بو عبدالرحمن
17-12-2004, 03:20 PM
على ضفافِ التاريخ تتنسمُ عبقَ الجنةِ ، ويهبّ على روحكَ فيضاً من أريجها ،
ذلك حين تقررُ أن تعيشَ ساعةً أو أكثر تستقطعها من يومك أو ليلك ، لتتجول في رياضِ السيرةِ النبوية ، على صاحبها أزكى وأعطر السلام ،
أو تطوف في بساتين سير ة الصحابة والتابعين والربانيين في هذه الأمة قديما وحديثا ..
أولئك الصفوة المختارين الذين حملوا همّ هذا الدين ، فأصبحَ هو كل همومهم ، ودائرة القطب في أفكارهم ..
من أجله شمروا ، وفي سبيله تعبوا تعبهم في الحياة ، ومن أجل نصرته قرروا أن يحملوا أكفانهم على أكفهم ..
ومضوا مُشرّقين ومغربّين ، ولسان حالهم الذي يفيض من كل خلية يهتف مناجيا :
وعجلتُ إليكَ ربّ لترضى ...
و... أرواحنا يا ربّ فوق أكفنا ** نرجو رضاكَ مغنماً وجوارا
ولخطورة وأهمية قراءة قصص التاريخ والانتفاع بها ، رأينا اللهَ سبحانه في كتابه الكريم :
يقص على نبيه عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام ، وهو يربيهم على عينه ، قصص الأنبياء عليهم السلام ليثبت بها قلوبهم ، ويرسم لهم الطريق على ضوئها ..
( وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ
وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) ..
ومن ثمّ فلا غرو أنك إذا تناولتَ كتاباً من كتب تراثنا الإسلامي المُشرق ،
ولاسيما كتب التراجم والسير _ وما أكثرها وما أروعها _ :
تشعرُ أنك تلجَ إلى خمائلَ وجنانٍ ، توقظ فيك أجمل المشاعر ، وتحرك لديكَ
أروع المعاني ، وتنبجسُ في أغوار روحك كوامنُ الأشواق إلى الله جل في علاه .
وتضع بين يديكَ عَالماً مضيئاً بالتوهج يومَ كنا خير أمةٍ ، يتتلمذ سادةُ الدنيا على أيدي سلفنا الصالح ،
ويتشربونَ من سلوكياتهم أعذبَ دروس الحياة ، ويلتقطون من أفواههم درر الحكمةِ
التي تبني الحياةَ ولا تهدمها ، تخرجُ من قلوبهم قبل أن تنطقها أفواههم ..
لا تقلْ أينَ ابتكارُ المسلمين ** انظرِ الحمراءَ واشهدْ حسنَ تاجْ
دولةٌ سارَ ملوكُ العالمين ** نحوها طوعاً يؤدون الخراجْ
لا تسلني الآنَ عن دعوتهِ ** إنها ميـدانُ بدرٍ وحـنينْ
في أبي بكرٍ وفي صاحبهِ ** في عليٍ ثم في صبر الحسينْ
كبّروا لله في ظلِ الحروب ** وصفوف تحتَ ظلِ المسجدِ
صيحةٌ دانتْ لهم فيها الشعوب ** وعلوا فيها مكانَ الفرقدِ
يا قلبُ ،، حسبكَ لن تلمّ بطيفهم ** إلا على مصباحِ وجهِ محمدِ
ومن ثمّ فإني أعيذكَ باللهِ ثلاثاً ، وأحصنكَ باسمه العظيم ، من كل شيطانٍ رجيم ،
أعيذك أن تعتمدَ على ما يقدمهُ الوسط الفني من قصص التاريخ ، فإنهم يدسون ( السم في العسل !! ) .
ولستُ أقولها خطأ أو زلة قلم ، بل أقولها عامداً متعمداً فالسم في أطباقهم هو الأصل الأصيل ، والعسل الحلو هو الطلاء الخارجي لاصطياد البسطاء من أبنائنا وبناتنا ..!!
قصصُ القومِ تقوم على التشويه لأجمل الصفحات في تاريخنا المضيء ، وكثير منها يعمل على أن يغرس بذور الشك في القيم النبيلة ، ويعمد إلى تسفيه أخلاق الناس ، وتسطيح عقولهم ، والعبث بتاريخهم ..!!
ويصورون لك تاريخنا وكأن ليس فيه سوى حلقات المجون والرقص والغناء ، والنساء الفاتنات والجواري الملاح ..!!
