سنفور غبي
31-08-2000, 03:55 AM
كانت (ميري) موجودة في مكتب الدكتور (شارل) وهي تدور وتحوم داخل المكتب بكل توتر، والدكتور (شارل) ينظر إليها بصمت إلى أن نطق:
ـ لا تقلقي يا (ميري) يبدو أن المجرم الحقيقي أن المجرم الحقيقي سيظهر وينال جزاءه العادل، فأنا أعتقد أن أحد أعداء الدكتور (مارك) كان قد تسلل إلى العيادة وقتله وقد أدليت بشكي هذا إلى المحقق (جيمس).
تكلمت (ميري) في حنق وهي تكاد تبكي:
ـ لكنه أخذ المقص الذي كان معي ويظن أنني قتلته على الرغم أن المقص لا يحوي على أية آثار للجريمة أو دم الضحية و... قاطعها الدكتور (شارل):
ـ ربما أزلت آثار الدم بمنديل أو أي شيء آخر كـ... قاطعته هذه المرة الممرضة (ميري) في غضب شديد وقد احتقن وجهها بالدم:
ـ ماذا تظن يا أيها الدكتور (شارل)؟ هل تعتقد أنني قتلت الدكتور (مارك)؟ ولماذا؟
أجابها الدكتور (شارل):
ـ اعذريني يا (ميري) فذلك المقص جعلني أظن... قاطعته (ميري):
ـ تظن... تظن ماذا؟ أنني القاتلة، إن القاتل هو المزارع (جيمي) فآثار الأقدام كلها وحل تشير إلى الحديقة الخلفية للعيادة والتي هي مجرد موقف سيارات الذين يعملون هنا أنت وأنا والدكتور (جورج) وغيرنا من الأطباء والممرضات بالإضافة إلى عمال التنظيف، وطبعاً يستطيع المزارع العجوز (جيمي) الدخول والخروج كما يحلو له لأن الحارس سيسمح له بذلك فهو يقوم بزرع النباتات والأزهار في تلك الحديقة الموحلة ولذلك يتجمع الوحل حول قدميه.
وبكل انفعال الدنيا رد عليها الدكتور (شارل):
ـ يا إلهي!!! هل أخبرت المحقق بكل هذه المعلومات والشكوك؟
أجابته:
ـ لا. ولكنني سأفعل في المرة القادمة.
هتف الدكتور (شارل):
ـ رباه. هل تظنين أن هناك مرة قادمة سيأتي فيها ذلك المحقق ليأخذ أقوالنا؟ لقد أدلينا بكل ما عندنا.
أجابته (ميري) بصرامة.
ـ بالتأكيد. وماذا تظن؟ إن القضية لم تنته بعد وما زلنا في البداية.
سرت قشعريرة باردة في أوصال الدكتور (شارل) لسماعه آخر كلمات الممرضة (ميري)، وكثير من الأسئلة تتبادر في ذهنه:
هل حقاً سيعود المحقق لأخذ شهادته؟
هل سيتم اكتشاف المجرم؟
هل...؟
هل...؟
((سحقاً، ماذا يريد منا ذلك الدكتور (جورج)؟ هل يريد من أن يزيد توترنا بهذا الاجتماع المريب))
نطقت بهذه العبارة الممرضة (ميري) بغضب شديد، وأجابها الدكتور (شارل) بهز كتفيه مدلياً بأنه لا يعرف شيئاً ولكن قاطعهما سماع صوت فتح الباب الذي عبر منه الدكتور (جورج) والمحقق (جيم هدسن)، وأشار الدكتور (جورج) إلى المحقق (جيم هدسن) بسبابته وهو يقول:
ـ أعرفكم بالتحري (جيم هدسن)، أشهر تحري في المملكة المتحدة، استدعيته بنفسي ليتولى هذه القضية الشائكة...
قضية مقتل والدي الدكتور (مارك) رحمه الله.
سألته الممرضة (ميري) باستهزاء:
ـ وهل تظن أن هذا التحري سيحقق ما عجز عنه أسلافه؟
علق على كلامها الدكتور (شارل) بقوله:
ـ أتعشم هذا.
رمقها المحقق (جيم هدسن) بنظرة باردة ثلجية لفترة زمنية وجيزة، وأخرج غليونه ووضعه في فمه ثم نطق بنفس البرود:
ـ يا سادة... لا داع لكل هذا التشاؤم فلكل داء دواء كما تقولون أنتم معشر الأطباء، أما نحن معشر المحققين فنقول لكل لغز حل.
