PDA

View Full Version : أين نحن من هؤلاء ؟


220
09-12-2002, 08:52 PM
كفى بالموت واعظاً

الحمد لله الذي كتب على عباده الموت والفناء، وتفرد سبحانه بالحياة والبقاء، والصلاة والسلام على من ختمت به الرسل والأنبياء وعلى آله وأتباعه إلى يوم اللقاء.


فإن الموت لا ريب فيه، ويقين لا شك فيه وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد [ق:19]، فمن يجادل في الموت وسكرته؟! ومن يخاصم في القبر وضمته؟! ومن يقدر على تأخير موته وتأجيل ساعته؟! فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون [الأعراف:34].


فلماذا تتكبر أيها الإنسان وسوف تأكلك الديدان؟!


ولماذا تطغى وفي التراب ستلقى؟!


ولماذا التسويف والغفلة وأنت تعلم أن الموت يأتي بغتة؟!


كل نفس ذائقة الموت [آل عمران:185]، كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [الرحمن:26،27]، كل شيء هالك إلا وجه له الحكم وإليه ترجعون [القصص:88].




أخي المسلم:
يخطئ من يظن أن الموت فناء محض وعدم تام، ليس بعده حياة ولا حساب ولا حشر ولا نشر ولا جنة ولا نار. إذ لو كان الأمر كذلك لا نتفت الحكمة من الخلق والوجود، ولاستوى الناس جميعاً بعد الموت واستراحوا، فيكون المؤمن والكافر سواء، والقاتل والمقتول سواء، والظالم والمظلوم سواء، والطائع والعاصي سواء، والزاني والمصلي سواء، والفاجر والتقي سواء، وهذا مذهب الملاحدة الذين هم شر من البهائم، فلا يقول ذلك إلا من خلع رداء الحياء، ونادى على نفسه بالسفه والجنون. قال تعالى: زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير [التغابن:7]، وقال سبحانه: وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [يس:78،79].



ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غابة كل حي
ولكنا إذا متنا بعـــثناونسأل بعده عن كل شيء



الموت أعظم المصائب




والموت من أعظم المصائب، وقد سماه الله تعالى مصيبة في قوله سبحانه: فأصابتكم مصيبة الموت [المائدة:106]، فإذا كان العبد طائعاً ونزل به الموت ندم أن لا يكون ازداد وإذا كان العبد مسيئاً تدم على التفريط وتمنى العودة إلى دار الدنيا، ليتوب إلى الله تعالى، ويبدأ العمل الصالح من جديد. ولكن هيهات هيهات!! قال تعالى: وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين [فصلت:24]، وقال سبحانه: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون [المؤمنون:99،100].



مضى العمر وفات *** يا أسير الغفلات
حصّل الزاد وبادر *** مسرعاً قبل الفوات
فإلى كم ذا التعامي *** عن أمور واضحات
وإلى كم أنت غارق *** في بحار الظلمات
لم يكن قلبك أصلا *** بالزواجر والعظات
بينما الإنسان يسأل *** عن أخيه قيل مات
وتراهم حملوه *** سرعة للفلوات
أهله يبكوا عليه *** حسرة بالعبرات
أين من قد كان يفخر *** بالجياد الصافنات
وله مال جزيل *** كالجبال الراسيات
سار عنها رغم أنف *** للقبور الموحشات
كم بها من طول مكث *** من عظام ناخرات
فاغنم العمر وبادر *** بالتقى قبل الممات
واطلب الغفران ممن *** ترتجي منه الهبات




فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله. كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهاذماً للذات، وقاطعاً للأمنيات.


فيا جامع المال! والمجتهد في البنيان! ليس لك والله من مالك إلا الأكفان، بل هي والله للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين الذي جمعته من المال؟ هل أنقذك من الأهوال؟ كلا.. بل تركته إلى من لا يحمدك، وقدمت بأوزارك على من لا يعذرك.


ولقد أحسن من قال في تفسير قوله تعالى: ولا تنس نصيبك من الدنيا [القصص:77]، هو الكفن، فهو وعظ متصل بما تقدم من قوله: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة [القصص:77]، أي اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة، فإن حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة، لا في الطين والماء، والتجبر والبغي، فكأنهم قالوا: لا تنس أن تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن.


ونحو هذا قال الشاعر:



هي القناعة لا تبـغ بها بدلاً *** فيهــا النعيم وفيها راحــة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل *** راح منها بغير القطن والكفن؟!


صور من سوء الخاتمة



قيل لرجل عند الموت: قل لا إله إلا الله، وكان سمساراً، فأخذ يقول: ثلاثة ونصف.. أربعة ونصف.. غلبت عليه السمسرة.

وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فجعل يقول: الدارالفلانية أصلحوا فيها كذا وكذا، والبستان الفلاني أعملوا فيه كذا، حتى مات.

