View Full Version : سوء الظن نار واثم فى قبرك **دراسة أرجوا أن ننتفع بها جميعا ***
الاتحاد
15-12-2002, 09:01 PM
هذه خواطر عنّت لي في ظلّ بعض الظروف التي نعيشها، أحببت أن أضعها أمام إخواني وأخواتي سائلاً الله أن يعلّمنا جميعاً ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علّمنا، إنه أكرم مسؤول . والحمد لله ربّ العالمين . و الله جل و علا يقول : (( أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء )) و الدليل على وجوب حسن الظن بالله أن الله سبحانه و تعالى و صف أنبياءه و الصالحين من عباده بأنهم يرجون رحمته و يخافون عذابه ، و قال عن الذين لا يرجونه بأنهم ضالون قال جل و علا على لسان خليله إبراهيم – عليه السلام - : (( و من يقنط من رحمة ربه إلا الضالون )) ، و قال على لسان نبيه يعقوب عليه السلام : (( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )) ، فدل على وجوب حسن الظن بالله و رجائه سبحانه و تعالى و الطمع في رحمته ، (( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغبا ورهبا و كانوا لنا خاشعين )) و قال سبحانه و تعالى : (( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب و يرجون رحمته و يخافون عذابه )) فيرجون رحمته و هذا من حسن الظن بالله سبحانه و تعالى ، وحسن الظن بالله ان الإنسان يقطع أطماعه ورغباته عن الآخرين وينحصر رجاءه بالله سبحانه فهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض ، ويجعل ذنبه أمامه ويخاف من خطر ذنوبه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم )قال:"إياكم والظن ،فإن الظن
أكذب الحديث".
* "الظن" أي ظن السوء
..المراد هنا بالتحذير هو التحذير من الظن بالمسلم شراً من تحقيق التهمة به والاصرار على تقريرها وقوله تعالى:{إجتنبوا كثيراً من الظن}.والظن هو مايخطر بالنفس من تجويز المحتمل للصحة والبطلان فيحكم به ويحتمل عليه..كذا فسر الحديث في مختصر النهارية.
ومحل التحذير والنهي إنماهو عن التهمة كمن أتهم بالفاحشة ولم يظهرعليه مايقتضي ذلك.او بالكفر وهو ليس بكافر
..وقوله ..{فإن الظن أكذب الحديث }..سماه حديثاً لأنه حديث نفس وإنما كان أكذب الحديث لأن الكذب مخالفةالواقع من غير إستناد إلى أمارة أو قبحة ظاهرلا يحتاج الى إظهاره، وأما الظن لإيزعم صاحبه أنه إستند إلى شيء فيخفي على السامع كونه كاذباً بحسب الغالب فكان أكذب الحديث.
*و عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لأحد الجااسين في مجلسه:إذا خرجت من فاه أخيك كلمة وأغضبتك فأحسن بها الظن وإفتح لها
من حسن الظن (70) باباً فلربما لم يكن يقصد بها ما يسوءك..-سبل السلام للصنعاني الجزء الرابع
ومن مظاهر سوء الظن بالآخرين، النظر إليهم من خلال منظار أسود يخفي حسناتهم على حين يضخم سيئاتهم، الأصل عند ه هو الاتهام والأصل في الاتهام هو الإدانة خلافاً لما تقرره الشرائع ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وان الخطاء فى العفو ممدوح والخطاء فى العقوبة مذموم
تجد اصحاب القلوب المريضة دائماً يسارعون إلى سوء الظن والاتهام لأدنى الأسباب، فلا يلتمسون المعاذير للآخرين بل يفتشون عن العيوب ويتقممون الأخطاء ليضربوا بها الطبل ويجعلوا من الخطأ خطيئة ومن الخطيئة كفراً وإذا كان هناك قول أو فعل يحتمل وجهين: وجه خير وهداية ووجه شر وغواية رجحوا احتمال الشر على احتمال الخير خلافاً لما أثر عن علماء الأمة من أن الأصل حمل حال المسلم على الصلاح والعمل على تصحيح أقواله وتصرفاته بقدر الإمكان.
وقد كان بعض السلف يقول: اني لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين ثم أقول: لعل له عذراً آخر لا أعرفه! ولكن من خالف هؤلاء في رأي أو سلوك ـ تبعاً لوجهة نظر عنده ـ اتهمه في دينه بالمعصية أو ما شاء لهم من سوء الظن
ولم يقف الاتهام عند الأحياء بل انتقل إلى الأموات الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم فلم يدعوا احد من سلف الامة إلا صوبوا إليهم سهام الاتهام ـ على ما لهم من فضل ومكانة لدى الأمة في كافة عصورها ـ لم يسلموا من ألسنتهم وسوء ظنهم بل ان تاريخ الأمة كله بما فيه من علم وثقافة وحضارة قد أصابه من هؤلاء ما أصاب الحاضر وأكثر فهو عند جماعة تاريخ فتن وصراع على السلطة وعند آخرين تاريخ جاهلية وكفر حتى زعم بعضهم ان الأمة كلها قد كفرت بعد القرن الرابع الهجري!
وقديما قال أحد أسلاف هؤلاء لسيد البشر صلى الله عليه وسلم بعد قسمة قسمها: ان هذه قسمة ما أريد بها وجه الله! اعدل يا محمد فإنك لم تعدل!.
الاتحاد
15-12-2002, 09:05 PM
إن ولع هؤلاء بالهدم لا بالبناء ولع قديم وغرامهم بانتقاد غيرهم وتزكية انفسهم شنشنة معروفة والله تعالى يقول: «فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى».
ان آفة هؤلاء هي سوء الظن المتغلغل في أعماق نفوسهم ولو رجعوا إلى القرآن والسنة لوجدوا فيهما ما يغرس في نفس المسلم حسن الظن بعباد الله فإذا وجد عيباً ستره ليستره الله في الدنيا والآخرة وإذا وجد حسنة أظهرها وأذاعها ولا تنسيه سيئة رآها في مسلم حسناته الأخرى ما يعلم منها وما لا يعلم.