علق الدكتور (شارل):
ـ إلا هذا اللغز.
رمقه المحقق (جيم هدسن) بنظرة صارمة ثم استطرد قائلاً:
ـ كل من أناديه فليتجه إلى الغرفة المجاورة ليدلي بكل ما يعرفه.
وبخطوات بطيئة باردة اتجه المحقق (جيم هدسن) إلى الباب وتمتمت (ميري) بغضب:
ـ يا لك من مغرور.
وكأنه لم يسمعها تابع خطواته البطيئة إلى الباب وأمسك بمقبض الباب وفتحه ثم هتف:
ـ الممرضة (ميري روبن) تعالي إلى الغرفة للإدلاء بشهادتك.
ازدرت (ميري) لعابها وارتجف جسدها كله عند سماع اسمها وتجمد الدم في عروقها وتصنمت على كرسيها لحظة، فهي ستواجه للمرة الثانية الأسئلة والاتهامات، كما أنها لم تنس ما حدث لها في المرة الماضية كيف تم تفتيشها وكيف تم توجيه أصابع الاتهام إليها، ولكنها مع ذلك ما لبثت حتى لحقت به.
المحقق (جيم هدسن): (ميري)!!! أنت أول من شاهد الضحية مقتولة، فماذا رأيت؟
الممرضة (ميري): رأيت الدكتور (مارك) ملقياً على الأرض والدم يسيل من على صدره ووجدت أيضاً أثار أقدام موحلة تتجه مباشرة نحو الباب الخلفي المطل على الحديقة الخلفية الموحلة.
المحقق (جيم هدسن): وماذا عن ذلك المقص الذي كان لديك؟
الممرضة (ميري): لقد أخذته من غرفة الدكتور (شارل) لأنني كنت محتاجة له ولم يكن لدي مقص والدكتور (شارل) لديه مجموعة منها فأخذته منه ولو كنت قتلت الدكتور (مارك) به لتلوث بالدم.
المحقق (جيم هدسن): ربما أزلت آثار الدم بواسطة منديل.
الممرضة (ميري): لم يكن لدي منديل وهذا ما أثبته المفتش (جيمس) حينما أمر بتفتيشي.
نهض المحقق (جيم هدسن) من على مقعده وقال:
ـ أكتفي بهذا... استدعي الدكتور (شارل).
اتجهت (ميري) إلى الباب وخرجت واستدعت الدكتور (شارل) الذي دخل بدوره إلى الغرفة التي يوجد بها المحقق (جيم هدسن).
تحدث المحقق (جيم هدسن) إلى الدكتور (شارل) قائلاً:
ـ إن بينك وبين الدكتور (مارك) خلافاً حول العيادة فأنت تريد أن تشتري حصته منها وهو يرفض ذلك. أليس كذلك؟
ارتجف الدكتور (شارل) قليلاً وازدرد لعابه بصعوبة قبل أن يجيب:
ـ بلى. لكن هذا الخلاف لم يشتد بيننا أبداً لدرجة القتل، أقسم على ذلك.
المحقق (جيم هدسن): تأخرت عن المنزل ذلك اليوم عندما قتل الدكتور (مارك)، فلماذا؟
الدكتور (شارل): لقد ذهبت إلى مغسلة السيارات لغسل سيارتي.
المحقق (جيم هدسن): ولكن أنت غير مهتم بنظافة سيارتك كما أنها لم تكن متسخة لدرجة غسلها، هذا ما يقوله الدكتور (جورج).
الدكتور (شارل): هذا صحيح، ولكنني فكرت بغسلها.
وقف المحقق (جيم هدسن) وقال:
ـ إن كنت قد غسلتها فعلاً فلا بد من وجود أثر غسلها فلم يمض يومان على ذلك. فخذني إليها لأتأكد من ذلك بنفسي.
ذهب المحقق (جيم) والدكتور (شارل) إلى السيارة التي كانت موجودة في الحديقة الخلفية ولقد كانت مغسولة فعلاً فرجع المحقق (جيم) وقال:
ـ استدعوا الآن المزارع (جيمي).
دخل المزارع (جيمي) إلى الغرفة. كان المزارع (جيمي) عجوز، بطيء الحركة، ضعيف السمع والبصر.
سأل المحقق (جيم هدسن):
ـ حسناً. هل رأيت أحداً في الحديقة الخلفية يدخل العيادة في ذلك اليوم؟
أجابه المزارع (جيمي):
ـ نعم... ماذا؟ لم أسمع.
