PDA

View Full Version : لغز استسلام طارق عزيز!! (منقول)


®Lumina ss 2002
05-05-2003, 11:10 AM
في العام 1980 كان طارق عزيز يشق طريقه وسط جموع حاشدة من طلاب جامعة المستنصرية في بغداد.. وبدون سابق إنذار فوجئ عزيز بشخص يطلق الرصاص في مواجهته في محاولة استهدفت اغتياله.. بدا المشهد مروعا في تلك اللحظات.. وكاد الرجل يلقي حتفه غير أن المفاجأة كانت أن عزيز نفسه هو الذي شارك الحاضرين في ضبط من حاول اغتياله داخل صرح الجامعة.
كان هذا هو 'ميخائيل يوحنا' المولود في العام 1936 لأسرة كلدانية كاثوليكية بسيطة في بلدة 'تل كيف' قرب الموصل بشمال العراق.. والذي يعد المسيحي الوحيد في حكومة صدام حسين.. والذي رأي من واقع قراءته للخارطة السياسية والدينية في العراق أن تغيير اسمه إلي 'طارق عزيز' سوف يسهل من قبوله بشكل أفضل في مجتمع تهيمن عليه القبلية العشائرية.
جاء الخبر مفاجئا.. بل ومباغتا.. فبينما كان الليل قد أرخي سدوله فوق بغداد الحزينة.. وبينما كانت أنباء القبض علي 'محمد مهدي صالح' وزير التجارة، واستسلام زهير عبدالستار مدير الاستخبارات العسكرية العراقية محط اهتمام كافة الدوائر السياسية خارج العراق.. بعد أن طالت العمليات من يمكن وصفهم برجال الصف الأول.. جاء 'سقوط طارق عزيز' نائب رئيس الوزراء.. والرجل الحديدي في نظام صدام.. بمثابة الصاعقة.. فوقوع الرجل بكل ما يحمله بين أيدي القوات الأمريكية هو 'مفاجأة'.. ولكن من العيار الثقيل جدا.
وبقدر أهمية المسئول العراقي الكبير الذي يعد بالفعل 'صيدا ثمينا' بأيدي القوات الأمريكية.. بقدر ما تحول لدي الدوائر السياسية والإعلامية إلي 'مادة دسمة' يدور من حولها النقاش والحوار.. وتتباين بشأنه الرؤي والتحليلات.. وتتجاذب المنتديات أطراف الحديث حول ما يمثله الرجل بالنسبة لنظام كان إلي وقت قريب المتحدث الأول باسمه.. والمعبر عن توجهاته.. والمترجم لأطروحاته.
ھھھ
وبقدر انشغال الدوائر السياسية والإعلامية بشخصيته ودوره وأهميته.. بقدر ما كان الرجل موضع اهتمام في الدوائر الدبلوماسية، ومقار وزارات الخارجية، ومؤسسات الحكم العالمية.. فقد كان طارق عزيز أكثر الوجوه العراقية ألفة علي المسرح السياسي الدولي.. وكان بحكم سفرياته وتنقلاته المتعددة صاحب كم وافر من العلاقات المتشعبة مع العديد من القادة والمسئولين الدوليين.. ووصف في الكثير من الدوائر بكونه رجل المهام الصعبة.. فقد كان أول مسئول عراقي يزور ايران في شهر سبتمبر من العام 1990 بعد حرب وقطيعة استمرت عشر سنوات بين البلدين الجارين.. وكان كذلك المفاوض الرئيسي مع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر في الاجتماع الحاسم الذي شهدته مدينة جنيف في يناير ..1991 وهو الاجتماع الذي لم يمنع العدوان الذي شنته واشنطن وحليفاتها علي بغداد في السابع عشر من يناير عام 1991 فيما سمي بحرب الخليج الثانية.