والخلفاء المتاصبون التافهون ، وموائد الخمر ، والعمل أصلا لغير وجه الله سبحانه ،
والتآمر حتى على الأقارب والأرحام ، والإرهاب والعنف والدماء ، والوجوه الغليظة
، والرقاب العريضة ، والعيون التي تقدح جمراً ، واللغة المتكلفة المتصنعة ،
والعبودية لغير الله حتى في قلب المعارك وهو يواجهون الموت !!!
ولازلت أذكر منذ سنوات بعيدة ، كيف أني رأيت مسلسلاً تاريخياً –زعموا –
جاء في بعض مشاهده كيفية تطبيق حدود الله ، بشكل مقزز مثير ، حيث يطبق الناسُ
أنفسهم في الشارع الحدّ على من يستحقه ، فيهجمون عليه هجمة رجل واحد ، ويقيمون عليه الحد ضربا أو رجما ، وما على الإنسان الذي يريد أن يقيم الحد ،
إلا أن يجمع ثلة من الناس المارين به في السوق ، ليشير إلى الشخص المطلوب إقامة
الحد عليه ، فإذا بهم يتصايحون بالتكبير ، ثم الهجوم عليه ، فيلهبوا ظهره بالعصي
والسياط ، فإذا فرغوا نفضوا أيديهم وهم يحمدون الله ويشكرونه !!
هزلت ....!!!
هذه مجرد نموذج عابر وإلا فالأمر أبعد من هذا وأنكى وأخطر ..
ابن لفاتح عظيم يصورونه على أنه عاشق ولهان لفتاة نصرانية ، وأنه إنما كان يجاهد
من أجل الوصول إليها ، لا لشيء آخر ..!! وعلى هذا قس ..
شاهت الوجوه ...!!
أعود مرة أخرى فأقول :
عدْ إلى النبع رأساً ، فمن أمسكَ بالنبع واغترف منه ، استقل السواقي ، وترفع أن يخدعه مناكيد الدنيا ، وصعاليكها ،
واستنكف أن يأكل من تلك المائدة التي يضعونها أمامه ، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها مشحون بالعذاب ..
واستنكف أيضا أن يضيع وقته أمام هذه الأباطيل التي تُعرض في أسواق نخاسة أهل الفن باسم التاريخ ، والتاريخ منهم براء ..!!
لا نريد أن نتهم كل من قام بدور في مسلسل أو فيلم من هذه النوعية ، أنه كان قاصداً أن يخوض في هذا المستنقع ،
ولكن أليست للقوم عقول ؟ أليس كل منهم يزعم أن ثقافته توزن بلد ؟
أكان يصعب على الواحد منهم ، أن يعود إلى السيرة التي سيقدم شخصيتها ليقف على حقيقة الأمر ،
بل أيعجزه أن يسأل أهل الاختصاص في بلده من الثقات ، ليضعوا بين يديه مراجع
يميز من خلالها بين الحقيقة التاريخية ، والخيال الذي يرسمه كاتب المسلسل ،
ويميز بين الحق الذي يجب أن يقدمه زادا لأمته ، وبين الباطل الذي يدسونه في هذا
العمل ، أم أن بريق الشهرة والنجومية والمال قد أعمتْ وأصمت ،
فلم يفكروا في مثل هذا ؟؟
ولا ننسى أن نلفت النظر إلى أن عدد غير قليل من المخرجين هم أصلاً نصارى !!
في الختام لا يسعني إلا أن أسوق إليك تجربة لعل الله ينفعك بها كما نفع صاحبها :
قال :
كلما أرهقني هذا الواقع الذي نعيشه ، فإني أبادر إلى الاغتسال الروحي من خلال
خلوة لمدة ساعة أو ساعتين أقضيها مع كتاب من كتب التاريخ الإسلامي المشرق
المشرف ، وأعيش في رحاب النقاء والصفاء وأجواء الملائكة ، مع رجال ربطوا
قلوبهم بالسماء ، ووجهوا إليها كل طاقاتهم ، وبذلوا جهودهم لدينهم ، قد أشرقت
قلوبهم بنور ربها ، فأراهم وهم يبنون الحياة ، ويزرعون النور ، ويصنعون تاريخ
هذه الأمة ، ويعلمون الحياة نفسها آداب الحياة !!
وأحس خلال ذلك أني قد انقطعت كليا عن هذا الواقع المرير الذي تتقلب فيه أمتنا اليوم
، بل أشعر أني اتقلب في أجواء نورانية ، اشحن بها قلبي ، لأخرج من هذه الخلوة
جديدا أتلألأ بالنور ، وأنظر إلى تعاجيب أهل الدنيا وهم يتلهون بالسفاسف ، ويتساقطون في وحل الشهوات ، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ، فأقول في ثقة وإكبار
: آلا أين الثرى من الثريا ..!! أين وحل الأرض من طهر السماء .. !!