رفع المحقق (جيم هدسن) صوته هذه المرة:
ـ هل رأيت أحداً في الحديقة الخلفية يدخل العيادة في ذلك اليوم؟
أجابه المزارع (جيمي) في هدوء:
ـ أي يوم؟
صاح المحقق (جيم) غاضباً ولأول مرة في حياته:
ـ أي يوم؟!!! يوم مقتل الدكتور (شارل).
أجابه أخيراً:
ـ آه... لا... لا أتذكر ذلك... ولا أظن ذلك يا سيدي.
المحقق (جيم هدسن): هل كان يوجد أحد غيرك في الحديقة الخلفية.
المزارع (جيمي): كلا. فلا يستطيع أحد الدخول إلى هناك لأن الحارس يمنع الدخول لغير الموظفين إلى هذه الحديقة.
المحقق (جيم هدسن): لماذا لا تتلوث السيارات بالوحل؟ علماً بأن تلك الحديقة مليئة بالوحل كما هي حال قدميك الآن!!!
المزارع (جيمي): إن للسيارات موقف معد لها والوحل موجود أمام الباب الخلفي.
المحقق (جيم هدسن): لماذا لم يتم تعديل المنطقة أمام الباب الخلفي للعيادة؟
المزارع (جيمي): لأنه للطوارئ فقط فلا يدخل أحد أو يخرج منه.
المحقق (جيم هدسن) نهض من على كرسيه وهو يتأمل قدمي المزارع (جيمي) وهي مملوءة بالوحل ثم أمره بالانصراف وقد خلّف آثاراً تشبه الآثار الموجودة في ساحة الجريمة، وقد تم استدعاء الحارس الموجود في الحديقة الخلفية الذي يراقب الدخلين إليها وكذلك تم استدعاء الحارس الثاني الذي يراقب السيارات الخارجة من الحديقة، ومن ثم تم استدعاء الأطباء واحداً تلو الآخر. إلى أن جاء الدكتور (جورج) حيث سأله المحقق (جيم هدسن):
ـ هل تمتلك خريطة للعيادة؟
تعجب الدكتور (جورج) لسؤال المحقق (جيم هدسن) وأجاب:
ـ نعم. نحن نمتلك خريطة كاملة للعيادة هنا.
قال المحقق (جيم هدسن):
ـ حسناً، أريدها الآن.
ذهب الدكتور (جورج) الذي اختفى عدة لحظات ثم عاد وبيده أعطى الخريطة للمحقق (جيم هدسن) الذي أخذ بدوره قلماً ووضع الخريطة أمامه وبقلمه رسم عدة أسهم على الخريطة ودرس المسافة بين كل نقطة وظل على تلك الحالة حوالي نصف ساعة، وبعد ذلك دخل الغرفة المحقق (جيمس) والدكتور (شارل) والممرضة (ميري) ومعهم بعض رجال الشرطة، وقطع صمت الغرفة صوت المحقق (جيمس) وهو يقول:
ـ مرحباً بك يا (جيم هدسن) لا أظنك وجدت وحدك حلاً لهذه القضية، إنها صعبة جداً.
قهقهة (جيمس) قليلاً وعاد يكمل:
ـ في هذه القضية ستخفق حتماً يا سيد (جيم).
ولكن المحقق (جيم هدسن) ظل يتأمل أوراقه جيداً وكأنه لم يسمع حرفاً واحداً مما قاله المحقق (جيمس) ثم نطق أخيراً:
ـ آه... لقد تمكنت أخيراً من حل هذا اللغز.
شهقت الممرضة (ميري) واحتقن وجه الدكتور (شارل) وانعقدا حاجبا المحقق (جيمس) الذي تكلم بصعوبة:
ـ ماذا؟!!! تمكنت من حل هذا اللغز.
أجابه المحقق (جيم هدسن) كالعادة ببرود كالثلج:
ـ نعم. لماذا؟ هل لديك أي مانع؟
ارتبك المحقق (جيمس) وهو يقول:
ـ ها... آه... لا... لا.
هتف الدكتور (جورج):
ـ إذن. من القاتل؟
رفع المحقق (جيم هدسن) سبابته في الهواء مشيراً بها إلى الدكتور (شارل) وقال:
ـ أنت.
ران صمت رهيب داخل الغرفة والكل يتطلع في وجه الدكتور (شارل) الذي تجمد في مقعده من هول المفاجئة، ولكن الدكتور (جورج) صاح:
ـ هذا مستحيل... إن الدكتور (شارل) غادر العيادة قبل وقوع الجريمة.
