PDA

View Full Version : بكى في ليلة عرسه


فتو
20-07-2003, 05:24 PM
كان القمر بدراً تلك الليلة ..
أشعته الفضية تتسلل إلى الغرفة ذات الشباك الواحد ..
و تستلقي على السرير تحت الشباك مباشرة .. فتقسمه نصفين ..
ليلة من ليالي الربيع .. باردة النسمات


كان يجلس على حافة السرير في الجانب المظلم منه .. ينظر إلى الجدار مقابله .. وقد ألقى عليه ضوء القمر ظلال قضبان زنزانة باردة ..
هل أنا في سجن فعلاً .؟؟ ..
لم تكن تلك القضبان إلا ظل القضبان الحديدية للشباك .. تنهد و استلقى على قفاه و غاص في السرير الكبير الفاخر ..
الجوال على الطاولة .. و السيارة الجديدة تقف عند الباب .. و زوجة حسناء خرجت من عنده للتو .. و صحة و عافية ..
هل هناك سبب آخر للسعادة .؟؟ ..
.. إلتفت إلى القمر .. فشعر بحنين جارف لا يدري ماهيته .. رجعت به الذاكرة سنين طويلة ..
يا لعجيب خلق الله في هذه الذاكرة .. كيف تختزل الأعوام المديدة في لحظات .. سافرت عيناه إلى القمر .. اقترب منه .. حتى أصبح ملء عينيه .. أطال في تأمله ..
ثم رجع فوجد نفسه في سفح جبلٍ أشم .. في طرف من أطراف العالم المنسي ..
في صحبة فتية غرباء .. و هذا هو القمر بعينه .. الذي كان يشرف عليهم من خلف الجبل ..
يشهد كلامهم .. و يسمع نشيدهم .. كانت وجوههم تلمع بألوان الذهب و الفضة ..
فتارة تعكس لون ألسنة اللهب الذهبية من النار التي يتحلقون حولها .. فإذا خفت اللهب .. انعكست على وجوههم أشعة القمر الفضية
لم يتذكر نشيدهم .. ربما كانوا يرددون .. لبيك لبيك لبيك .. أو كلمة نحوها ..
كان كل واحد منهم يحتضن رشاشه في حنان و مودة .. و كأنه طفله بين يديه .. قصصهم شبيهة بالأساطير .. فهذا يسند رأسه على سبطانة سلاحه و يقص حكايات بلاد المغرب .. التي جاء منها .. و هذا يروي قصص أقصى الشرق .. و آخر بدوي يروي قصة صحراء مهلكة .. و كيف وصل إلى بلاد لم يسمع بها أبداً .. لم يتخلل جلستهم رنين جوال أو بيجر .. و لم يكدر صفوها صوت مذيع .. أو معلق كرة ..
لا تتوسطهم لمبة كهربائية .. لا أزيز محرك .. و لا أنوار من بعيد .. و لم يكن هناك أي أثر للسيارات ..
ليس ثمة إلا القمر .. و الحطب .. و الخيل صافنات قد ربطت إلى الشجر .. ضحكات متفرقة .. تقطع هدوء الوادي المهجور ..
لقد أحبهم كما لم يحب أحداً من قبل .. كم هو في شوق لتلك الجلسة ..
قطع عليه سيل الذكريات صوت الباب .. رجعت عرسه و قد اغتسلت ..
فزادها الماء بهاءاً و جمالاً .. نظر إليها .. جميلة .. كما أرادها و تمناها ..
تذكر أولئك الفتية .. و كيف كانوا يشربون الشاي و يتحدثون عن العرس ..
أي عرس .. و قد كانت النساء أبعد ما تكون عنهم ..
ربما أقرب امرأة من جلستهم تلك مسيرة أربعة أيام .. أي عرس .. و أي امرأة ترضى بهم .. و بثيابهم الرثة .. و جيوبهم الخاوية .. طبقات التراب على أجسادهم .. يشتكي بعضها من بعض .. و القمل يتزاحم على رؤوسهم ..
لا يملكون بيوتاً و لا حتى خياماً .. لا يملكون مهوراً .. إلا .. دماءهم .. فهل هناك من ترضى بالدم مهراً لها ؟؟ ..
نعم .. كان هناك نساءاً يحبون هذا النوع من المهور الغالية .. بعيدات جداً .. قريبات جداً .. بعيدات بعد السماء .. قريبات .. أقرب لأحدهم من شراك نعله ..
فبين أحدهم و بين عرسه طلقة أسرع من الصوت ..
أو شظية كانت في طريقها إليه و هو في مكانه ذلك ربما لن تمهله حتى ينتهي من كأس الشاي .. أو لغم متحفز له على بعد أمتار من جلستهم .. ينتظر قفوله .. يكمن بينه و بين حصانه ..
كانت الحور العين .. أقرب إليهم من نساء الدنيا ..
ذلك العرس الذي كانوا يتحدثون عنه .. بشوق .. و هذا العرس الذي كان يحدث به نفسه .. بشوق أيضا ..
كانوا يتحدثون .. و كان الله أعلم بما في قلوبهم .. لقد حضر زفاف أكثرهم .. فقد دفنهم الواحد تلو الآخر ..
.. ثم رجع لعرسه الذي تمنى .. و لم يحضر زفافه أحد منهم .. دمعة حارة .. تدحرجت على خده ..
ليتني صدقت مع الله .. كما صدقوا ..
مسحت عرسه الدمعة .. . ما الذي يبكيك أيها الحبيب ..
أفي ليلة مثل هذه يبكي الرجل .. هل رأيت مني ما يكدرك ..
بكت معه .. و لم تدري ما به .. و لن يدري أحد ما به .. و لا حتى هو نفسه ..