وبالنظر لعلاقته التاريخية والممتدة مع الرئيس العراقي صدام حسين.. خاصة أنه عضو في مجلس قيادة الثورة أعلي هيئة في النظام منذ العام ..1977 بالاضافة إلي بداياته المبكرة في مرافقة صدام حسين في حزب البعث منذ نهاية الخمسينيات.. فقد أصبح في نظر الكثيرين بمثابة 'الرسول الوفي' للرئيس العراقي.
ھھھ
حين حدث 'الاجتياح الكبير' لبغداد.. ودخلت القوات الأمريكية العاصمة العراقية في التاسع من ابريل دون مقاومة.. وحين بدأ اللصوص والمساجين والمأجورون ينفذون المخطط الأمريكي بنهب وسلب بغداد.. كان منزل طارق عزيز من أول المنازل التي تمت مداهمتها.. حيث نقلت المحطات الفضائية ووكالات الأنباء صورا من داخل منزل المسئول العراقي الكبير كشفت عن جوانب من حياته الخاصة.. وكان من بين ما شوهد تمثال للسيدة العذراء ومجموعة من المجلات الأمريكية وكتب لأعدائه القدامي مثل جورج بوش 'الأب' وهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق.. وغيرهما.
وقد لفت ذلك نظر بعض المحللين الذين رأوا في طارق عزيز وبرغم مواقفه البعثية المتشددة ميلا واضحا نحو الثقافة الغربية.. خاصة أنه من المشهود لهم بالثقافة والكفاءة الدبلوماسية .. وكذلك اجادته المطلقة للغة الانجليزية.
ومع بدايات الحرب علي العراق في العشرين من مارس الماضي.. كان طارق عزيز هو المسئول الوحيد الذي أثيرت من حوله الشائعات.. حيث نقلت وكالات الأنباء العالمية.. نقلا عن مصادر أمريكية أن نائب رئيس الوزراء العراقي هرب إلي منطقة 'كردستان' بشمال العراق بعد أن انشق علي القيادة العراقية.. وقرر الفرار بجلده من مصير محتوم.. وما أن بدأت وسائل الاعلام تتناقل الخبر وتبثه عبر الفضاء إلي كافة أنحاء الدنيا.. حتي كان طارق عزيز يظهر بنفسه علي الشاشات في مؤتمر صحفي عقده خصيصا لتكذيب تلك 'الفرية' التي أدرك أهدافها في هذا الوقت المبكر من بداية الحرب.
جاءت كلمات طارق عزيز في المؤتمر الصحفي قاطعة.. ومنتقاة بعناية.. وتؤرخ لما بعد الحرب.. فبعد أن نفي الاكذوبة الأمريكية.. قال بلغة محددة 'انني أفضل الموت والقتال حتي آخر طلقة علي أن أذهب إلي معتقل جوانتانامو كأسير حرب أمريكي'.
كانت تلك هي كلماته المسجلة في كل الفضائيات.. والتي يذهب كل من يعرفون طارق عزيز إلي أنه يقصد معانيها ومراميها.. ويدرك أهدافها ومقاصدها.. فكلماته باختصار تعني أنه يفضل 'الموت علي الأسر'.. إذن ما الذي حدث؟!.
ھھھ
بين بدايات الحرب في العشرين من مارس.. ودخول القوات الأمريكية لبغداد بعد عشرين يوما من بدء المعارك.. كان طارق عزيز واحدا من أبرز الشخصيات التي شوهدت لأكثر من مرة تشارك في الاجتماعات الخاصة للرئيس العراقي محدودة العدد التي كان يبثها التليفزيون العراقي قبل توقفه.. وتنقلها عنه فضائيات الدنيا.. وقبيل سقوط بغداد بأيام كان عزيز يتحدث للصحفيين مؤكدا لهم أنه كان بصحبة الرئيس صدام في اليوم السابق.. ومشيرا إلي أنه بصحة جيدة.
ووفقا للمعايير السابقة.. فنحن أمام رجل أعلن بشكل قاطع أنه لن يستسلم.. وأعلن بشكل جازم 'أيضا' أنه يفضل الموت والقتال حتي آخر طلقة.. ونحن كذلك أمام شخصية نافذة ووثيقة الصلة بصاحب القرار الأول في العراق 'صدام حسين'.