أجل إن التعاليم الإسلامية تحذر أشد التحذير من خصلتين: سوء الظن بالله وسوء الظن بالناس والله تعالى يقول: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن اثم».
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» وأصل هذا كله: الغرور بالنفس والازدراء للغير ومن هنا كانت أول معصية لله في العالم: معصية ابليس وأساسها الغرور والكبر: «أنا خير منه».
والإعجاب بالنفس أحد المهلكات الأخلاقية التي سماها علماؤنا «معاصي القلوب» الذي حذر منها الحديث النبوي بقوله: «ثلاث مهلكات: شح مطاع وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه». هذا مع ان المسلم لا يغتر بعمله أبداً، ويخشى ان يكون فيه من الدخل والخلل ما يحول دون قبوله، وهو لا يدري والقرآن يصف المؤمنين السابقين بالخيرات فيقول في أوصافهم: «والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة انهم إلى ربهم راجعون».
وقال ابن مسعود: الهلاك في اثنتين: العجب والقنوط وذلك ان السعادة لا تدرك إلا بالسعي والطلب والمعجب لا يسعى لأنه قد وصل والقانط لا يسعى لأنه لا فائدة للسعي في نظره.
لايعاقب احدا يوم القيامه عن حسن ظنه بالخلق,ولكن يعاقب على سوء الظن بالخلق.
وسوء الظن : هو الشك والتهمة ، وتخريص وتخمين ينتهي بوصف الآخرين بما يسوء ويغم من كل قبيح بحجج وتلبيسات واهية كما اتهمت الخوارج المبشرون بالجنة بالكفر لتوظيفهم نصوص الوحى توظيف سىء واتباعهم المتشابه ابتغاء ارضاء نزواتهم وطويتهم السوداوية حتى أخرجوهم من رحمة الله .قبحهم الله ,وأول خيوطها تفسير المواقف والنيات وإلزم ما لا يلزم .و الفضول والتطفل .
أسباب المشكلة :
- سوء النية وخبث الطوية ، نتيجة لكثرة المعاصي .مع العجب بهاوعدم الالتفات اليها
- الحسد .
- كثرة ملاحظة الناس .
- عدم تربية النشء على المبدأ الصحيح في الحكم على الأشياء والأشخاص .
- المحيط والبيئة المعينة على تفشي هذه المشكلة .
- الوقوع في الشبهات سواء عن قصد أو عن غير قصد ، وعدم تبرير الوقوع في هذه الشبهة .
ولذلك ورد التحذير من الوقع في الشبهات ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ..)
- عدم مراعاة الأدب النبوي في التناجي :
· " لا يتناجى اثنان دون الثالث "
· أن تكون النجوى في الطاعة والمعروف " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس .."
الآثار .
أثره على الفرد :
- الوقوع في الإثم والكذب " كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع "
- القعود عن أعمال البر والاضطراب النفسي .
- الحسرة والندامة والعقوبة . كما حصل لمن وقع في حادثة الإفك .
أثره على الامة :
- الفرقة وتمزيق الصف " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم "
- عدم التمييز بين الحق والباطل ، وبين العدو والصديق .
الحلول .
- بناء العقيدة السليمة القائمة على حسن الظن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين .
- ترك المعاصي وفعل الطاعات واتهام النفس والتفتيش عن عيوبها قبل اتهام الاخرين .
- إيكال السرائر إلى الله .
- الالتزام بأدب التناجي في الإسلام .
- تجنب الوقوع في الشبهات ، والحرص على دفعها إن حصلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث " على رسلكما إنها صفية .."
- الانشغال بعيوب النفس وإصلاحها وترك ملاحظة الناس " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " .
- التربية على المنهج القرآني قبل حكم جائر على احد الاشخاص والتثبت منها : " لو لا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا .."
" لو لا جاءوا عليه بأربعة شهداء .."
انه بسبب هذا الداء فى الامة
نفوس تتحطم...
بيوت تتهدم ..
وأسر تتشرد..
وصلات تتقطع...
وأعراض تتهم..
وصور مضيئة تشوه...
ومجتمعات تتردى، والسبب:
سوء الظن..!!!!!!!!..
سوء الظن مهلكة، وبلاء لا يكاد الناس يسلمون منه...
ذاك الذي يشنع على غيره بسوء الظن، لا يشعر بنفسه إلا وهو متلبس بسوء الظن، مهما زعم الإنسان أنه بعيد عن هذا الداء فهو واقع به...
فهذا الداء الخفي، له دافع من خير، ودافع من شر..
فهذا يسيء الظن بقصد الشر والفتنة، وذاك يسيء الظن بقصد الخير والعافية، وكلاهما في الحقيقة سيء الظن، ولو أن القاصد للخير ما قصد إلا الخير، إلا أن إساءته الظن بأخيه المسلم لربما كان أشد وطئا وفتنة وأثرا ممن أساء الظن قاصدا للشر والوقيعة..
وقد تعرض لمثل هذا النبي صلى الله عليه وسلم في زوجه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها..
والقصة تبدأ وجيش المسلمين قافل من غزوة بني المصطلق، حصل أن عائشة ذهبت لقضاء الحاجة، فلما عادت فقدت عقدها، فرجعت تبحث عنه، فجاء الذين يحملون هودجها، فحملوه ووضعوه على ظهر الناقة وهم يظنون أن عائشة فيه، وكانت جارية حديثة السن لم تثقل، وسار الجيش..
وجدت عائشة العقد وعادت فلم تر للجيش أثرا، فمكثت في مكانها، وهي تظن أنهم سيفقدونها ثم يعودون إليها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع في مؤخرة الجيش رجلا يكون عينا وحافظا، وكان صفوان بن المعطل، فجاء فرأى عائشة رضي الله عنها فاسترجع، ثم أرخى لها الدابة، ، فركبت، وسار بها، حتى دخل المدينة ظهرا، على مرأى من الناس..
