عمروبن كلثوم
24-12-2000, 08:31 PM
^1
نقلا عن كريزي - في الساحة السياسية :
مذكرات ســـــــــــــــــــامي ............
أنا شخص سعودي الأصل.. امريكي الجنسية الان.. وعمري 19 سنة.. جئت هنا للسعودية هذا العام لزيارة أختي "أمل" التي تعيش مع عمي.. لقد عانت أختي المسكينة كثيرا من معاملة عمي وزوجته القاسية لها.. والآن هي لاتعرفني وان كانت تردد اسمي.. لقد أصبحت فاقدة لوعيها.. يمكنكم تسميتها مجنونة.. لم أستطع أن أعرف منها تفاصيل كثيرة.. وكل ماعرفته أن عمي قد أخذها من جدتي و تولى تربيتها وكفالتها بعد وفاة والدينا.. مضت 15 سنة علي ولم أرها.. إنها سنوات طويلة.. سنوات طويلة نسيت فيها ملامحها.. وربما تكون هي الاخرى كذلك..
عندما مات والدي ووالدتي في امريكا.. كانت هي تقيم عند جدتي لأنها تدرس في الصف الأول الأبتدائي.. أما أنا فقد كان عمري أربع سنوات آنذاك.. ولهذا أخذوني معهم للسفر إلى امريكا.. فوالدي مرسل من شركة "أرامكو".. لحضور دورة مدتها ستة اشهر في ولاية "إنديانا" بإمريكا.. وعندما وصل هناك عشنا سويا في شقة صغيرة.. كان ابي يذهب الصباح للمدرسة ولايعود إلا قبل الغروب.. وكنا نخرج معا في الليل.. كانت أمي تحبني كثيراً وتبكي وهي تتذكر "أمل".. كان أبي يكلمها بالهاتف عند جدتي وكانت أمي تكلمها.. أما أنا فلم أكلمها بالهاتف أبدا..
لاأدري ماذا حصل بعد ذلك.. وكيف حصل لوالدي حادث سير بعد أربعة اشهر من مجيئنا إلى مدينة "ناشفيل".. وماعرفته فيما بعد أن والدي ووالدتي قد توفيا في حادث تصادم وقع في شارع جيفرسون.. وأتذكر جيدا انني كنت معهم.. وقد نقلنا للمستشفى.. وأنهم ماتوا وأنا أصبت بجروح خفيفة.. لقد تألمت وأنا ابحث عنهما.. وقد أقنعني والداي الامريكان الجدد فيما بعد بأن والديي الأصلين قد ذهبا الى الجنة.. لم أعرف ماهي الجنة آنذاك.. ولكني كنت دائما ألح عليهما بالسفر إليها..
وبعد أن كبرت عرفت أن الحومة الامريكية اهتمت بي ورعتني وأعطتني لمن يتبناني ممن تنطبق عليه شروط التبني.. وعرفت أن عمي قد طلب إعادتي إليه ولكن طلبه رفض لأنه لم تنطبق عليه الشروط المطلوبة للتبني.. وأعترف بأنني عشت مع والدي الجدد حياة سعيدة.. كانت عزائي في أهلي.. وهي التي أنستني ألمي.. ولكني أتذكر والديّ دائما.. وأضع لهما حفل العزاء السنوي الذي تصنعه أمي "ليسلي".. فهي التي تهتم بهذا الحفل.. ويجتمع فيه كثيرون.. أعلق فيه صور والديّ.. وندعو لهما الله أن يرحمهما.. كنت أحبهما كثيرا.. ولاأنكر أبدا أن الحنان الذي منحني إياه أبي "ستيف" وأمي "ليسلي" قد جعلني أشعر بالسعادة.. وماعدت أتذكر والديّ الأصليين إلا في المناسبة السنوية التي تحرص أمتي على إحيائها..