ربما يبكي شوقاً إليهم .. أو حزناً عليهم .. أو على نفسه ..
ربما يبكي لأنه تذكر ذلك الشرط المخيف .. لمن أراد أن يلحق بهم .. شرط .. و مــــابـــدلـــوا تــبــديـــلاً ..

منقووول




منقول من الرابط التالي :هنا (http://www.abunawaf.ws/modules.php?name=News&file=article&sid=424)

حروف سوالف
20-07-2003, 07:44 PM
رائعه القصه ....وتشكر على نقلها ..
تمنيت ان تقراء من كتابتك :)
ولكن ايضا لك جزيل الشكر :)
اخوك حروف سوالف

أسير الليل
20-07-2003, 08:25 PM
اسعد الله صباحك فتو

دمعة تلسع بلهيبها قلب .. من عرف تلك المعاني ..
من يسمع بقصصهم الرائعه ..

تسلمين على النقل الرائع

Timon
20-07-2003, 09:34 PM
شوف الدنيا كيف صغيرة!!!!
اليوم إللي أرجع فيه لسوالف أشوفج موجودة !!!!
كيف حالج ؟
كبرت و لا بعدج؟؟؟ :)

فتو
20-07-2003, 09:35 PM
بالفعل قصة رائعة...و معاني أروع

و أشكرك انت لتفضلك بقرائتها :)

و بالنسبة لكتاباتي فمن يدري لعلها ترى النور قريباً....

:rolleyes:



دعواتك

فتو
20-07-2003, 09:47 PM
أسعد الله صباحك بكل خير :)
و أشكرك على حضورك الرائع




فعلاً ......إنها أسمى معاني
لأسمى رجال ...
عاشوا بأسمى هدف...
لأسمى حياة ...

عسى الله يحفطهم وين ما كانوا و يقويهم ...و يهدي ضالهم ...إنه سميع مجيب

فتو
20-07-2003, 10:17 PM
يا هلا و مرحبا :D

سبحان الله ...ما أصغرها من دنيا

انا و لله الحمد في خير و نعمة ...و أرجو أن تكون انت كذلك .. :)

و طبعا كبرت "سنا":rolleyes: ..و أتمنى ان اكبر روحا و فكرا ....:)


أسعدنا وجودك .. و اتمنى ألا تنقطع عن سوالف و أن تتحفنا بمواضيعك :)

على فكرة ....ما قلت لي وش رايك بالقصة؟؟؟؟:damp:

Timon
20-07-2003, 11:03 PM
و الله القصة حلوة
:glasses:
تصدقين... أنا دخلت أسأل عن سلسلة كتب و ين احصلها و اطلع
و كنت أبغي أدخل باسم جديد بس ما قدرت أسجل
و سبحان الله دخلت بالاسم القديم هذا و انكتب لي أني أشو موضوعج
كيف الدنيا معاج
تدرسين ؟ و لا متزوجة ؟ عندج عيال ؟ و لا عندج أحفاد؟

نور بوظبي
21-07-2003, 05:38 AM
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

ذكرتني هذه القصة بالخطاب رحمه الله




الشــــــــوق نار كاوية (http://www.swalif.net/sforum1/showthread.php?s=&threadid=171586)

فتو
21-07-2003, 12:55 PM
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته....


أسعدني حضورك و ردك :)

و الله يرحم الخطاب و أمثاله و يرضى عليهم و يجعلهم في أعلى عليين يا رب ..

متاهه
23-07-2003, 11:03 AM
دمعُهُ..
ودموعها..
والرحمن أعلم بالدمعة الثالثة!

لذة ارتشاف العبارات..
وطهر الفكر الذي يتجلى هاهنا..
جعلوني أتنحى خجلى مما أكتب..

طريقة (مغايرة) للحث على الجهاد..
من بين السطور..
نداءات تكاد تلامس مسامعي..
قصة مؤثرة إن كنت لا أريد أن أسميها قصة..
بل هي......!
لا أدري ؟!؟

أختي..
من ردودك..
لمحت وعداً بمرأى كتاباتك إلى النور..
أسرعي فمن تتذوق جمال هذا..

لابد تحمل أناملها الأجمل..

همســــة:
جزيت خير الجزاء (نور)
على أهدائك المؤثر (جداً)..

أختك..
متاهــــــــــه..

كهرمانة العين
23-07-2003, 11:39 AM
جزاك الله خيرا لوردك لهذه القصة المؤثرة ..أختي فتو ...

فتو
26-07-2003, 10:20 PM
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته


أشكر لكِ جميل تفضلك و إبداعك ...


و إن كنت لا أرى نفسي بين جموع الكاتبات ...إلا انه لا يفوتني أن أشكر لكٍ جميل إطرائك... :)

فتو
26-07-2003, 10:32 PM
حياك الله اختي :)

و جزاك الله خير لتفضلك بقرائتها :)