فوقع بعض الناس فيهما بالإفك، وكان الذي تولى كبره المنافق عبد الله بن أبي بن سلول، وهلك من هلك، وتناولوا عائشة بما هي بريئة منه، ومكثوا على هذا شهرا، لا ينزل الوحي ..
ولنا أن نتصور كيف يكون حال النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة في هذه المدة ..
لقد كانت مأساة كبرى، حيث لم يكن المنافق ابن سلول وحده الخائض في هذا الإفك، بل بعض الصحابة أيضا كحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بن جحش ..
لقد بلغ بالنبي صلى الله عليه وسلم أن صار يستشير أصحابه في فراق أهله، وأسامة بن زيد يقول:
" يا رسول الله! أهلك، وما نعلم إلا خيرا" ..
وأما علي فيقول: "يا رسول الله! لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير" .
وعائشة تبكي الأيام لا يرقأ لها دمع، ولا تكتحل بنوم، ويقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس مستعذرا يقول:
"من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا"..
حتى إذا طال البلاء قال لعائشة:
"يا عائشة! فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله، تاب الله عليه".
فأجابت:
"إني والله لقد علمت، لقد سمعتم هذا الحديث، حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة ـ والله يعلم أني بريئة ـ لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر ـ والله يعلم أني منه بريئة ـ لتصدقني، والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف، قال: { فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون}"..
فأنزل الله تعالى براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك:
{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امريء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم}
لقد كانت حادثة الإفك درسا كبيرا لكل من يقدم سوء الظن على حسن الظن. حتى ولو كان فى حساب فرد واحد من المسلميين او امة فالخطب جسيم والخصومة عند الله اعظم واشد
والقلوب لا يعلم ما فيها إلا رب العباد، قد يبدو للإنسان شيء فيحمله على وجه سيء، ويكون الحق في الوجه الآخر، والأمر لا يقتصر على الأعراض، بل في كل شيء، يجب على الإنسان أن يقدم حسن الظن، ولا يقدم سوء الظن، ولا يحكم على شيء بمجرد اهواء الناس ولو كان مائة هوى أي يكون يقينا تاما..
أما لو طرأ نوع احتمال للبراءة من التهمة، ولو واحد في المائة، فينبغي التوقف، وتقديم هذا الاحتمال الضعيف 1% على الاحتمال القوي 99%، هذا واجب شرعي، وعليه تقوم أحكام كثيرة ..
فمثلا لو جاء أربعة يشهدون على فلان بالزنا، يستمع إلى شهادتهم، فإن اتفقت شهادة ثلاثة، واختلفت شهادة الرابع، جلدوا جميعا حد القذف..
انظر إلى حرص الشارع البالغ على تقديم حسن الظن على سوء الظن، ولذا جاء في الأثر :
( ادرءوا الحدود بالشبهات) ، فالشبهات تدرء الحدود وتعطلها .
ولو رأى إنسان آخر يسجد لصنم أو يذبح عند قبر أو يطوف به، ما جاز له أن يكفره، على الرغم من أن الفعل كفر لا شك.. لماذا؟ .
لأنه ربما كان معذورا بجهالة أو غفلة أو مكره على ذلك، ففرق بين كون الفعل كفرا والفاعل كافرا، فالفعل كفر نعم، لكن فاعله لا يكفر حتى تثبت في حقه الشروط وتنتفي الموانع ، أي تقام عليه الحجة الواضحة، بحيث لا يؤاخذ إلا بجريرة واضحة ثابتة يقينا، لا يؤاخذ بالظنة ..
وفي ذلك بيان وتنبيه إلى أنه يجب كذلك علينا في حياتنا أن نقدم حسن الظن على سوء الظن مهما بلغت بنا الشكوك، فأحوال العباد وما في قلوبهم والظروف التي تحيط بهم لا يعلمها إلا الله تعالى، فالتسرع بالحكم عليهم يفضي إلى بلايا ومصائب يكون فيها خراب النفوس والبيوت والسمعة والعرض ..
وإذا كانت عائشة قد نزل فيها قرآن يبرؤها، فغيرها لا يمكن أن يحظى بمثل هذا الشرف .
ولقد جاءت الآيات في حادثة الإفك محذرة من هذا الذنب العظيم المفسد للقلوب والصلات المشوه للسمعة، قال تعالى:
{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين }.
إن المؤمن يطلب المعاذير، وإن المنافق يطلب الزلات، وفى الاثر : التمس لأخيك ولو سبعين عذرا.
من عرف النفس البشرية في ضعفها ونسيانها وغفلتها وذهولها قدم الاعتذار على التهمة، والتسامح على المؤاخذة، وحسن الظن على سوء الظن .. وان الخطاء فى العفو كرم والخطاء فى العقوبة جريمة
كثيرا ما ينسى الإنسان نفسه، ويقع في أمور لا يحسب لها حسابا، ويتلبس بالشبهات وهو لا يدري ولا يقصد، فإذا رآه من لم يعرف بشرية الإنسان ربما آخذه واتهمه بسوء النية..
لكنه لو كان يدري ما الإنسان في نسيانه وذهوله لما آخذه ولقدم الاعتذار له، فالمنصف يعلم من نفسه أنه قد يخطيء دون قصد الخطأ، وقد يتلبس بالشبهة وهو لا يقصد، وكذا الناس مثله، ومن ثم يقدم الاعتذار ..
أن الإنسان قد يتكلم بالكلمة وقد لا يقصد ما وراءها من لوازم، بل هو ذاهل عنها، وربما تدارك الكلمة او الموضوع فمثلا لو وجد لإنسان قولان في مسألة ما.. أحدها صريح في المعنى، والآخر محتمل، يحتمل المعنى الأول ومعنى آخر، فالعدل وحسن الظن يوجب حمله على المعنى الأول الصريح.. والظلم حمله على المعنى الآخر المحتمل ..