نهض المحقق (جيم هدسن) من على مقعده وهو يلوح بيده قائلاً:
ـ سأخبركم بتفاصيل الجريمة. إن المشتبه بهم كانوا ثلاثة هم الممرضة (ميري)، المزارع العجوز (جيمي) والدكتور (شارل)... قاطعه الدكتور (شارل) في حدة:
ـ لماذا لا يكون معنا الحارس أو أي شخص خارج العيادة؟
أجابه المحقق (جيم هدسن):
ـ أولاً، لأن الحارس كان موجوداً طوال مدة عمله في مكانه حسب شهادة الجميع. ثانياً، لم يتم العثور على أية آثار للوحل على قدميه، وقد عرف حارسكم بأمانته طوال فترة عمله التي تتراوح تقريباً بين 9 إلى 10 سنوات وهذا أيضاً حسب شهادة الجميع.
أما بالنسبة لقولك أن القاتل من خارج العيادة فهذا أمر مستبعد لأن أولاً، عليه أن يجتاز الحارس الأول الذي يمنع دخول الحديقة لغير المسموح لهم. ثانياً، وحتى لو كان فعل ذلك فهناك يوجد حارس آخر يراقب السيارات الخارجة من العيادة، لا يستطيع إذن القاتل الخروج دون أن يراه ذلك الحارس الثاني. وثالثاً وأخيراً، لو افترضنا أن القاتل استطاع رشوة الحارسين فكيف له أن يعرف مكان تواجد الدكتور (مارك) بل كيف له أن يعرف وقت تواجد الدكتور (مارك) هناك بمفرده دون وجود أي شخص آخر ليرتكب جريمته بهدوء؟ هذه الأمور لا يستطيع معرفتها سوى شخص يعمل هنا في العيادة.
ثم استطرد قائلاً:
ـ ولنعد إلى موضوعنا كانت المشتبه بها الأولى (ميري)، فهي أول من رأت الجثة، ولكن لو كانت هي من فعلت الجريمة لظهرت آثار الدم على مقصها أو يدها أو ثوبها، وليس لديها الوقت الكافي لإخفاء تلك الآثار، ومع ذلك فلم نجد أثناء تفتيشها على أدنى أثر لما ذكرت سابقاً وثم تلك الآثار تشير إلى براءة (ميري) فالقاتل هرب إلى الباب الخلفي. أما العجوز (جيمي) فلقد كان ضعيفاً جداً بطيء الحركة ضعيف السمع والبصر، إذن فليس بإمكانه قتل الضحية ومن ثم الهروب إلى الحديقة وإخفاء آثار جريمته ومزاولة عمله بتلك السرعة، أما الدكتور شارل فلقد خرج من الباب الرئيسي واتجه إلى الحديقة الخلفية ودخلها بصفته من المسموح لهم بالدخول إلى هناك فركب سيارته وتراجع بها قليلاً إلى أن وصل بالقرب من الباب الخلفي فنزل من سيارته ولأن تلك المنطقة موحلة فقد تلوثت أقدامه بالوحل ودخل بسرعة وعبر الممر حيث وجد الدكتور مارك أمام مكتبه ورفع مقصاً كان لديه لأنه يمتلك الكثير منها في مكتبه، وبما أنه جراح قلب كما تعلمون لم يصعب عليه تحديد قلب الضحية بدقة متناهية وبنظرة واحدة فطعنه في منتصف قلبه طعنة لم تلبثه عدة ثواني للعيش، وبسرعة هرب الدكتور (شارل) لكنه اكتشف عندما خرج أن سيارته قد تلوثت بالوحل وخاصة الإطارات فذهب بها إلى مغسلة السيارات لغسل آثار جريمته البشعة، وكان من الطبيعي أن المزارع (جيمي) لم ينتبه لكل هذا لأنه ضعيف السمع.
شهقت (ميري) في ذعر وهي تقول:
ـ لكن لماذا يقتل صديقه بهذه الطريقة؟
أجابها المحقق (جيم هدسن) وهو يشعل غليونه ومن ثم يضعه في فمه:
ـ هذا بسيط جداً يا عزيزتي (ميري) لأنه يريد شراء حصة الدكتور (مارك) من العيادة ولكن الدكتور (مارك) يرفض ذلك، فأراد أن يتخلص منه ومن ثم يخدع ابنه ليشتري حصته منه بسعر بخس مستغلاً قلة خبرة الدكتور (جورج) بهذه الأمور.
وبهذا تم إجبار الدكتور (شارل) على الاعتراف بجريمته وتم اعتقاله وحكم عليه بالسجن لمدة 35 سنة.
