PDA

View Full Version : ( امنحني تجربتك .. وَهـَم الحياة ...!! )


بو عبدالرحمن
09-02-2007, 11:44 AM
قال الراوي :
كنا في مجلس من مجالس الناس ، وكان أكثر الحضور من الشباب ،
فطلب رجل مسن الكلمة ، وألح على الشباب خاصة أن يصغوا إلى ما سيقول بعناية ..
قال بعد أن حمد الله :

عندما شارفت على الستين من عمري _ أنا اليوم أزحف نحو السبعين _
جمعني الله برجل صالح ، ودار بيني وبينه حوار طويل ذو شجون ،
وترتب على هذا الحوار ، أن جلست في تلك ليلة إلى نفسي جلسة طويلة ،
أقلب الصفحات الماضية ، وكشفت بين يدي سجلاً ضخماً من الأحداث والذكريات ،
فهالني أن أجد هذا كله أشبه ما يكون بحلم ليلة شاتية !
فلما انتفض الصباح ، مضى الحلم بما فيه ..!..
أو هي على الأكثر أحداث يوم وليلة فحسب !
وصدق الله حيث يقرر هذه الحقيقة في أكثر من موضع من القرآن الكريم :
قال الراوي : وأخذ الشيخ يتلو الآيات تلاوة خاشعة معبرة :

( قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ؟ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ ) ..
( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ..!! )

ثم قال :
ورغم أني خلال هذا العمر الطويل ركبت أهوالاً كثيرة ، وشاركت في أحداث كبيرة ،
ومرت بي أيام وليالي عصيبة لا تنسى ، ورأيت الموت مرات كثيرة ،
ونزلتْ بي ألوان من المحن ، وذقت صنوفاً من فتن الحياة ، وعرفت السجن مرات عدة ،
وذقت الهوان من أجل ما أعتقد ، واختلطت بآلاف مؤلفة من البشر
في أماكن كثيرة ، لأني كنت كثير التنقل والتجول والحركة ،
وكنت أدخل في جدال شديد مع كثيرين يصل إلى حد التشنج ،
وقاطعت وفاصلت وخاصمت وأحببت وأبغضت من أجل الفكرة التي كنت أعيش لها ،
ومن ثم فقد ذقت مرارة الحياة على صور كثيرة ،
لأني كنت أحسب أن الهدف الذي أعيش من أجله يستحق كل هذا العناء ،
بل كنت أعتقد أن كل هذا قليل من أجله ..!

ومن ثم فقد كنت أعيش أتقلب في محن وابتلاءات ملونة وكثيرة ،
ولم أبالي بما كان يعيش فيه الآخرون من حولي
لأنهم في نظري لم يكونوا يعيشون لهدف ، شانهم شأن البهائم ..!
ومن ثم فقد كنت كذلك :
والراقصون على الأوحال يملؤهم ** زهو الحياة بما نالوا وما كسبوا !!
هكذا كنت أرى الحياة واراهم فيها ..! وكنت أحسب نفسي متميزاً بهدفي ..!!

والخلاصة التي أريد أن أوصلكم إليها ..
أنه رغم هذا التاريخ الحافل بالأحداث ، فقد مر كأنه طيف منام ، أو ذكرى ليلة سمر ..!!
ها أنا الآن على بوابة القبر ، ألتفتُ ورائي فلا أرى إلا السراب ،
وأمامي ينتظر حساب وعتاب ، وتوبيخ وعقاب ، وعفو الله الذي أرجوه ..!
هذه واحدة فاحفظوها .. وشيء آخر أشد مرارة من هذا كله.. !

أنني اكتشفت في تلك الليلة نفسها _ وأنا على مشارف الستين كما قلت _
أن ما كنت أحيا له ، وأجاهد في سبيله ، وأجهد نفسي من أجله ،
وأعيش على فكرته ، اكتشفت أنه باطل من الباطل الكثير الذي يملأ هذا العالم ..!!!
وهالتني هذه الحقيقة أكثر مما هالتني الحقيقة الأولى ..!!
وأخذت أتعجب من نفسي : كيف كنت أعمى إلى هذه الدرجة ، كل تلك السنين.!!
كيف لو أني مت وأنا على تلك الفكرة ..!!
ليلتها فقط ذقت معنى البكاء على الحقيقة ..!!