وجدير بي أن أذكر أنني التحقت بالمدرسة في سن السادسة.. ولاأذكر أنني كنت أتكلم اللغة العربية.. وعشت مع أقراني.. وأكملت السنتين الاولتين في مدرسة أهلية.. ثم نقلني والداي إلى مدرسة "فيتش الاسلامية" وهي مدرسة أسسها شخص مسلم من أصول روسية.. درست فيها بقية السنوات.. وفيها تعرفت على "الإسلام".. كانت والدتي "ليسلي" هي التي حرصت على إلحاقي بهذه المدرسة.. وكانت تقول لي دائما: " عليك أن تعرف دين آبائك.. ولك أن تختار بعد ذلك الدين الذي تريد".. وكنا نسهر الليالي الباردة نقرأ كتب المدرسة.. وكان والدي "ستيف" يطلب مني سؤال المدرس عماغمض من أشياء.. وتظل أمي تقارن بين تعاليم الاسلام وتعاليم المسيحية.. وكنت متيقنا أنه لافرق بينهما إلا في أشياء يسيرة.. كلا الدينين جاءا للسلام والحب ولرفعة الإنسان..
وعندما صار عمري أربعة عشر.. سألني والدي "ستيف" عن قراري حول الدين.. وكان يريد أن يعرف وجهة نظري فقط.. وقال لي: إذا أردت أن تكون إنساناً فاضلاً، فلابد أن يكون لك دين يهديك الى الفضائل.. واكتفى بذلك.. قلت لهما فيما بعد: أواجه مشكلات في فهم الأرباب الثلاثة فلم أقتنع بها.. تحدثت معي امي طويلا حولها.. كنت أميل لدين أهلي الأصليين ولكني كنت متخوفاً من بعض الأمور التي لم أفهمها.. فلم أفهم أن الإسلام قام على "الجهاد" وهو الحرب لإدخال الناس في الإسلام بالقوة.. وعدم مخاطبة عقولهم وعدم احترام اختيارهم.. كنت أتألم وأنا لاأجد إجابة شافية من المدرس.. كنت أسأل بحرقة: كيف يكون قلب الشخص "مطمئنا بالإيمان" وهو مجبر عليه؟ وكيف أن الله لاينظر إلا إلى القلوب وهي لم تؤمن بإرادتها؟.. ولكن مدرسي أراحني عندما وضح لي مؤخراً بأنه وجد إجابة لأسئلتي وقال لي: إن "الجهاد" لايكون لإدخال الناس في الدين بالقوة.. ولكنه يكون للرد على الاعتداءات.. أو للرد على عدم الخضوع لدفع الضرائب.. ولكن "الجهاد" لم يكن أبداً وسيلة لقسر الناس للدخول في الدين..
أراحتني هذه الإجابة.. وقد عزمت على أن أقرأ كثيرا عن الإسلام.. وكانت تقلقني أمور كثيرة عن حال المرأة في الاسلام.. وبقيت أربعة أشهر وأنا أبحث واقرأ في الكتب المتوفرة في مكتبة الكونجرس.. واهتديت أخيراً إلى صحة ماقاله مدرسي.. فقررت أن أكون مسلماً كما كانت تهوى نفسي وتميل.. أخبرت أمي وابي بقراري..ففرحا بذلك.. واشترى لي أبي مصحفا من المركز الاسلامي.. واشترت لي أمي سجادة.. وبدأتُ أصلي وأصوم .. وأحببت الاسلام وكنت أحدث أمي عنه دائما.. وهي تصغي لي بقوة وأشعر أنها فعلا تحب الإسلام وتعتقد أنه جاء بتعاليم عظيمة ورائعة..
ولابد أن أخبركم بأن والديّ لايريان مشكلة في تعدد الديانات.. وهذا ماتعلمته منهما.. فلكل شخص دينه وطبعه وهوايته.. وعرفت أن الديانات متقاربة وغير متصارعة .. بعكس ما فهمت بعد ذلك من ابن عمي.. ابن عمي السعودي أخبرني امراً لم أعرفه.. قال لي: هناك طريق واحد صحيح.. وماعداه خاطيء يجب عليك معاداته وبغضه.. وضرب لي مثالا بسيطا.. قال: إن كنت تشجع نادي الهلال في السعودية فلابد لك أن تكره نادي النصر وتبغضه وتحارب من يشجعه.. وإن كنت مسلماً فلابد لك أن تكره المسيحية.. كان يصر على كره من يخالفه بل ويناهضه العداء والبغض..
ابن عمي هذا هو نسخة من والده.. عمي إبراهيم... فقد عرفته جيدا وعرفت العذاب الذي سامه لأختي "أمل".. لاأنكر أنني كنت أحدث نفسي بالسفر إلى السعودية منذ أن كان عمري 18 عاماً ولكن والدي كانا يطلبان مني تأجيل ذلك لحين معرفة عنوان أختي والحصول على فيزة للسفر إلى السعودية.. لم يكن الأمر سهلا كما توقعت.. فقد استمر والدي بطلب الحصول على تأشيرة سفر لي عدة اشهر.. حتى حصل عليها من واشنطن.. وعرف والدي من السفارة السعودية عنوان والدي الاصلي..