وتوتي توتي خلصت الحدوتي ;)
ـ لا تقلقي يا (ميري) يبدو أن المجرم الحقيقي أن المجرم الحقيقي سيظهر وينال جزاءه العادل، فأنا أعتقد أن أحد أعداء الدكتور (مارك) كان قد تسلل إلى العيادة وقتله وقد أدليت بشكي هذا إلى المحقق (جيمس).
تكلمت (ميري) في حنق وهي تكاد تبكي:
ـ لكنه أخذ المقص الذي كان معي ويظن أنني قتلته على الرغم أن المقص لا يحوي على أية آثار للجريمة أو دم الضحية و... قاطعها الدكتور (شارل):
ـ ربما أزلت آثار الدم بمنديل أو أي شيء آخر كـ... قاطعته هذه المرة الممرضة (ميري) في غضب شديد وقد احتقن وجهها بالدم:
ـ ماذا تظن يا أيها الدكتور (شارل)؟ هل تعتقد أنني قتلت الدكتور (مارك)؟ ولماذا؟
أجابها الدكتور (شارل):
ـ اعذريني يا (ميري) فذلك المقص جعلني أظن... قاطعته (ميري):
ـ تظن... تظن ماذا؟ أنني القاتلة، إن القاتل هو المزارع (جيمي) فآثار الأقدام كلها وحل تشير إلى الحديقة الخلفية للعيادة والتي هي مجرد موقف سيارات الذين يعملون هنا أنت وأنا والدكتور (جورج) وغيرنا من الأطباء والممرضات بالإضافة إلى عمال التنظيف، وطبعاً يستطيع المزارع العجوز (جيمي) الدخول والخروج كما يحلو له لأن الحارس سيسمح له بذلك فهو يقوم بزرع النباتات والأزهار في تلك الحديقة الموحلة ولذلك يتجمع الوحل حول قدميه.
وبكل انفعال الدنيا رد عليها الدكتور (شارل):
ـ يا إلهي!!! هل أخبرت المحقق بكل هذه المعلومات والشكوك؟
أجابته:
ـ لا. ولكنني سأفعل في المرة القادمة.
هتف الدكتور (شارل):
ـ رباه. هل تظنين أن هناك مرة قادمة سيأتي فيها ذلك المحقق ليأخذ أقوالنا؟ لقد أدلينا بكل ما عندنا.
أجابته (ميري) بصرامة.
ـ بالتأكيد. وماذا تظن؟ إن القضية لم تنته بعد وما زلنا في البداية.
سرت قشعريرة باردة في أوصال الدكتور (شارل) لسماعه آخر كلمات الممرضة (ميري)، وكثير من الأسئلة تتبادر في ذهنه:
هل حقاً سيعود المحقق لأخذ شهادته؟
هل سيتم اكتشاف المجرم؟
هل...؟
هل...؟
((سحقاً، ماذا يريد منا ذلك الدكتور (جورج)؟ هل يريد من أن يزيد توترنا بهذا الاجتماع المريب))
نطقت بهذه العبارة الممرضة (ميري) بغضب شديد، وأجابها الدكتور (شارل) بهز كتفيه مدلياً بأنه لا يعرف شيئاً ولكن قاطعهما سماع صوت فتح الباب الذي عبر منه الدكتور (جورج) والمحقق (جيم هدسن)، وأشار الدكتور (جورج) إلى المحقق (جيم هدسن) بسبابته وهو يقول:
ـ أعرفكم بالتحري (جيم هدسن)، أشهر تحري في المملكة المتحدة، استدعيته بنفسي ليتولى هذه القضية الشائكة...
قضية مقتل والدي الدكتور (مارك) رحمه الله.
سألته الممرضة (ميري) باستهزاء:
ـ وهل تظن أن هذا التحري سيحقق ما عجز عنه أسلافه؟
علق على كلامها الدكتور (شارل) بقوله:
ـ أتعشم هذا.
رمقها المحقق (جيم هدسن) بنظرة باردة ثلجية لفترة زمنية وجيزة، وأخرج غليونه ووضعه في فمه ثم نطق بنفس البرود:
ـ يا سادة... لا داع لكل هذا التشاؤم فلكل داء دواء كما تقولون أنتم معشر الأطباء، أما نحن معشر المحققين فنقول لكل لغز حل.
علق الدكتور (شارل):
ـ إلا هذا اللغز.