ليلتها فقط قررت أن أصحح مسار حياتي كله ، وأن أعود إلى الأصول والجذور ،
وألتحق بركب الصالحين _ الذين كنت ذات يوم أعاديهم ,ابغضهم !! _
قررت ليلتها أن أعود إلى الله سبحانه نادما مستغفرا ، معاهداً إياه
أن أستقيم على الوجه الذي يحب ويرضى ، وأن أسعى جاهدا لأعوض شيئا
من ذلك العمر الذي أفنيته في الوهم ...!
وها قد مضت قرابة الخمس عشرة سنة وأنا ماضٍ في موكب الأنبياء عليهم السلام ،
فرحا من جهة حزينا من جهة أخرى .. وكم يهيجني هذان الشعوران على البكاء ..!
فرحي بسبب أني عدت إلى الله ربي ، والتحقت بركب أوليائه ..
وحزني على أني كنت أعيش على الوهم سنين طويلة وأنا أحسب أني أحسن صنعا !!
وإني على أمل أن يثبتني الله على طريقه ، حتى إذا لقيته لقيته وهو راضٍ عني ..

فيا أيها الشباب ! اسمعوني أرجوكم !!
هل فيكم رجل رشيد ، فيخرج من هذه القصة بدروس وعظات وعبر
ينتفع بها في حياته ، فلا يكرر تجربة وقعت لغيره ،
فيندم حيث لا ينفع الندم ..!
؟
فليجلس كل واحد منكم إلى نفسه بين يدي ربه ، ويقلب صفحات حياته بعناية ،
فلعله يكتشف ما كان غائبا عنه وهو في زحمة الحياة وأحداثها ..!
نعم أوصيكم بهذه الوصية وأكررها ..
أكثروا من الجلوس إلى أنفسكم في خلوة مع الله ، وتأملوا في شأنكم كله
، وشأن هذه الحياة وهؤلاء الأحياء فيها ..!!

ووصية أخرى ..
خالطوا الصالحين أبناء المساجد ، ورواد حلقات العلم ،
فإن في صحبتهم بركة ونور ، تجدون صداها واضحا في حياتكم ..
ففي أجوائهم لن تجد نفسك فجأة تكتشف أنك عشت عمرك
تحمل راية الباطل وأنت تحسب أنك تحسن صنعا ..!

أرجو أن تكون رسالتي وصلت إلى قلوبكم ، وإني أسأل الله أن ينفعكم بها ..
وقد قيل قديما :
ما خدعك من نصحك ، لاسيما إذا كانت نصيحته تسوقك إلى ربك سبحانه ..!

هايدي
21-02-2007, 06:43 PM
أخي وأستاذي الفاضل ... بو عبدالرحمن


كثير منا يجد متسعاً من الوقت للجلوس مع نفسه ..
ولكن قل من يصاحب نفسه ويحبها صدقاً ..
فيرشدها إلى الخير ..!!

كيف بنا نحرص على من هم حولنا في الوقوع بالخطأ ..
وتلك النفس المهملة لا تجد من يناصحها ويحرص عليها في البعد عن حافية هاوية سحيقة ..؟!!

حقاً...
عجباً من حالنا ..!!


جزاك الله خيراً على تذكيرك القيم ..
وهدنا الله وإياكم صراطه المستقيم ...

بو عبدالرحمن
16-03-2007, 10:06 AM
الأخت الفاضلة / هايدي
....... رعاك الله وبارك فيك

نعم والله .... عجبا لحالنا !!

بل حالنا كله عجب .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

إلى الله وحده المشتكى ..

نسأل الله سبحانه أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويثبتنا عليه حتى نلقاه وهو راض عنا ...

جزاك الله خير الجزاء على هذه المتابعة الواعية الرائعة

أسأل الله أن ينفعك وينفع بك