إذن نكرر السؤال ما الذي حدث لكي يبادر طارق عزيز بتسليم نفسه للقوات الأمريكية؟!. وقبل أن نبحث في الدوافع والأسباب والاحتمالات يبدو من المهم التوقف عند المشهد ذاته أولا.. مشهد الاستسلام الذي تم بين مساء الخميس وفجر الجمعة.
في البداية تضاربت الأنباء والأقوال.. حول إذا ما كان نائب رئيس الوزراء العراقي قد استسلم.. أم أن عملية مداهمة قد فاجأته فسقط في أيدي القوات الأمريكية.. وقد بدا واضحا أن الأمريكيين الذين قالوا إن طارق عزيز هو في قبضة القوات الأمريكية قد حرصوا علي إبلاغ محطة 'سي. إن. إن' أن عزيز 'ألمح' بنيته في الاستسلام.. وبالتالي تمت العملية في وقت متأخر من مساء الخميس.
وحين سئل الرئيس بوش عن رأيه في وقوع هذا الصيد الثمين في يد القوات الأمريكية لم يعلق بشيء، واكتفي فقط بالاعراب عن سعادته لما حدث عبر ابتسامة عريضة رسمها علي وجهه.
ھھھ
وبقراءة المشهد برمته يبقي احتمال 'التسليم' في إطار صفقة هو الأقرب إلي الواقع.. ولعل إعادة قراءة تصريحات المسئولين الأمريكيين لمحطة ال 'سي. إن . إن' والتي اشاروا فيها إلي أن عزيز 'ألمح' بنيته في الاستسلام تؤكد هذا الاحتمال.. فتعبير 'ألمح' يعني أن هناك مفاوضات قد جرت عبر 'وسطاء' وأن هذه المفاوضات قد بلغت مداها بالاتفاق علي رغبة الاستسلام.. مقرونة بما كان 'محلا للتفاوض' عليه.
وهنا يبقي التساؤل: علام يتم التفاوض؟ وماذا يملك طارق عزيز في جعبته حتي يكون محلا للتفاوض عليه.. خاصة بعد احتلال بغداد.. وانهيار النظام العراقي.. وتواري صدام حسين عن الأنظار؟.
الإجابة عن هذا التساؤل تقتضي الوقوف عند احتمالين لا ثالث لهما:
الاحتمال الأول: هو أن نائب رئيس الوزراء العراقي، قد يكون وصل إلي قناعة بأن نظام الرئيس صدام قد انتهي، وأن عودته للسلطة باتت هي المستحيل بعينه.. وأن الرهان عليه بات كمن يسبح في الهواء.. وأن عملية تضييق الخناق علي القادة المختفين _وهو من بينهم_ تتزايد ساعة بعد ساعة.. وأن احتمالات القبض عليه واردة مهما طالت أيام 'فراره'.. خاصة بعد أن أغلقت الدول المجاورة 'سوريا إيران الأردن' حدودها مع العراق.. وأبدت استعدادها إما لتسليم الفارين أو منعهم من اجتياز حدودها كما هو حال 'سوريا والأردن' وإما القبض عليهم ومحاكمتهم علي موقفهم خلال الحرب العراقية الإيرانية كما هو حال 'إيران'.