وقيل لأحدهم وهو في سياق الموت: قل لا إله إلا الله، فجعل يغني، لأنه كان مفتوناً بالغناء، والعياذ بالله.

وقيل لشارب خمر عند الموت: قل لا إله إلا الله، فجعل يقول: اشرب واسقني نسأل الله العافية.


صور من حسن الخاتمة



دخل صفوان بن سليم على محمد بن المنكدر وهو في الموت فقال له: يا أبا عبدالله! كأني أراك قد شق عليك الموت، فما زال يهون عليه ويتجلى عن وجه محمد، حتى لكأن وجهه المصابيح، ثم قال له: لو ترى ما أنا فيه لقرت عينك، ثم مات.

وقال محمد بن ثابت البناني: ذهبت ألقن أبي وهو في الموت فقلت: يا أبت! قل لا إله إلا الله. فقال: يا بني، خل عني، فإني في وردي السادس أو السابع!!

ولما احتضر عبدالرحمن بن الأسود بكى. فقيل له: مم البكاء؟ فقال: أسفاً على الصلاة والصوم، ولم يزل يتلو القرآن حتى مات.

وسمع عامر بن عبدالله المؤذن وهو في مرض الموت فقال: خذوا بيدي إلى المسجد، فدخل مع الإمام في صلاة المغرب، فركع ركعة ثم مات رحمة الله.


رحلة الموت



رب مذكور لقوم *** غاب عنهم فنسوه
وإذا أفنى سنيه *** المرء أفنته سنوه
وكأن بالمرء قد *** يبكي عليه أقربوه
وكأن القوم قد ماتوا *** فقالوا أدركوه
سائلوه كلموه *** حركوه لقنوه
فإذا استيأس منه الـ *** قوم قالوا أحرقوه
حرفوه وجهوه *** مددوه غمضوه
عجلوه لرحيل *** عجلوا لا تحبسوه
ارفعوه غسلوه *** كفنوه حنطوه
فإذا ما لف في الـ *** أكفان قالوا فاحملوه
أخرجوه فوق أعواد *** المنايا شيعوه
فإذا صلوا عليه *** قيل هاتوا واقبروه
فإذا ما استودعوه *** الأرض رهناً تركوه
خلفوه تحت رمس *** أوقروه أثقلوه
أبعدوه أسحقوه *** أوحدود أفردوه
ودعوه فارقوه *** أسلموه خلفوه
وانثنوا عنه وخلوه *** كأن لم يعرفوه
وكأن القوم فيما *** كان فيه لم يلوه

كهرمانة العين
09-12-2002, 10:49 PM
أخي 220 شكرالك وجزاك الله خيرا ...لوردك لهذا الموضوع القيم ..:)

MUSLIMAH
10-12-2002, 12:14 AM
اللهم اجعل خير عمرنا آخره و خير أعمالنا خواتيمها و خير أيامنا يوم نلقاك فيه ..

ذكرك الله بالشهادة كما ذكرتنا بهادم اللذات و مفرق الجماعات .. نسأل الله حسن الخاتمة ..

جزيت الفردوس الاعلى اخي 220

هايدي
12-12-2002, 09:23 AM
أخي الفاضل .. 220

نسأل الله أن يختم لنا بالصالحات ..

جزاك الله عن الجميع خيراً ... وبارك الله فيك أينما كنت وحللت ..

كـيـمـو
12-12-2002, 10:21 AM
رد مقتبس من هايدي
أخي الفاضل .. 220

نسأل الله أن يختم لنا بالصالحات ..

جزاك الله عن الجميع خيراً ... وبارك الله فيك أينما كنت وحللت ..


تحياتي وسلامي للجميع

نور بوظبي
12-12-2002, 01:35 PM
ما شاء الله لا قوة الا بالله


ما اروع هذه الموعظة ..


اسال الله لنا و لكم الهداية و الصلاح و التوفيق


نسأل الله حسن الختام ..


جزاك الله كل الخير اخي الكريم ، و اثابك ربي جنات الفردوس الأعلى ..


اسال الله ان يرحمنا و يرحم جميع موتى المسلمين

بو عبدالرحمن
12-12-2002, 06:58 PM
-
اخي الكريم : 220
............ رحم الله والديك ورفع قدرك

صدقت .. لله درك ..

ليس الموت سوى نقلة من هاهنا إلى هناك
وما أدراك ما هناك .. ؟
جنة عالية قطوفها دانية .. ورضوان من الله أكبر
نسأل الله أن يحسن خاتمتنا جميعا
ويقبضنا يوم يقبضنا وهو راضٍ عنا .. اللهم آمين

تقبل تحياتي وخالص دعواتي

220
13-12-2002, 02:32 AM
بارك الله فيك اختي كهرمانة العين ورفع درجتك في المهديين .