سافرت إلى السعودية ودخلتها في شهر أغسطس الماضي.. وهاتفت عمي وأخبرته باسمي.. كان لايعرف الانجليزية.. ولكن زوجته كانت تفهم ماأريد.. ووصلت إلى بيتهم.. سلمت عليهم.. وسالت عن "أمل" وكنت أعرف أن عمرها سيكون 22 سنة.. وفجأة ظهرت لي "أمل" ووقفت بعيدا.. كانت نحيفة شاحبة.. وقفتُ لتحيتها.. ولكنها عادت وهي تقول كلمات ميزت منها قولها.. سامي سامي.. لحقتها وأمسكت بها فبكت على صدري وهي تردد اسمي.. أنكرتها ويبدو انها أنكرتني.. قلت لها اسمي فقط.. واكتشفت أن أختي "أمل" قد فقدت عقلها.. ولكنني عرفت من عينيها سراً لم تستطع البوح به لي.. إن زوجة عمي وعمي وأبناؤهم قد عذبوها طوال هذه السنين..
لم أستطع أن أفعل شيئاً.. فلاهي تفهم كلامي ولاأنا أعرف العربية.. عدت في المساء إلى الفندق ورفضت طلبهم أن أبقى في المنزل.. كنت ابكي في داخلي .. شعرت بصدمة كبيرة لمقابلة أختي.. لقد أحسست بهزيمة نفسية فوق طاقتي.. لاأدري أين اذهب ولاماذا أفعل؟ كنت أرى في وجه "أمل" صورة أمي "هياء".. ولكنه وجه يائس.. وجه مليء بالحزن والكآبة والعذاب.. كانت نبرات صوتها ترج كياني كله.. وقفت عدة مرات وأنا في طريقي للشارع.. والتفت خلفي لعلي أراها تلحق بي.. لاأدري لماذا كانت تحدثني نفسي أنها ستهرب معي.. ولكنها لم تفعل.. وصلت الفندق ولم أنم تلك الليلة.. كان الوجع يتلوى في شراييني.. كان وجعا من ذلك النوع الذي لايمكن لمسه.. وجعاً يسير في الشرايين من الداخل.. وبقيت بلا أكل طوال الليل..
وفي الصباح الباكر جدا.. هاتفت السفارة الامريكية في الرياض وأخبرتهم بالأمر فأرسلوا لي محاميا.. فذهبنا لتقديم شكوى ضد عمي "إبراهيم".. واكتشفت بعد مرور ثلاثة أشهر على الشكوى.. أن عمي كان يضرب "أمل" بالسوط ويصفعها.. وعرفت أن "أمل" لم تكمل دراستها لأن زوجة عمي كانت توظفها لخدمة المنزل.. ثم إن عمي زوجها رجلا كبير السن من أقارب زوجته.. وأن هذا الزوج ساهم في تعذيبها حتى هربت منه.. وأعادها العم بالقوة.. ورمت بنفسها من سطح البيت فأصيبت بارتجاج في المخ أفقدها صوابها.. وبعد ذلك طلقها ذلك الكهل.. وعرفت أنهم يحرمونها من الطعام ويرسلون لها فضلاتهم.. وأنهم الآن يبقونها في غرفة مغلقة لانها مجنونة وقد تهرب من المنزل في أي وقت..
الآن أنتظر حكم المحكمة.. ولا تزال أختي في منزل العذاب مع عمي.. والأمل يراودني كل لحظة أن آخذ أختي وأسافر بها معي.. كان العذاب الذي نالته فوق طاقة الإنسان.. وكان يتنافى مع أي مبدأ أخلاقي.. ولاأدري هل يعتبر مبدأ "الكفالة" الإسلامي إجباري على القريب... حتى لو كان ظالماً وغير قادر على الكفالة... يعد مبرراً لهدر كرامة الإنسان وتضييع حياته؟ وهل يعتبر مبدأ "التبني" القائم على اختيار المربي الكفء ومتابعته مبدأ ضد العدالة الإنسانية ؟؟؟
تحياتي .........