رمقه المحقق (جيم هدسن) بنظرة صارمة ثم استطرد قائلاً:
ـ كل من أناديه فليتجه إلى الغرفة المجاورة ليدلي بكل ما يعرفه.
وبخطوات بطيئة باردة اتجه المحقق (جيم هدسن) إلى الباب وتمتمت (ميري) بغضب:
ـ يا لك من مغرور.
وكأنه لم يسمعها تابع خطواته البطيئة إلى الباب وأمسك بمقبض الباب وفتحه ثم هتف:
ـ الممرضة (ميري روبن) تعالي إلى الغرفة للإدلاء بشهادتك.
ازدرت (ميري) لعابها وارتجف جسدها كله عند سماع اسمها وتجمد الدم في عروقها وتصنمت على كرسيها لحظة، فهي ستواجه للمرة الثانية الأسئلة والاتهامات، كما أنها لم تنس ما حدث لها في المرة الماضية كيف تم تفتيشها وكيف تم توجيه أصابع الاتهام إليها، ولكنها مع ذلك ما لبثت حتى لحقت به.
المحقق (جيم هدسن): (ميري)!!! أنت أول من شاهد الضحية مقتولة، فماذا رأيت؟
الممرضة (ميري): رأيت الدكتور (مارك) ملقياً على الأرض والدم يسيل من على صدره ووجدت أيضاً أثار أقدام موحلة تتجه مباشرة نحو الباب الخلفي المطل على الحديقة الخلفية الموحلة.
المحقق (جيم هدسن): وماذا عن ذلك المقص الذي كان لديك؟
الممرضة (ميري): لقد أخذته من غرفة الدكتور (شارل) لأنني كنت محتاجة له ولم يكن لدي مقص والدكتور (شارل) لديه مجموعة منها فأخذته منه ولو كنت قتلت الدكتور (مارك) به لتلوث بالدم.
المحقق (جيم هدسن): ربما أزلت آثار الدم بواسطة منديل.
الممرضة (ميري): لم يكن لدي منديل وهذا ما أثبته المفتش (جيمس) حينما أمر بتفتيشي.
نهض المحقق (جيم هدسن) من على مقعده وقال:
ـ أكتفي بهذا... استدعي الدكتور (شارل).
اتجهت (ميري) إلى الباب وخرجت واستدعت الدكتور (شارل) الذي دخل بدوره إلى الغرفة التي يوجد بها المحقق (جيم هدسن).
تحدث المحقق (جيم هدسن) إلى الدكتور (شارل) قائلاً:
ـ إن بينك وبين الدكتور (مارك) خلافاً حول العيادة فأنت تريد أن تشتري حصته منها وهو يرفض ذلك. أليس كذلك؟
ارتجف الدكتور (شارل) قليلاً وازدرد لعابه بصعوبة قبل أن يجيب:
ـ بلى. لكن هذا الخلاف لم يشتد بيننا أبداً لدرجة القتل، أقسم على ذلك.
المحقق (جيم هدسن): تأخرت عن المنزل ذلك اليوم عندما قتل الدكتور (مارك)، فلماذا؟
الدكتور (شارل): لقد ذهبت إلى مغسلة السيارات لغسل سيارتي.
المحقق (جيم هدسن): ولكن أنت غير مهتم بنظافة سيارتك كما أنها لم تكن متسخة لدرجة غسلها، هذا ما يقوله الدكتور (جورج).
الدكتور (شارل): هذا صحيح، ولكنني فكرت بغسلها.
وقف المحقق (جيم هدسن) وقال:
ـ إن كنت قد غسلتها فعلاً فلا بد من وجود أثر غسلها فلم يمض يومان على ذلك. فخذني إليها لأتأكد من ذلك بنفسي.
ذهب المحقق (جيم) والدكتور (شارل) إلى السيارة التي كانت موجودة في الحديقة الخلفية ولقد كانت مغسولة فعلاً فرجع المحقق (جيم) وقال:
ـ استدعوا الآن المزارع (جيمي).
دخل المزارع (جيمي) إلى الغرفة. كان المزارع (جيمي) عجوز، بطيء الحركة، ضعيف السمع والبصر.
سأل المحقق (جيم هدسن):
ـ حسناً. هل رأيت أحداً في الحديقة الخلفية يدخل العيادة في ذلك اليوم؟
أجابه المزارع (جيمي):
ـ نعم... ماذا؟ لم أسمع.