ثم أقول لنفسي جازما حازماً :
إن ما تحقق مرة سيتحقق مرة أخرى ، وهذه الأمة موعودة بولادة جديدة ، ولابد أن يخرج فيها جيل جديد بدماء جديدة ، ليعيد سيرتها الأولى ، يوم كانت كلمة الفصل كلمتها ، ولا يُقضى الأمر إلا بعد أن يعرض عليها !!
وما ذلك على الله بعزيز ، وصدق من قال :
إنه لن يصلح حال آخر هذه الأمة ، إلا بما صلح عليه حال أولها ..
ونحن أمة موعودة بالنصر ، ووعد الله آتٍ آت ، ولو كره الكافرون ..
ولكن يبقى السؤال الكبير :
ماذا صنع كل منا في دائرته ، ليكون مساهما في صناعة نهار هذه الأمة .؟!
كثيرون منا وفينا لا زال الهوى الجامح يستعبدهم ، ويستذلهم ، يركعون ويسجدون
في محراب الهوى ، ويجرفهم في طريقه ، وهم يظنون أنهم على خير ..!!
فقط لأنهم يرون غيرهم أسوأ منهم !! ...... سبحان الله ..
لا تحسبَ المجدَ تمراً أنت آكلهُ *** لن تبلغَ المجدَ حتى تلعق الصبرا
من هنا أوصي نفسي وإياك أن نجعل هذه الآية نصب أعيننا دائماً :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
أما بهرجة الكافرين وصولتهم وجولتهم الآنية ..فتذكر معها قول الحق تبارك اسمه :
( لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ *مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)
نار الدنيا قبل نار الآخرة ..ان شاء الله ..
ذل وخزي في الدنيا ، ونار جهنم في الآخرة ..
( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ ..
فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً
ثُمَّ يُغْلَبُونَ ..
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ )
إن في قصصِ التاريخ عبراً كثيرة ، ودروساً شتى ، فهي زاد رائع ورصيد ضخم ،
في طريق بناء الشخصية المسلمة ، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..
وبالله التوفيق .. ومنه المدد والعون ..
ذلك حين تقررُ أن تعيشَ ساعةً أو أكثر تستقطعها من يومك أو ليلك ، لتتجول في رياضِ السيرةِ النبوية ، على صاحبها أزكى وأعطر السلام ،
أو تطوف في بساتين سير ة الصحابة والتابعين والربانيين في هذه الأمة قديما وحديثا ..
أولئك الصفوة المختارين الذين حملوا همّ هذا الدين ، فأصبحَ هو كل همومهم ، ودائرة القطب في أفكارهم ..
من أجله شمروا ، وفي سبيله تعبوا تعبهم في الحياة ، ومن أجل نصرته قرروا أن يحملوا أكفانهم على أكفهم ..
ومضوا مُشرّقين ومغربّين ، ولسان حالهم الذي يفيض من كل خلية يهتف مناجيا :
وعجلتُ إليكَ ربّ لترضى ...
و... أرواحنا يا ربّ فوق أكفنا ** نرجو رضاكَ مغنماً وجوارا
ولخطورة وأهمية قراءة قصص التاريخ والانتفاع بها ، رأينا اللهَ سبحانه في كتابه الكريم :
يقص على نبيه عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام ، وهو يربيهم على عينه ، قصص الأنبياء عليهم السلام ليثبت بها قلوبهم ، ويرسم لهم الطريق على ضوئها ..
( وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ
وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) ..
ومن ثمّ فلا غرو أنك إذا تناولتَ كتاباً من كتب تراثنا الإسلامي المُشرق ،
ولاسيما كتب التراجم والسير _ وما أكثرها وما أروعها _ :
تشعرُ أنك تلجَ إلى خمائلَ وجنانٍ ، توقظ فيك أجمل المشاعر ، وتحرك لديكَ
أروع المعاني ، وتنبجسُ في أغوار روحك كوامنُ الأشواق إلى الله جل في علاه .
وتضع بين يديكَ عَالماً مضيئاً بالتوهج يومَ كنا خير أمةٍ ، يتتلمذ سادةُ الدنيا على أيدي سلفنا الصالح ،
ويتشربونَ من سلوكياتهم أعذبَ دروس الحياة ، ويلتقطون من أفواههم درر الحكمةِ
التي تبني الحياةَ ولا تهدمها ، تخرجُ من قلوبهم قبل أن تنطقها أفواههم ..