<<< عمرو بن كلثوم >>>
نقلا عن كريزي - في الساحة السياسية :
مذكرات ســـــــــــــــــــامي ............
أنا شخص سعودي الأصل.. امريكي الجنسية الان.. وعمري 19 سنة.. جئت هنا للسعودية هذا العام لزيارة أختي "أمل" التي تعيش مع عمي.. لقد عانت أختي المسكينة كثيرا من معاملة عمي وزوجته القاسية لها.. والآن هي لاتعرفني وان كانت تردد اسمي.. لقد أصبحت فاقدة لوعيها.. يمكنكم تسميتها مجنونة.. لم أستطع أن أعرف منها تفاصيل كثيرة.. وكل ماعرفته أن عمي قد أخذها من جدتي و تولى تربيتها وكفالتها بعد وفاة والدينا.. مضت 15 سنة علي ولم أرها.. إنها سنوات طويلة.. سنوات طويلة نسيت فيها ملامحها.. وربما تكون هي الاخرى كذلك..
عندما مات والدي ووالدتي في امريكا.. كانت هي تقيم عند جدتي لأنها تدرس في الصف الأول الأبتدائي.. أما أنا فقد كان عمري أربع سنوات آنذاك.. ولهذا أخذوني معهم للسفر إلى امريكا.. فوالدي مرسل من شركة "أرامكو".. لحضور دورة مدتها ستة اشهر في ولاية "إنديانا" بإمريكا.. وعندما وصل هناك عشنا سويا في شقة صغيرة.. كان ابي يذهب الصباح للمدرسة ولايعود إلا قبل الغروب.. وكنا نخرج معا في الليل.. كانت أمي تحبني كثيراً وتبكي وهي تتذكر "أمل".. كان أبي يكلمها بالهاتف عند جدتي وكانت أمي تكلمها.. أما أنا فلم أكلمها بالهاتف أبدا..
لاأدري ماذا حصل بعد ذلك.. وكيف حصل لوالدي حادث سير بعد أربعة اشهر من مجيئنا إلى مدينة "ناشفيل".. وماعرفته فيما بعد أن والدي ووالدتي قد توفيا في حادث تصادم وقع في شارع جيفرسون.. وأتذكر جيدا انني كنت معهم.. وقد نقلنا للمستشفى.. وأنهم ماتوا وأنا أصبت بجروح خفيفة.. لقد تألمت وأنا ابحث عنهما.. وقد أقنعني والداي الامريكان الجدد فيما بعد بأن والديي الأصلين قد ذهبا الى الجنة.. لم أعرف ماهي الجنة آنذاك.. ولكني كنت دائما ألح عليهما بالسفر إليها..
وبعد أن كبرت عرفت أن الحومة الامريكية اهتمت بي ورعتني وأعطتني لمن يتبناني ممن تنطبق عليه شروط التبني.. وعرفت أن عمي قد طلب إعادتي إليه ولكن طلبه رفض لأنه لم تنطبق عليه الشروط المطلوبة للتبني.. وأعترف بأنني عشت مع والدي الجدد حياة سعيدة.. كانت عزائي في أهلي.. وهي التي أنستني ألمي.. ولكني أتذكر والديّ دائما.. وأضع لهما حفل العزاء السنوي الذي تصنعه أمي "ليسلي".. فهي التي تهتم بهذا الحفل.. ويجتمع فيه كثيرون.. أعلق فيه صور والديّ.. وندعو لهما الله أن يرحمهما.. كنت أحبهما كثيرا.. ولاأنكر أبدا أن الحنان الذي منحني إياه أبي "ستيف" وأمي "ليسلي" قد جعلني أشعر بالسعادة.. وماعدت أتذكر والديّ الأصليين إلا في المناسبة السنوية التي تحرص أمتي على إحيائها..
وجدير بي أن أذكر أنني التحقت بالمدرسة في سن السادسة.. ولاأذكر أنني كنت أتكلم اللغة العربية.. وعشت مع أقراني.. وأكملت السنتين الاولتين في مدرسة أهلية.. ثم نقلني والداي إلى مدرسة "فيتش الاسلامية" وهي مدرسة أسسها شخص مسلم من أصول روسية.. درست فيها بقية السنوات.. وفيها تعرفت على "الإسلام".. كانت والدتي "ليسلي" هي التي حرصت على إلحاقي بهذه المدرسة.. وكانت تقول لي دائما: " عليك أن تعرف دين آبائك.. ولك أن تختار بعد ذلك الدين الذي تريد".. وكنا نسهر الليالي الباردة نقرأ كتب المدرسة.. وكان والدي "ستيف" يطلب مني سؤال المدرس عماغمض من أشياء.. وتظل أمي تقارن بين تعاليم الاسلام وتعاليم المسيحية.. وكنت متيقنا أنه لافرق بينهما إلا في أشياء يسيرة.. كلا الدينين جاءا للسلام والحب ولرفعة الإنسان..