رفع المحقق (جيم هدسن) صوته هذه المرة:
ـ هل رأيت أحداً في الحديقة الخلفية يدخل العيادة في ذلك اليوم؟
أجابه المزارع (جيمي) في هدوء:
ـ أي يوم؟
صاح المحقق (جيم) غاضباً ولأول مرة في حياته:
ـ أي يوم؟!!! يوم مقتل الدكتور (شارل).
أجابه أخيراً:
ـ آه... لا... لا أتذكر ذلك... ولا أظن ذلك يا سيدي.
المحقق (جيم هدسن): هل كان يوجد أحد غيرك في الحديقة الخلفية.
المزارع (جيمي): كلا. فلا يستطيع أحد الدخول إلى هناك لأن الحارس يمنع الدخول لغير الموظفين إلى هذه الحديقة.
المحقق (جيم هدسن): لماذا لا تتلوث السيارات بالوحل؟ علماً بأن تلك الحديقة مليئة بالوحل كما هي حال قدميك الآن!!!
المزارع (جيمي): إن للسيارات موقف معد لها والوحل موجود أمام الباب الخلفي.
المحقق (جيم هدسن): لماذا لم يتم تعديل المنطقة أمام الباب الخلفي للعيادة؟
المزارع (جيمي): لأنه للطوارئ فقط فلا يدخل أحد أو يخرج منه.
المحقق (جيم هدسن) نهض من على كرسيه وهو يتأمل قدمي المزارع (جيمي) وهي مملوءة بالوحل ثم أمره بالانصراف وقد خلّف آثاراً تشبه الآثار الموجودة في ساحة الجريمة، وقد تم استدعاء الحارس الموجود في الحديقة الخلفية الذي يراقب الدخلين إليها وكذلك تم استدعاء الحارس الثاني الذي يراقب السيارات الخارجة من الحديقة، ومن ثم تم استدعاء الأطباء واحداً تلو الآخر. إلى أن جاء الدكتور (جورج) حيث سأله المحقق (جيم هدسن):
ـ هل تمتلك خريطة للعيادة؟
تعجب الدكتور (جورج) لسؤال المحقق (جيم هدسن) وأجاب:
ـ نعم. نحن نمتلك خريطة كاملة للعيادة هنا.
قال المحقق (جيم هدسن):
ـ حسناً، أريدها الآن.
ذهب الدكتور (جورج) الذي اختفى عدة لحظات ثم عاد وبيده أعطى الخريطة للمحقق (جيم هدسن) الذي أخذ بدوره قلماً ووضع الخريطة أمامه وبقلمه رسم عدة أسهم على الخريطة ودرس المسافة بين كل نقطة وظل على تلك الحالة حوالي نصف ساعة، وبعد ذلك دخل الغرفة المحقق (جيمس) والدكتور (شارل) والممرضة (ميري) ومعهم بعض رجال الشرطة، وقطع صمت الغرفة صوت المحقق (جيمس) وهو يقول:
ـ مرحباً بك يا (جيم هدسن) لا أظنك وجدت وحدك حلاً لهذه القضية، إنها صعبة جداً.
قهقهة (جيمس) قليلاً وعاد يكمل:
ـ في هذه القضية ستخفق حتماً يا سيد (جيم).
ولكن المحقق (جيم هدسن) ظل يتأمل أوراقه جيداً وكأنه لم يسمع حرفاً واحداً مما قاله المحقق (جيمس) ثم نطق أخيراً:
ـ آه... لقد تمكنت أخيراً من حل هذا اللغز.
شهقت الممرضة (ميري) واحتقن وجه الدكتور (شارل) وانعقدا حاجبا المحقق (جيمس) الذي تكلم بصعوبة:
ـ ماذا؟!!! تمكنت من حل هذا اللغز.
أجابه المحقق (جيم هدسن) كالعادة ببرود كالثلج:
ـ نعم. لماذا؟ هل لديك أي مانع؟
ارتبك المحقق (جيمس) وهو يقول:
ـ ها... آه... لا... لا.
هتف الدكتور (جورج):
ـ إذن. من القاتل؟
رفع المحقق (جيم هدسن) سبابته في الهواء مشيراً بها إلى الدكتور (شارل) وقال:
ـ أنت.
ران صمت رهيب داخل الغرفة والكل يتطلع في وجه الدكتور (شارل) الذي تجمد في مقعده من هول المفاجئة، ولكن الدكتور (جورج) صاح:
ـ هذا مستحيل... إن الدكتور (شارل) غادر العيادة قبل وقوع الجريمة.
