمين الحازمين فِي أمورهم، لاَ يتلاعب الشيطان بهم، وَلاَ تزيغ منهم الأبصار والقلوب، وتبقى متمسّكة بالحقّ الَّذِي تسعى إِلَيْهِ وتكون عَلَى ثقة دائمة بحكم الله عَزَّ وَجَلَّ، وَهِيَ بهذه الظاهرة الَّتِي يفطر الصّائم عِنْدَ لحظتها شاكراً لله نعمهُ عَلَيهِ ( إِذَا أقبل اللّيل مِن هاهنا وأدبر النّهار مِن هاهنا وغربت الشّمس فَقَدْ أفطر الصّائم ) صحيح الجامع (364)، ولذلك يؤكّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذِهِ الظّواهر الطبيعيّة الَّتِي لَهَا تعلّق بالعبادة ( لاَ يزال النَّاس بخير مَا عجلوا الفطر فإن اليهود يؤخّرون ) صحيح الجامع (7695)، وهذا حتّى لاَ تتعلّق النَّفْس بالشّك والجهل الَّذِي منع كفّار مكّة مِن الدخول فِي دين الله عَزَّ وَجَلَّ فقالوا (( أألقيَ عَلَيهِ الذّكر مِن بيننا بل هُوَ كذّابٌ أشر )) [القمر: 25] ولذلك كَانَ تعليم النَّاس الحرص عَلَى اليقين، ونبذ الشّك، والنّاظر فِي قصص الأنبياء يجد أَنْ الشكّ فِي الرّسل صلوات الله عليهم وَمَا أنزل الله معهم مِن الحقّ كَانَتْ هِيَ السّمة المشتركة بَيْنَ الأجيال المتتالية قَالَ تَعَالَى: (( وَمَا لهم بِهِ مِن علم إن يتّبعون إِلاَّ الظنّ وإنّ الظنّ لاَ يغني مِن الحقّ شيئاً )) [النجم: 28] فكانت دعوته صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله ( إنّا معشر الأنبياء أُمرنا أَنْ نعجّل إفطارنا ونؤخّر سحورنا ونضع أيماننا عَلَى شمائلنا فِي الصّلاة ) صحيح الجامع (2285). فهذه تربية مِن الله عَزَّ وَجَلَّ لمن أراد أَنْ يثبت نفسه ويتخلّص من الوسواس، ويرفع شعار نبيّه صلى الله عليه وسلم من كَانَ يؤمن باللهِ واليوم الآخر. والله المستعان.
إلى اللقاء في الجزء الثاني :)