وعندما صار عمري أربعة عشر.. سألني والدي "ستيف" عن قراري حول الدين.. وكان يريد أن يعرف وجهة نظري فقط.. وقال لي: إذا أردت أن تكون إنساناً فاضلاً، فلابد أن يكون لك دين يهديك الى الفضائل.. واكتفى بذلك.. قلت لهما فيما بعد: أواجه مشكلات في فهم الأرباب الثلاثة فلم أقتنع بها.. تحدثت معي امي طويلا حولها.. كنت أميل لدين أهلي الأصليين ولكني كنت متخوفاً من بعض الأمور التي لم أفهمها.. فلم أفهم أن الإسلام قام على "الجهاد" وهو الحرب لإدخال الناس في الإسلام بالقوة.. وعدم مخاطبة عقولهم وعدم احترام اختيارهم.. كنت أتألم وأنا لاأجد إجابة شافية من المدرس.. كنت أسأل بحرقة: كيف يكون قلب الشخص "مطمئنا بالإيمان" وهو مجبر عليه؟ وكيف أن الله لاينظر إلا إلى القلوب وهي لم تؤمن بإرادتها؟.. ولكن مدرسي أراحني عندما وضح لي مؤخراً بأنه وجد إجابة لأسئلتي وقال لي: إن "الجهاد" لايكون لإدخال الناس في الدين بالقوة.. ولكنه يكون للرد على الاعتداءات.. أو للرد على عدم الخضوع لدفع الضرائب.. ولكن "الجهاد" لم يكن أبداً وسيلة لقسر الناس للدخول في الدين..
أراحتني هذه الإجابة.. وقد عزمت على أن أقرأ كثيرا عن الإسلام.. وكانت تقلقني أمور كثيرة عن حال المرأة في الاسلام.. وبقيت أربعة أشهر وأنا أبحث واقرأ في الكتب المتوفرة في مكتبة الكونجرس.. واهتديت أخيراً إلى صحة ماقاله مدرسي.. فقررت أن أكون مسلماً كما كانت تهوى نفسي وتميل.. أخبرت أمي وابي بقراري..ففرحا بذلك.. واشترى لي أبي مصحفا من المركز الاسلامي.. واشترت لي أمي سجادة.. وبدأتُ أصلي وأصوم .. وأحببت الاسلام وكنت أحدث أمي عنه دائما.. وهي تصغي لي بقوة وأشعر أنها فعلا تحب الإسلام وتعتقد أنه جاء بتعاليم عظيمة ورائعة..
ولابد أن أخبركم بأن والديّ لايريان مشكلة في تعدد الديانات.. وهذا ماتعلمته منهما.. فلكل شخص دينه وطبعه وهوايته.. وعرفت أن الديانات متقاربة وغير متصارعة .. بعكس ما فهمت بعد ذلك من ابن عمي.. ابن عمي السعودي أخبرني امراً لم أعرفه.. قال لي: هناك طريق واحد صحيح.. وماعداه خاطيء يجب عليك معاداته وبغضه.. وضرب لي مثالا بسيطا.. قال: إن كنت تشجع نادي الهلال في السعودية فلابد لك أن تكره نادي النصر وتبغضه وتحارب من يشجعه.. وإن كنت مسلماً فلابد لك أن تكره المسيحية.. كان يصر على كره من يخالفه بل ويناهضه العداء والبغض..
ابن عمي هذا هو نسخة من والده.. عمي إبراهيم... فقد عرفته جيدا وعرفت العذاب الذي سامه لأختي "أمل".. لاأنكر أنني كنت أحدث نفسي بالسفر إلى السعودية منذ أن كان عمري 18 عاماً ولكن والدي كانا يطلبان مني تأجيل ذلك لحين معرفة عنوان أختي والحصول على فيزة للسفر إلى السعودية.. لم يكن الأمر سهلا كما توقعت.. فقد استمر والدي بطلب الحصول على تأشيرة سفر لي عدة اشهر.. حتى حصل عليها من واشنطن.. وعرف والدي من السفارة السعودية عنوان والدي الاصلي..
