العوضي
26-05-2000, 09:17 AM
لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصار العدو، دخل حصار النصر، فعبثت أيدي سواياه بالنصر في الأطراف فطار ذكره في الآفاق، فصار الخلق معه ثلاثة أقسام: مؤمن به، ومسالم له، وخائف منه.
ألقى بذر الصبر في مزرعة {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} فإذا أغصان النبات تهتز بخزامي {والحرمات قصاص} فدخل مكة ما دخله أحد قبله ولا بعده.
حوله المهاجرون والأنصار، لا يبين منهم إلا الحق، والصحابة على مراتبهم، والملائمة فوق رؤوسهم، وجبريل يتردد بينه وبين ربه، وقد أباح له حرمة الذي لم يحله لأحد سواه، فلما قايس بين هذا اليوم وبين يوم {ويمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك} فأخرجوه ثاني اثنين.
دخل وذقنه تمس قربوس سرجه - من شدة الانحناء - خضوعاً وذلاً لمن ألبسه ثوب هذا العز الذي رفعت إليه فيه الخليقة رؤوسها ومدت إليه الملوك أعناقها. فدخل مكة مالكاً مؤدباً منصوراً. وعلا كعب بلال فوق الكعبة بعد أن كان يجر في الرمضاء على جمر الفتنة، ورفع صوته بالأذان، فأجابته القبائل من كل ناحية، فأقبلوا يؤمون الصوت، فدخلوا دين الله أفواجاً وكانوا قبل ذلك يأتون آحاداً.
فلما جلس الرسول صلى الله عليه وسلم على منبر العز، وما نزل عنه عط، مدت الملوك أعناقها بالخضوع إليه. فمنهم من سلم إليه مفاتيح البلاد، ومنهم من سأله الموادعة والصلح، ومنهم من أخذ بالجزية والصغار، ومنهم من أخذ في الجمع والتأهب للحرب، ولم يدرأنه لم يزد على جمع الغنائم وسوق الأسرى إليه صلى الله عليه وسلم. فلما تكامل نصره وبلغ الرسالة وجاءه منشور { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وليتم نعمته عليك، ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك الله نصراً عزيزاً}، وبعد توقيع {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا}.
جاءه رسول ربه يخيره بين المقام في الدنيا وبين لقائه، فاختار لقاء ربه شوقاً إليه، فتزينت الجنان ليوم قدوم روحه الكريمة لا كزينة المدينة يوم قدوم الملك. إذا كان عرش الحمن قد اهتز لموت بعض اتباعه فرحاً واستبشاراً بقدوم روحهم. فكيف بقدوم روح سيد الخلائق صلى الله عليه وسلم ؟
فيا منتسباً إلى غير هذا الجناب، ويا واقفاً بغير هذا الباب، ستعلم يوم الحشر أي سريرة تكون عليها {يوم تبلى السرائر}.
ابن القيم الجوزية
------------------
وما من كاتـب إلا سيفنـى * * * * * ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيءٍ * * * * * يسرك في القيامـة أن تراه
أخوكم العوضي
ألقى بذر الصبر في مزرعة {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} فإذا أغصان النبات تهتز بخزامي {والحرمات قصاص} فدخل مكة ما دخله أحد قبله ولا بعده.
حوله المهاجرون والأنصار، لا يبين منهم إلا الحق، والصحابة على مراتبهم، والملائمة فوق رؤوسهم، وجبريل يتردد بينه وبين ربه، وقد أباح له حرمة الذي لم يحله لأحد سواه، فلما قايس بين هذا اليوم وبين يوم {ويمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك} فأخرجوه ثاني اثنين.
دخل وذقنه تمس قربوس سرجه - من شدة الانحناء - خضوعاً وذلاً لمن ألبسه ثوب هذا العز الذي رفعت إليه فيه الخليقة رؤوسها ومدت إليه الملوك أعناقها. فدخل مكة مالكاً مؤدباً منصوراً. وعلا كعب بلال فوق الكعبة بعد أن كان يجر في الرمضاء على جمر الفتنة، ورفع صوته بالأذان، فأجابته القبائل من كل ناحية، فأقبلوا يؤمون الصوت، فدخلوا دين الله أفواجاً وكانوا قبل ذلك يأتون آحاداً.
فلما جلس الرسول صلى الله عليه وسلم على منبر العز، وما نزل عنه عط، مدت الملوك أعناقها بالخضوع إليه. فمنهم من سلم إليه مفاتيح البلاد، ومنهم من سأله الموادعة والصلح، ومنهم من أخذ بالجزية والصغار، ومنهم من أخذ في الجمع والتأهب للحرب، ولم يدرأنه لم يزد على جمع الغنائم وسوق الأسرى إليه صلى الله عليه وسلم. فلما تكامل نصره وبلغ الرسالة وجاءه منشور { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وليتم نعمته عليك، ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك الله نصراً عزيزاً}، وبعد توقيع {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا}.
جاءه رسول ربه يخيره بين المقام في الدنيا وبين لقائه، فاختار لقاء ربه شوقاً إليه، فتزينت الجنان ليوم قدوم روحه الكريمة لا كزينة المدينة يوم قدوم الملك. إذا كان عرش الحمن قد اهتز لموت بعض اتباعه فرحاً واستبشاراً بقدوم روحهم. فكيف بقدوم روح سيد الخلائق صلى الله عليه وسلم ؟
فيا منتسباً إلى غير هذا الجناب، ويا واقفاً بغير هذا الباب، ستعلم يوم الحشر أي سريرة تكون عليها {يوم تبلى السرائر}.
ابن القيم الجوزية
------------------
وما من كاتـب إلا سيفنـى * * * * * ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيءٍ * * * * * يسرك في القيامـة أن تراه
أخوكم العوضي