وهكذا نجد كلام الشارع وأصول الفقه والدين كلها تؤكد على قضية حسن الظن، والبعد عن إساءة الظن، يقول الله تعالى:
{ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم }.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
( إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا) .
قال ابن الأثير: " أراد بالظن الشك الذي يعرض للإنسان في الشيء فيحققه ويعمل به" .
-------------------
الاتحاد
15-12-2002, 09:10 PM
إن سوء الظن آفة كبيرة تنخر في المجتمعات والأسر والصداقات، ولعل المرء إذا اتخذ إجراء سلبيا تجاه آخر، من قطيعة أو نحوها، وكان الآخر يستحق ذلك، فذلك لا يؤسف عليه، لكن المشكلة فيما إذا كان بريئا، هنا تقع الفواجع والمصائب على أناس أبرياء، فليس من السهل أن يتهم الإنسان بما ليس فيه..
ونحن في كلامنا هذا نحاول علاج هذه الآفة الخطيرة، من خلال التأكيد على أهمية حسن الظن، وتقديمه على سوء الظن، والإنسان تمر به مواقف لا يرى فيها إلا وجها واحدا، يرى إنسانا في أمر ما فلا يراه إلا مسيئا عاصيا، فربما تكلم فيه ونشر خبره، ثم إذا اتضح الأمر وبانت الحقائق ظهر له أنه كان مخطئا، وهذا هو الذي لا يريده الله تعالى منا، لذا الواجب التحرز التام ..
- لا تحكم إلا بعد أن تتيقن، أي يصل بك اليقين إلى درجة أنك تقدر على الحلف على ما ظننت..
هذا الإجراء خطوة في كف الناس عن سوء الظن..
- وهناك إجراء آخر، وهو التأمل في حقيقة البشر، من حيث الذهول والضعف والنسيان ..
فإذا تأمل المرء في حقيقة البشر، وجد نفسه مرغما على التماس العذر لهم، وعدم مؤاخذتهم بما يصدر منهم من أمور يمكن حملها على الوجه الحسن، ولو باحتمال ضعيف..
- وهناك إجراء ثالث، وهو الأخوة، فإن أخوة الإيمان تحمل لزوما على تقديم حسن الظن بالمؤمن، فالمؤمن في أصل الأمر لا يريد شرا، والتعامل معه وحمل ما يصدر منه على هذا الأصل يوجب حسن الظن والبعد عن سوء الظن ..
- وهناك إجراء رابع لاتقاء سوء الظن، وهو البعد عن الشبهات ..
كما أنه يجب على المسلم إحسان الظن بإخوانه، كذلك يجب عليه البعد عن الشبهات، فيجب على المسلم ألا يوقع نفسه في شبهة قصدا وعمدا، بدعوى أنه لا يبالي بالناس، فمن لا يستحي من الناس لا يستحي من الله ..
فيجب أن يتحرز من الوقوع في الشبهات، فإن وقوعه فيها يفتح للشيطان طريقا عليه وعلى إخوانه، عليه بتشويه سمعته صورته، وعلى إخوانه ببث وساوسه فيهم، وإيقاعهم في الإثم بسوء الظن ..
فإن وقع في شبهة ما لسبب ما، فيجب اعطائه قدرا ومتسعا من التوضيح وتجلية حقيقة الأمر لكل من رأى تلبسه بالشبهة كي يدفع عن عرضه، ويرحم إخوانه من إساءة الظن وتألم المشفق..
فعندمات جاءت صفية رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو معتكف، ثم قام يقلبها إلى بيتها فمر بهما رجلان فأسرعا، فقال عليه الصلاة والسلام:
(على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي)..
فقالا: سبحان الله، يا رسول الله، وكبر عليهما..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا) ..
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين كيف أن على المسلم أن يدفع عن نفسه الشبهة..
فالإنسان قد يقع في الشبهة من طريقين:
الأول: أن يكون الأمر ليس فيه شبهة أصلا، لكن الناس قد ينظرون إليه على أنه شبهة، كما في قصة صفية رضي الله عنها، فمن المستحسن البيان والتوضيح إذا شعر بريبة الحاضرين.
الثاني: أن يكون شبهة في نفس الأمر، كمن رؤي يكلم امرأة أجنبية، ربما كانت تسأل عن الطريق أو غير ذلك، فمثل هذا لازم عليه أن يبين ـ لمن شك فيه ـ حقيقة القضية، ولا يتركه بشكه ..
عن الضحاك بن ثابت: نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال
( هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد )؟ ..
قال: لا ..
قال: ( فهل كان فيها عيد من أعيادهم )؟ .
قال: لا :
قال: ( أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم ) ..
هذا الحديث مخرج على أنه قطع لدابر الشرك والذريعة إليه، لكن له أيضا وجه آخر..
وهو أن الإنسان إذا قدم عبادة لله عند قبر أو مكان كان يعبد فيه غير الله تعالى، عرض نفسه للتهمة، فالناظر إليه قد يظن أنه يقدم عبادته للقبر أو الوثن، فيسيء الظن به، فربما كان جاهلا فاستحل دمه قبل أن يستوثق، بدعوى أنه كفر بفعله، والكافر حلال الدم، ولا أقل من أن يرميه في دينه بالشرك، ولذا كان من الواجب الانتهاء عن العبادة في هذا المكان قطعا لدابر الشرك، وحفظا للعرض من التهمة بالشرك ..