لا تقلْ أينَ ابتكارُ المسلمين ** انظرِ الحمراءَ واشهدْ حسنَ تاجْ
دولةٌ سارَ ملوكُ العالمين ** نحوها طوعاً يؤدون الخراجْ
لا تسلني الآنَ عن دعوتهِ ** إنها ميـدانُ بدرٍ وحـنينْ
في أبي بكرٍ وفي صاحبهِ ** في عليٍ ثم في صبر الحسينْ
كبّروا لله في ظلِ الحروب ** وصفوف تحتَ ظلِ المسجدِ
صيحةٌ دانتْ لهم فيها الشعوب ** وعلوا فيها مكانَ الفرقدِ
يا قلبُ ،، حسبكَ لن تلمّ بطيفهم ** إلا على مصباحِ وجهِ محمدِ
ومن ثمّ فإني أعيذكَ باللهِ ثلاثاً ، وأحصنكَ باسمه العظيم ، من كل شيطانٍ رجيم ،
أعيذك أن تعتمدَ على ما يقدمهُ الوسط الفني من قصص التاريخ ، فإنهم يدسون ( السم في العسل !! ) .
ولستُ أقولها خطأ أو زلة قلم ، بل أقولها عامداً متعمداً فالسم في أطباقهم هو الأصل الأصيل ، والعسل الحلو هو الطلاء الخارجي لاصطياد البسطاء من أبنائنا وبناتنا ..!!
قصصُ القومِ تقوم على التشويه لأجمل الصفحات في تاريخنا المضيء ، وكثير منها يعمل على أن يغرس بذور الشك في القيم النبيلة ، ويعمد إلى تسفيه أخلاق الناس ، وتسطيح عقولهم ، والعبث بتاريخهم ..!!
ويصورون لك تاريخنا وكأن ليس فيه سوى حلقات المجون والرقص والغناء ، والنساء الفاتنات والجواري الملاح ..!!
والخلفاء المتاصبون التافهون ، وموائد الخمر ، والعمل أصلا لغير وجه الله سبحانه ،
والتآمر حتى على الأقارب والأرحام ، والإرهاب والعنف والدماء ، والوجوه الغليظة
، والرقاب العريضة ، والعيون التي تقدح جمراً ، واللغة المتكلفة المتصنعة ،
والعبودية لغير الله حتى في قلب المعارك وهو يواجهون الموت !!!
ولازلت أذكر منذ سنوات بعيدة ، كيف أني رأيت مسلسلاً تاريخياً –زعموا –
جاء في بعض مشاهده كيفية تطبيق حدود الله ، بشكل مقزز مثير ، حيث يطبق الناسُ
أنفسهم في الشارع الحدّ على من يستحقه ، فيهجمون عليه هجمة رجل واحد ، ويقيمون عليه الحد ضربا أو رجما ، وما على الإنسان الذي يريد أن يقيم الحد ،
إلا أن يجمع ثلة من الناس المارين به في السوق ، ليشير إلى الشخص المطلوب إقامة
الحد عليه ، فإذا بهم يتصايحون بالتكبير ، ثم الهجوم عليه ، فيلهبوا ظهره بالعصي
والسياط ، فإذا فرغوا نفضوا أيديهم وهم يحمدون الله ويشكرونه !!
هزلت ....!!!
هذه مجرد نموذج عابر وإلا فالأمر أبعد من هذا وأنكى وأخطر ..
ابن لفاتح عظيم يصورونه على أنه عاشق ولهان لفتاة نصرانية ، وأنه إنما كان يجاهد
من أجل الوصول إليها ، لا لشيء آخر ..!! وعلى هذا قس ..
شاهت الوجوه ...!!
أعود مرة أخرى فأقول :
عدْ إلى النبع رأساً ، فمن أمسكَ بالنبع واغترف منه ، استقل السواقي ، وترفع أن يخدعه مناكيد الدنيا ، وصعاليكها ،
واستنكف أن يأكل من تلك المائدة التي يضعونها أمامه ، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها مشحون بالعذاب ..
واستنكف أيضا أن يضيع وقته أمام هذه الأباطيل التي تُعرض في أسواق نخاسة أهل الفن باسم التاريخ ، والتاريخ منهم براء ..!!