سافرت إلى السعودية ودخلتها في شهر أغسطس الماضي.. وهاتفت عمي وأخبرته باسمي.. كان لايعرف الانجليزية.. ولكن زوجته كانت تفهم ماأريد.. ووصلت إلى بيتهم.. سلمت عليهم.. وسالت عن "أمل" وكنت أعرف أن عمرها سيكون 22 سنة.. وفجأة ظهرت لي "أمل" ووقفت بعيدا.. كانت نحيفة شاحبة.. وقفتُ لتحيتها.. ولكنها عادت وهي تقول كلمات ميزت منها قولها.. سامي سامي.. لحقتها وأمسكت بها فبكت على صدري وهي تردد اسمي.. أنكرتها ويبدو انها أنكرتني.. قلت لها اسمي فقط.. واكتشفت أن أختي "أمل" قد فقدت عقلها.. ولكنني عرفت من عينيها سراً لم تستطع البوح به لي.. إن زوجة عمي وعمي وأبناؤهم قد عذبوها طوال هذه السنين..
لم أستطع أن أفعل شيئاً.. فلاهي تفهم كلامي ولاأنا أعرف العربية.. عدت في المساء إلى الفندق ورفضت طلبهم أن أبقى في المنزل.. كنت ابكي في داخلي .. شعرت بصدمة كبيرة لمقابلة أختي.. لقد أحسست بهزيمة نفسية فوق طاقتي.. لاأدري أين اذهب ولاماذا أفعل؟ كنت أرى في وجه "أمل" صورة أمي "هياء".. ولكنه وجه يائس.. وجه مليء بالحزن والكآبة والعذاب.. كانت نبرات صوتها ترج كياني كله.. وقفت عدة مرات وأنا في طريقي للشارع.. والتفت خلفي لعلي أراها تلحق بي.. لاأدري لماذا كانت تحدثني نفسي أنها ستهرب معي.. ولكنها لم تفعل.. وصلت الفندق ولم أنم تلك الليلة.. كان الوجع يتلوى في شراييني.. كان وجعا من ذلك النوع الذي لايمكن لمسه.. وجعاً يسير في الشرايين من الداخل.. وبقيت بلا أكل طوال الليل..
وفي الصباح الباكر جدا.. هاتفت السفارة الامريكية في الرياض وأخبرتهم بالأمر فأرسلوا لي محاميا.. فذهبنا لتقديم شكوى ضد عمي "إبراهيم".. واكتشفت بعد مرور ثلاثة أشهر على الشكوى.. أن عمي كان يضرب "أمل" بالسوط ويصفعها.. وعرفت أن "أمل" لم تكمل دراستها لأن زوجة عمي كانت توظفها لخدمة المنزل.. ثم إن عمي زوجها رجلا كبير السن من أقارب زوجته.. وأن هذا الزوج ساهم في تعذيبها حتى هربت منه.. وأعادها العم بالقوة.. ورمت بنفسها من سطح البيت فأصيبت بارتجاج في المخ أفقدها صوابها.. وبعد ذلك طلقها ذلك الكهل.. وعرفت أنهم يحرمونها من الطعام ويرسلون لها فضلاتهم.. وأنهم الآن يبقونها في غرفة مغلقة لانها مجنونة وقد تهرب من المنزل في أي وقت..
الآن أنتظر حكم المحكمة.. ولا تزال أختي في منزل العذاب مع عمي.. والأمل يراودني كل لحظة أن آخذ أختي وأسافر بها معي.. كان العذاب الذي نالته فوق طاقة الإنسان.. وكان يتنافى مع أي مبدأ أخلاقي.. ولاأدري هل يعتبر مبدأ "الكفالة" الإسلامي إجباري على القريب... حتى لو كان ظالماً وغير قادر على الكفالة... يعد مبرراً لهدر كرامة الإنسان وتضييع حياته؟ وهل يعتبر مبدأ "التبني" القائم على اختيار المربي الكفء ومتابعته مبدأ ضد العدالة الإنسانية ؟؟؟
تحياتي .........
<<< عمرو بن كلثوم >>>