وفي كل الأمور الأولى بالمسلم أن ينأى عن الشبهات وكل ما يشين ويعرض المسلم للذم والتشوية، فإن بعض ذوي النفوس المريضة يعجبهم البحث عن الزلات وتضخيمها وأن يضيفوا إليها ما ليس منها، وهذا الصنف لا يمكن أن يخلو المجتمع منه، وحتى نتقي شر هؤلاء المغرضين فحتم أن يسعى المرء في الابتعاد عن كل شبهة قد تضره في دينه ودنياه..فى حدود الشرع والتكاليف وعدم التكلف والزيادة فى الدين ببدع وهوى ليس بلازم وربما تشدقت به النفوس المريضة حتى يصبح ديدنهم ويصرفهم عن دين الله وشرعه وماكان عليه رسول الله صلى الله عليه واصحابه رضى الله عنهم
ولذلك تراهم يسيئون الظن ابتداء، لأن إساءة الظن ليس فيها تكلف ولا مشقة، كما في إحسان الظن والتماس المعاذير..
ولذا كان الملتمس للمعاذير مؤمنا، أي مثابا على ذلك، لأنه يحزنه ولا يرضيه الطعن في أخيه، فيجهد نفسه وعقله ولسانه بالدفاع عنه، بينما الطالب للزلات منافق، لا ثواب له، لأنه لا يدفع عن عرض المؤمن، بل يتشفى ويشمت ويفرح بزلات المؤمنين، وتلك ليست من صفات المؤمنين ..
وثمّة أمور عدّة يقوم عليها حسن العلاقات كما يقوم البناء على قواعده وأسسه ، فإذا لم توجد هذه الأمور فإمّا ألاّ يقوم هذا البناء ، أو أنّه يقوم واهياً واهنا ينهار لأدنى هزّة تعتريه .
مثلا قيام الحواجز والسدود بين المسلميين بحجة المصلحة هو من اخبث الخبائث وان يكون مفاتيح هذه الحواجز فى ايادى تحجر واسعا وتضيق رحمة الله على عبادة وتجعله حكرا على اصحاب المفاتيح
ومن هذه الأمور اجتناب سوء الظنّ ما أمكن التماس سبيلٍ إلى حسن الظنّ . وقد جاء في القرآن الكريم كلام صريح في هذا ، حيث يقول الله عز وجل : ( يا ايّها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظنّ إنّ بعض الظنّ إثم ) . وممّا يستدعي الوقوف والتأمّل في هذا البيان الخالد الأمرُ باجتناب كثير من الظنّ لأنّ بعضه إثم ، ولمْ يأت التعبير القرآنيّ ليقول إنّ صاحب الظنّ يأثم ، بل اعتبر أنّ الظنّ ذاته هو إثم ، مبالغة في النهي عنه والتنفير منه . وإذاً علينا اجتناب كثير من الظنّ مخافة القليل الذي هو إثم . وممّا لا ريب فيه أنّ الحريص على آخرته يدرك مقاصد هذا الخطاب ومراميه ، ويبادر إلى التطبيق والامتثال ، نجاة بنفسه من الإثم والنار .
ولربّما جنحت النفس جنوحا شديدا إلى سوء الظنّ ، ويزداد هذا في حقّ من لا تحبّه ولا تميل إليه . بل ربّما سعت إلى التفتيش والبحث عن الأدلّة المرجّحة لسوء الظنّ في كلمة قيلت ، أو فعلٍ صدر . لكن على المسلم العاقل أن يجاهد النفس الأمّارة بالسوء ويصرفها عن هذا بالتماس الأعذار للأخ الذي رغبت بإساءة الظنّ فيه بسبب بغضها له ، أو عدم انسجامها معه ، أو نفرة طباعها من طباعه . وليعلم المسلم أنّه إن جاهد نفسه ورجّح حسن الظنّ فإن الأجر كبير وعظيم لما فيه من مخالفة للهوى وخضوع لأمر الله تعالى . وليتصوّر الأخ الذي انزلق في منحدر سوء الظنّ أنّ اخوه المسلم ممن يحبّهم ولهم عنده حظوة ومكانة ، كيف كان يدافع ويلتمس الأعذار ، ويكافح وينافح لتبرئة من يحبّ . فليفعل هذا مع بقيّة إخوانه ، ولا يجعل الدفاع عن أخيه المسلم في ظهر الغيب وحسن الظنّ به محصوراً في عدد قليل لا يعدوهم إلى غيرهم .
وقد يقول مسئ الظنّ مدافعاً عن نفسه : إنّه إنّما يحسن الظنّ بزيد وعبيد لثقةٍ بهم آتية من خبرة ومعرفة . ولو أنّنا تتبّعنا الأمور وسبرنا غورها لوجدنا أنّ نفور هذا المسلم من بعض إخوانه وإساءة ظنّه بهم إنّما كان نتيجة خلافات شخصيّة أو غير شخصيّة ، أو أثراً لتنافر الطباع ، أو لغيرة أو منافسة أو اختلاف في الرأي ، أو نتيجة تراكم سوء الظنّ على مدى سنين ، ممّا جعله يختزن صورة شوهاء لأخيه يفسّر على ضوئها سلوكه وأقواله ، وهذا كلّه لا يجيز سوء الظنّ ، ولا يعطي المسلم الحقّ في ذلك .
وإنّ ممّا يؤدّي إلى الخلاف وإلى انتقاص الناس والنيل منهم أن يضع المسلم قضايا إداريّة أو تنظيميّة فيها مجال واسع للنظر والرأي ، موضع قضايا وردت فيها نصوص قطعيّة الثبوت ، قطعيّة الدلالة ، فيسوّي بينهما ، ويشنّ حربا شعواء على كلّ من لا يرى رأيه ، حتى في هذه الأمور.
إنّ كثرة ذمّ الناس والنيل منهم والطعن الدائم في أقوالهم وأفعالهم وحملها على أسوأ محمل ، وسرعة انتقاصهم وتصديق قالة السوء فيهم ، أمارة مرض النفس وضيق الأفق ، وضعف الخشية من الله ، وقلّة الإحساس بمراقبة الله سبحانه للعبد ، وهي في الوقت ذاته علامة طفولة التفكير ، إذ إنّ الإنسان كلّما ارتقى فكره قدّر ظروف المسلمين الآخرين وأدرك مقاصد آرائهم ، والتمس الأعذار لهم ، وأحسن الظنّ بهم .