لا نريد أن نتهم كل من قام بدور في مسلسل أو فيلم من هذه النوعية ، أنه كان قاصداً أن يخوض في هذا المستنقع ،
ولكن أليست للقوم عقول ؟ أليس كل منهم يزعم أن ثقافته توزن بلد ؟
أكان يصعب على الواحد منهم ، أن يعود إلى السيرة التي سيقدم شخصيتها ليقف على حقيقة الأمر ،
بل أيعجزه أن يسأل أهل الاختصاص في بلده من الثقات ، ليضعوا بين يديه مراجع
يميز من خلالها بين الحقيقة التاريخية ، والخيال الذي يرسمه كاتب المسلسل ،
ويميز بين الحق الذي يجب أن يقدمه زادا لأمته ، وبين الباطل الذي يدسونه في هذا
العمل ، أم أن بريق الشهرة والنجومية والمال قد أعمتْ وأصمت ،
فلم يفكروا في مثل هذا ؟؟
ولا ننسى أن نلفت النظر إلى أن عدد غير قليل من المخرجين هم أصلاً نصارى !!
في الختام لا يسعني إلا أن أسوق إليك تجربة لعل الله ينفعك بها كما نفع صاحبها :
قال :
كلما أرهقني هذا الواقع الذي نعيشه ، فإني أبادر إلى الاغتسال الروحي من خلال
خلوة لمدة ساعة أو ساعتين أقضيها مع كتاب من كتب التاريخ الإسلامي المشرق
المشرف ، وأعيش في رحاب النقاء والصفاء وأجواء الملائكة ، مع رجال ربطوا
قلوبهم بالسماء ، ووجهوا إليها كل طاقاتهم ، وبذلوا جهودهم لدينهم ، قد أشرقت
قلوبهم بنور ربها ، فأراهم وهم يبنون الحياة ، ويزرعون النور ، ويصنعون تاريخ
هذه الأمة ، ويعلمون الحياة نفسها آداب الحياة !!
وأحس خلال ذلك أني قد انقطعت كليا عن هذا الواقع المرير الذي تتقلب فيه أمتنا اليوم
، بل أشعر أني اتقلب في أجواء نورانية ، اشحن بها قلبي ، لأخرج من هذه الخلوة
جديدا أتلألأ بالنور ، وأنظر إلى تعاجيب أهل الدنيا وهم يتلهون بالسفاسف ، ويتساقطون في وحل الشهوات ، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ، فأقول في ثقة وإكبار
: آلا أين الثرى من الثريا ..!! أين وحل الأرض من طهر السماء .. !!
ثم أقول لنفسي جازما حازماً :
إن ما تحقق مرة سيتحقق مرة أخرى ، وهذه الأمة موعودة بولادة جديدة ، ولابد أن يخرج فيها جيل جديد بدماء جديدة ، ليعيد سيرتها الأولى ، يوم كانت كلمة الفصل كلمتها ، ولا يُقضى الأمر إلا بعد أن يعرض عليها !!
وما ذلك على الله بعزيز ، وصدق من قال :
إنه لن يصلح حال آخر هذه الأمة ، إلا بما صلح عليه حال أولها ..
ونحن أمة موعودة بالنصر ، ووعد الله آتٍ آت ، ولو كره الكافرون ..
ولكن يبقى السؤال الكبير :
ماذا صنع كل منا في دائرته ، ليكون مساهما في صناعة نهار هذه الأمة .؟!
كثيرون منا وفينا لا زال الهوى الجامح يستعبدهم ، ويستذلهم ، يركعون ويسجدون
في محراب الهوى ، ويجرفهم في طريقه ، وهم يظنون أنهم على خير ..!!
فقط لأنهم يرون غيرهم أسوأ منهم !! ...... سبحان الله ..
لا تحسبَ المجدَ تمراً أنت آكلهُ *** لن تبلغَ المجدَ حتى تلعق الصبرا
من هنا أوصي نفسي وإياك أن نجعل هذه الآية نصب أعيننا دائماً :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
أما بهرجة الكافرين وصولتهم وجولتهم الآنية ..فتذكر معها قول الحق تبارك اسمه :
( لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ *مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)
نار الدنيا قبل نار الآخرة ..ان شاء الله ..
ذل وخزي في الدنيا ، ونار جهنم في الآخرة ..
( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ ..
فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً
ثُمَّ يُغْلَبُونَ ..
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ )
إن في قصصِ التاريخ عبراً كثيرة ، ودروساً شتى ، فهي زاد رائع ورصيد ضخم ،
في طريق بناء الشخصية المسلمة ، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..
وبالله التوفيق .. ومنه المدد والعون ..