نهض المحقق (جيم هدسن) من على مقعده وهو يلوح بيده قائلاً:
ـ سأخبركم بتفاصيل الجريمة. إن المشتبه بهم كانوا ثلاثة هم الممرضة (ميري)، المزارع العجوز (جيمي) والدكتور (شارل)... قاطعه الدكتور (شارل) في حدة:
ـ لماذا لا يكون معنا الحارس أو أي شخص خارج العيادة؟
أجابه المحقق (جيم هدسن):
ـ أولاً، لأن الحارس كان موجوداً طوال مدة عمله في مكانه حسب شهادة الجميع. ثانياً، لم يتم العثور على أية آثار للوحل على قدميه، وقد عرف حارسكم بأمانته طوال فترة عمله التي تتراوح تقريباً بين 9 إلى 10 سنوات وهذا أيضاً حسب شهادة الجميع.
أما بالنسبة لقولك أن القاتل من خارج العيادة فهذا أمر مستبعد لأن أولاً، عليه أن يجتاز الحارس الأول الذي يمنع دخول الحديقة لغير المسموح لهم. ثانياً، وحتى لو كان فعل ذلك فهناك يوجد حارس آخر يراقب السيارات الخارجة من العيادة، لا يستطيع إذن القاتل الخروج دون أن يراه ذلك الحارس الثاني. وثالثاً وأخيراً، لو افترضنا أن القاتل استطاع رشوة الحارسين فكيف له أن يعرف مكان تواجد الدكتور (مارك) بل كيف له أن يعرف وقت تواجد الدكتور (مارك) هناك بمفرده دون وجود أي شخص آخر ليرتكب جريمته بهدوء؟ هذه الأمور لا يستطيع معرفتها سوى شخص يعمل هنا في العيادة.
ثم استطرد قائلاً:
ـ ولنعد إلى موضوعنا كانت المشتبه بها الأولى (ميري)، فهي أول من رأت الجثة، ولكن لو كانت هي من فعلت الجريمة لظهرت آثار الدم على مقصها أو يدها أو ثوبها، وليس لديها الوقت الكافي لإخفاء تلك الآثار، ومع ذلك فلم نجد أثناء تفتيشها على أدنى أثر لما ذكرت سابقاً وثم تلك الآثار تشير إلى براءة (ميري) فالقاتل هرب إلى الباب الخلفي. أما العجوز (جيمي) فلقد كان ضعيفاً جداً بطيء الحركة ضعيف السمع والبصر، إذن فليس بإمكانه قتل الضحية ومن ثم الهروب إلى الحديقة وإخفاء آثار جريمته ومزاولة عمله بتلك السرعة، أما الدكتور شارل فلقد خرج من الباب الرئيسي واتجه إلى الحديقة الخلفية ودخلها بصفته من المسموح لهم بالدخول إلى هناك فركب سيارته وتراجع بها قليلاً إلى أن وصل بالقرب من الباب الخلفي فنزل من سيارته ولأن تلك المنطقة موحلة فقد تلوثت أقدامه بالوحل ودخل بسرعة وعبر الممر حيث وجد الدكتور مارك أمام مكتبه ورفع مقصاً كان لديه لأنه يمتلك الكثير منها في مكتبه، وبما أنه جراح قلب كما تعلمون لم يصعب عليه تحديد قلب الضحية بدقة متناهية وبنظرة واحدة فطعنه في منتصف قلبه طعنة لم تلبثه عدة ثواني للعيش، وبسرعة هرب الدكتور (شارل) لكنه اكتشف عندما خرج أن سيارته قد تلوثت بالوحل وخاصة الإطارات فذهب بها إلى مغسلة السيارات لغسل آثار جريمته البشعة، وكان من الطبيعي أن المزارع (جيمي) لم ينتبه لكل هذا لأنه ضعيف السمع.
شهقت (ميري) في ذعر وهي تقول:
ـ لكن لماذا يقتل صديقه بهذه الطريقة؟
أجابها المحقق (جيم هدسن) وهو يشعل غليونه ومن ثم يضعه في فمه:
ـ هذا بسيط جداً يا عزيزتي (ميري) لأنه يريد شراء حصة الدكتور (مارك) من العيادة ولكن الدكتور (مارك) يرفض ذلك، فأراد أن يتخلص منه ومن ثم يخدع ابنه ليشتري حصته منه بسعر بخس مستغلاً قلة خبرة الدكتور (جورج) بهذه الأمور.
وبهذا تم إجبار الدكتور (شارل) على الاعتراف بجريمته وتم اعتقاله وحكم عليه بالسجن لمدة 35 سنة.
وتوتي توتي خلصت الحدوتي ;)