أمّا الذي يعذر نفسه ويشتدّ على غيره ويحمل عليه .. فهذا ينطبق عليه ما جاء في الأثر : " إنّ أحدكم يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الخشبة في عينه " . وفي هذا ذمّ لأصحاب هذا المنهج الرديء في التعامل مع المسلمين ، حيث يعمد الإنسان إلى تبرئة نفسه أو تصغير عيوبها ، بينما يُضخّم عيوب الآخرين ولا يقبل لهم عذرا ، وكأنّه نسي أو تناسى ما دعا به النبيُّ صلى الله عليه وسلم لمن اشتغل بيوب نفسه : " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ". رواه البزّار بإسناد حسن .
وان من المبادئ الأخلاقية المهمة في التعامل بين المسلمين عامة والإسلاميين خاصة : إحسان الظن بالآخرين، وخلع المنظار الأسود، عند النظر إلى أعمالهم ومواقفهم فلا ينبغي أن يكون سلوك المؤمن واتجاهه قائما على تزكية نفسه، واتهام غيره..
والله تعالى ينهانا أن نزكي أنفسنا، فيقول: (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم، فلا تزكوا أنفسكم، هو أعلم بمن اتقى) (سورة النجم: 32).
ويذم اليهود الذين زكوا أنفسهم وقالوا: إنهم أبناء الله وأحباؤه، فقال تعالى: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم، بل الله يزكي من يشاء) (سورة النساء: 49).
والمؤمن ـ كما قال بعض السلف ـ أشد حسابًا لنفسه من سلطان غاشم، ومن شريك شحيح!
فهو أبدًا متهم لنفسه لا يتسامح معها، ولا يسوغ لها خطأ ها، يغلب عليه شعور التفريط في جنب الله، والتقصير في حقوق عباد الله.
وهو يعمل الخير، ويجتهد في الطاعة، ويقول: أخشى أن لا يقبل مني. فإنما يتقبل الله من المتقين، وما يدريني أني منهم؟!
وهو في الجانب المقابل يلتمس المعاذير لخلق الله، وخصوصا لإخوانه والعاملين معه لنصرة دين الله، فهو يقول ما قال بعض السلف الصالح: ألتمس لأخي من عذر إلى سبعين، ثم أقول: لعل له عذرًا آخر لا أعرفه!
وإن من أعظم شعب الإيمان حسن الظن بالله، وحسن الظن بالناس، وفي مقابلهما: سوء الظن بالله، وسوء الظن بعباد الله.
إن سوء الظن من خصال الشر التي حذر منها القرآن والسنة، فالأصل حمل المسلم على الصلاح، وأن لا تظن به إلا خيرا، وأن تحمل ما يصدر منه على أحسن الوجوه، وإن بدا ضعفها، تغليبا لجانب الخير على جانب الشر.
والله تعالى يقول: (يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن، إن بعض الظن إثم) (سورة الحجرات: 12) والمراد به: ظن السوء الذي لم يقم عليه دليل حاسم.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.."
الاتحاد
15-12-2002, 09:14 PM
صحيح إن سوء الظن من الأشياء التي لا يكاد يسلم منها أحد، كما روي ذلك في حديث ضعيف، ولكن يقويه ما ثبت في الصحيح، قول النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه الذين رأوه في الاعتكاف يكلم امرأة في المسجد، فأسرعا الخطا، فقال: "على رسلكما إنها صفية بنت حيي (زوجته)" فقالا: وهل نظن بك إلا خيرًا يا رسول الله؟ قال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًا".
ومع هذا ينبغي للمؤمن أن لا يستسلم لوسوسة الشيطان في إساءة الظن بالمسلمين، بل عليه أن يلتمس لهم المعاذير والمخارج فيما يراهم أخطأوا فيه، بدل أن يتطلب لهم العثرات والعيوب.
فإن من أبغض الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبعدهم منه مجالس يوم القيامة الباغين للبرآء العثرات.
فإذا كان العمل الصادر عن المسلم يحتمل وجها يكون فيه خيرًا، وعشرين وجهًا لا يكون فيها إلا شرًا، فينبغي حمل هذا العمل على وجه الخير الممكن والمحتمل.
وإذا لم يجد وجهًا واحدًا للخير يحمله عليه ـ فيجمل به أن يتريث، ولا يستعجل في الاتهام، فقد يبدو له شيء عن قريب، وما أصدق ما قاله الشاعر هنا:
تأنّ ولا تعجل بلومك صاحبًا لعل له عذرًا وأنت تلوم!
ومما يجب التحذير منه: ما يتصل باتهام النيات، والحكم على السرائر، وإنما علمها عند الله، الذي لا تخفى عليه خافية، ولا يغيب عنه سر ولا علانية.
وهذا مطلوب للمسلم أي مسلم، من عامة الناس، فكيف بالمسلم الذي يعمل للإسلام والذي ضم إلى الإسلام العام: الدعوة إليه، والغيرة عليه، والدفاع عنه، والتضحية في سبيله؟
ويشتد الخطر حينما يجتمع اتباع الظن، واتباع الهوى، كالذي ذم الله به المشركين في قوله: (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى) (سورة النجم: 2.
(ومن أضل ممن اتبع هواه، بغير هدى من الله) (سورة القصص: 50).
ومن أجل ذلك حذر الله الرسل ـ مع مالهم من مقام عنده ـ من اتباع الأهواء فقال تعالى لداود: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) (سورة ص: 26).
وقال لخاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن المكي: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) (سورة الجاثية: 1.
وفي القرآن المدني: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) (سورة المائدة: 49).
إن الإخلاص لله يجمع ويوحد، أما اتباع الهوى فهو يفرق ويمزق، لأن الحق واحد، والأهواء بعدد رؤوس الناس.
وإن أكثر ما فرق الأمة الإسلامية إلى فرق وطوائف شتى في القديم والحديث هو اتباع هوى النفس أو أهواء الغير، ولهذا أطلق (أهل السنة) على الفرق التي حادت عن (الصراط المستقيم) هذا العنوان المعبر (أهل الأهواء) فكثيرًا ما كان الخلاف غير جذري، أو غير حقيقي، ولكن الذي ضخمه وخلده هو الهوى، نسأل الله السلامة
لاشك ان الظن الحسن مندوب إليه لقوله تعالى: )ولولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين( سورة النورآية )16(. بينما الظن المأمور بالاجتناب عنه هو ظن السوء وذلك احتياطا لتوقي الوقوع في الإثم، فيدخل دائرة سوء الظن المحرم، ذلك الظن الذي يتجسد في السلوك العملي لصاحبه، أما الظن بما هو من تداعي الخواطر ومداعبة الاحاسيس وتفاعل الإدراكات النفسية فهو شيء لا سلطان عليه لأنه يفاجىء النفس البشرية بلا إرادة.
وهذا خارج عن دائرة التحريم الا اذا كانت بعض مقدماته خاضعة لإرادتنا واختيارنا.
لهذا لا يجوز اصدار الاحكام القطعية على الآخرين انطلاقا من الظن او ظن السوء الذي قد يكون بعيدا تمام البعد عن ساحة الواقع لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: )إذا ظننت فلا تحقق( ولقول علي رضي الله عنه: )ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن(. ومما تقدم يتبين انه لا يصح ان يكون الظن اساسا للحكم على الآخرين،
كما لا يصح ان يكون اساسا للتحقيق معهم، ولاسيما في الحالات التي لا يستند فيها الظن الى أي دليل صحيح أو موثوق.اذ أن ظاهر الظن عدم التحريم ما لم يترتب عليه أثر، ولرسم حدود الظن المحرم وموارده ينبغي ألا يطول سوء الظن أياً من هؤلاء:
1 ـ سوء الظن بالمسلم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: )ان الله حرم من المسلم دمّه.. وان يظن به ظن السوء(.رواه مسلم
2 ـ سوء الظن بمن ظاهره الخير والاحسان وعدم الخيانة.
بل الواجب )أن نضع أمر اخواننا او زملائنا على احسنه حتى يأتينا ما يغلبنا منه وألا نظن بكلمة خرجت من أخينا سوءاً ونحن نجد في الخير لها محملا( العقد الفريد: ج 6 ص 268
ففي الحديث : " إنّما الأعمال بالنيات، وإنّما لكل امرئ ما نوى " متفق عليه . والنية من أعمال القلوب؛ لا يطلع عليها إلا علام الغيوب، لذلك لا يستطيع العباد أن يحكموا على نيات العباد، إنما يأخذون بظاهر الأعمال، ويكلون النيات إلى الله .
وتأسيسا على هذا المعنى حثًّنا الإسلام على حسن الظنّ ، إن حسن الظن عبادةٌ من العبادات، كما أن سوء الظنّ معصية من معاصي الله تعالي؛ قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظنِّ * إن بعض الظـــن إثم ) [ الحجرات : 12 ]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث " متفق عليه ، أي احذروا اتباع الظن، واحذروا سوء الظن، فإنه أكذب الحديث؛ لأنه يكون بإلقاء الشيطان في نفس الإنسان . فإذا اتضح لنا أن النية خفية لأن محلها القلب .
وإن حسن الظن مطلوب، وسوء الظن ممنوع، تبين لنا عظم ذنب من يتهم احد الناس في نيته ودينه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك " رواه البخاري .
وكذلك علّمنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أن ندافع عن المظلوم ونرد علىمن قفه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ردّ عن عرض أخيه ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة " رواه أحمد والترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم : " ... ومن رمى مُسلماً بشيء يريد شَيْنَه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال " رواه احمد وأبو داود، أي : حتى يُنقّى من ذنبه بإرضاء خصمه، أو بشفاعةٍ، أو بتعذيبه بقدر ذنبه .
الاتحاد
15-12-2002, 09:15 PM
إن الكلمة أمانة أمام الله ثم أمام الخلق، وقد حذرنا الإسلام من القول بغير علم؛ قال سبحانه : " ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كلٌّ أولئك كان عنه مسئولاً " [ الإسراء : 26 ] ، ومعنى الآية – كما ذكره المفسّرون - : لا تقلْ رأيتُ ولم ترَ، ولا سمعتُ ولم تسمع، ولا ترمِ أحداً بما ليس لك به علمٌ يقين .
فإذا كان عامة المسلمين مطالبين بهذا التثبت، فمن باب أولى أن يطالب به الذين مسئوليتهم مضاعفة لأنهم يبلغون دين الله، ولأن أثرهم في المجتمع عظيم . فيجب ان لايقف على حد السماع فقط
. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " بئس مطية الرجل : زعموا " رواه أحمد وأبو داود، أي : أسْوأ عادة للرجل أن يتّخذ لفظ " زعموا " مركباً إلى مقاصده، فيخبر عن أمرٍ تقليداً من غير تثبت، فيخطئ، ويُجرِّب عليه الكذب. والمقصود – كما قال العلماء - : أن إخبار الرجل بخبر مبناه على الشكّ والتخمين دون الجزم واليقين قبيح، بل ينبغي أن يكون لخبره سند وثبوت، ويكون على ثقة من ذلك، لا لمجرد حكاية على ظن. بل إن الأمر أبعد من ذلك؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكلّ ما سمع " . رواه مسلم . وهذا الذى جعل اكثر القضاه فى النار وقاضى واحد فى الجنة
. وهكذا ، إذا ربينا أنفسنا، على هذه المعاني الإسلامية السامية انطفأت نيران سوء الظن وانشغل قضاةً البشر،والذين نصبوا انفسهم أوصياء على رحمة الله يصنفونهم إلى مرحوم وغير مرحوم ، بناءً على مقدار علمهم واجتهادهم، وفي حدود إنسانيتهم التي لا تصفو من شوائب الجهل والهوى. وقد قال ربُّ العباد سبحانه وتعالى لأكرم خلقه عليه الصلاة والسلام : ( فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب * ) [ الرعد : 40 ] ، وقال له : ( ما عليك من حسابهم من شيء ) [الأنعام : 52 ] .
نعم لقد اهتم الإسلام بأعمال الجوارح الظاهرة، اهتماماً بالغاً وجعلها أركاناً للإسلام، واهتم كذلك بأعمال القلوب وآداب النفوس، وتزكيتها : قال تعالى : ( ونفسٍ وما سوَّاها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكَّاها * وقد خاب من دسَّاها * ) [ سورة الشمس : 7 – 10 ] . أما صورة العبادة الظاهرة إذا كانت خالية من روحها ومعناها، فلا قيمة لها، كما أشار الحديث الشريف : " رُبَّ صائم حظّه من صيامه الجوع والعطش، وربَّ قائمٍ حظّه من قيامه السهر " رواه أبن خزيمة والحاكم. ولهذا كانت " تزكية النفس " من أهم المهمات التي اعتنى بها الإسلام .
إن الإسلام يظّل دعوى باللسان ما لم يطبّق في الواقع، وإن إقامة الشعائر هي المرحلة الأولى لظهور أثرها في النفس، والأخلاق، والمجتمع . وقد جاء في الحديث الشريف : " من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخاري، ومن الحكم الدائرة على ألسنة الناس : الدين المعاملة .
ويجب علينا لااظهار هذه الروح الرفّق في الأمر كلّه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه " رواه مسلم، وقال : " إن الله رفيق يحبٌّ الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف، ومالا يُعطي على ما سواه" رواه مسلم ، وفي حديث آخر : " ... من يُحْرَم الرفق يُحرم الخير كلّه " رواه مسلم .
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث بعض أصحابه في بعض أمره قال : " بشروا ولا تنفّروا، ويسّروا ولا تعسّروا " متفق عليه ،
كما يجب علينا ايضا التبين والتثبُّت فيما يُنمَى إلينا من الأخبار؛ فأنا قد أسمع عن شخص أنه قال قولاً، أو عمل عملاً لا أرضاه، فلا أنتقده، ولا أنكر عليه قبل أن أستوثق تماماً من صحة النقل، واسباب المقال ومناسبته وظروفه المكانية والزمنية والاشخاص الذين كانوا فى هذا المكان وأحاول أن أذهب إليه – إن استطعت – لأسأله وأستفهم منه، وكم من مرّةٍ فعلت هذا، فتبين لي – بعد الاستيثاق – غير ما نقل إليّ عنه. وقد يكون النقل في بعض الأحيان صحيحاً، ولكن النظر في الخبر بتعمق وملاحظة مناسبته ولهجته يدلُّ على غير المعنى الذي استنبطه الناقل .
لابد ان نربى جميعا على أن رأينا – في الأمور الخلافية – يحتمل الخطأ وإن كنّا نراه صواباً، وأن الحقّ ليس وقفاً على أحدٍ منا؛ كما قال احد السلف - : " هذا الذي نحن فيه رأي، لا نجبر أحداً عليه، ولا نقول : يجب على أحد قبوله بكراهة، فمن كان عنده شيء أحسن منه فليأت به " . وقد كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول : " لقد الفت هذه الكتب ولم آل فيها، ولابد أن يوجد فيها الخطأ؛ لأن الله تعالى يقول : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) [ النساء : 82 ] . فما وجدتم في كتبي هذه ممّا يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه " ذكر ذلك ابن شاكر في " مناقب الشافعي ونقله عنه السخاوي " . فعلينا أن نتأدّب مع من يخالفنا في الرأي، ولا نتسرع في تخطئتهم، وهذا من أهمّ أركان " فقه الخلاف وآدابه " . وعلينا ألا نطيل ألسنتنا فيمن نخالفهم حتى لا نفجُر في الخصومة، فتكون فينا بعض صفات المنافقين الذين إذا " خاصموا فجروا " ، كما ورد في الحديث : " أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا أؤتُمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " متفق عليه.
ويروى أن الأمام الشافعي – رحمه الله – قال : " ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطى " .
إن الحوار بقصد الوصول إلى الحقيقة والتفاهم يورث الودّ، واختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية .
فقد أمرنا ربُّنا سبحانه أن نكون عادلين في أحكامنا ولو مع الذين نكرهم؛ قال الله تعالى : ( ولا يجرمنَّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى * ) [المائدة:8]
قوله عليه الصلاة والسلام : " ملعون من ضارَّ مؤمناً أو مكر به " ، وقوله : " من ضارّ مؤمناً ضارَّ اللهُ به " أخرجهما الترمذي بسند صحيح ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " رواه البخاري ومسلم، وكثيراً ما كنت أردد قول الشاعر العربي :
وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة على النفس من وقع الحسام المهنَّدِ
ثم إني عقدت العزم على أن أفوض أمري إلى الله حين أشعر بظلم وقع علي، وأستغفره دائماً، وأحتسب أجري عنده. عند ذلك تهدأ نفسي، ويرتاح قلبي، والحمد لله على فضله .
وأخيراً فإني أذكّر نفسي وإخواني أنه لا يسلم من ألسنة الناس أحد؛ والأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام لم يسلموا من أذى أقوامهم بالأيدي والألسنة، ونحن مأمورون أن نقتدي بهم، وأن نصير ونحتسب الأجر عند الله، قال تعالى : ( ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور ) [الشورى : 43] ، وقال ( والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين ) [ آل عمران : 134 ].