وفي ضوء الظروف الحالية في العراق.. فقد يكون هذا الاحتمال 'صحيحا' .. غير أن نظرة فاحصة لتداعياته تدفع به نحو الضعف.. فقد يكون نائب رئيس الوزراء العراقي '67 عاما' اصيب ببعض 'الوهن' جراء ما حاق ببلده ووطنه.. وقد تكون انتابته لحظات من اليأس.. لكن مثل هذه المشاعر الإنسانية لا تدفع به وهو الذي ترعرع في كنف أوضاع سياسية مضطربة، وخطرة.. وخاض كفاحا حزبيا وسياسيا منذ نعومة أظافره.. ولعب دورا سياسيا واعلاميا مباشرا خلال اكثر من ثلاثين عاما.. وعاصر الحروب العراقية المتكررة.. وعايش الحصار الجائر الذي تعرضت له بلاده علي مدار 13 عاما_ لا تدفع به إلي الاستسلام لعدو يدرك أنه لن يرحمه، حتي ولو منحه من الضمانات ما يكفي.. ولا نعتقد أنه في حالة مثل حالة طارق عزيز المعروف بمواقفه المتشددة يمكن أن يفضل الرجل شراء أمنه الشخصي علي حساب من يعتبرهم رفاق دربه، أمثال صدام حسين وطه يس رمضان وغيرهما من قيادات الصف الأول.
ومن هنا.. فإذا كان مثل هذا الاحتمال 'ضعيفا' فإن صفقة تفاوضية أجراها طارق عزيز للإرشاد عن المخبأ المتوقع لصدام حسين وبقية القادة العراقيين.. أو تقديم معلومات يمكن أن تقود إلي القبض عليهم تصبح أمرا غير واقعي أو منطقي.
ھھھ
الاحتمال الثاني: هو أن تكون عملية التسليم، أو الاستسلام بمثابة صفقة.. ولكنها صفقة من نوع آخر.. فهي ليست صفقة لضمان الأمن الشخصي لطارق عزيز.. ولكنها صفقة تفاوضية، يمثل فيها عزيز القيادة العراقية المختفية عن الأنظار، والتي تتساقط رموزها يوما بعد يوم، سواء بالاستسلام أو الاعتقال..
ومن هنا يبرز تساؤل آخر حول ماهية تلك الصفقة إذا وجدت؟ ثم لماذا تم اختيار طارق عزيز بالذات ليلعب مثل هذا الدور؟ ثم ماذا عن دور صدام حسين في تلك الصفقة لو كان الكلام عنها صحيحا؟
وقبيل الإجابة عن تلك التساؤلات ينبغي الإشارة إلي أن أكثر من رواية نقلت مؤخرا علي لسان مسئولين أمريكيين، وبريطانيين، وعناصر من العملاء العراقيين الذين يطلقون علي أنفسهم 'معارضة' أوضحت أن الرئيس العراقي صدام حسين لايزال حيا، وأنه بدأ يخرج من مخبئه ويعقد اجتماعات مع بعض كبار القادة العراقيين.. وأنه شوهد بصحبة ولديه 'عدي' و'قصي' يتجولون في عدة مناطق.. سواء داخل بغداد، أو خارجها.
أما عن ماهية الصفقة التي من المتوقع أن تكون محلا لمفاوضات يجريها طارق عزيز مع الأمريكيين فتدور حول الوضع الراهن الذي آلت إليه الأمور في العراق بعد انهيار حكم صدام.
أولا: فمن جهة بدأ دور المرجعية الشيعية يفرض نفسه بقوة علي الساحة السياسية في العراق، مستغلة في ذلك أن الشيعة يشكلون الأغلبية الساحقة من سكان العراق (62 % ) وهذا يعني أن أية انتخابات ديمقراطية مقبلة في العراق.. سوف يكتسحها الشيعة فيما لو جرت بنزاهة.. الأمر الذي سيدفع بالشيعة إلي سدة السلطة والهيمنة علي أية حكومة مقبلة.
أما إذا اختارت واشنطن تنصيب عملائها دون اختيار ديمقراطي.. وبقرار خاص من خلال اختيار بعض الوجوه الموثوق فيها أمريكيا.. فإن مثل هذه الحكومة إذا ما تشكلت فسوف تتعرض لمشاكل ومتاعب لا قبل للأمريكان بتحملها.. ولعل استعراض واقعتين فقط من جملة الأحداث التي شهدها العراق في الآونة الأخيرة يؤكد صحة هذا الاتجاه:
فحين اعتقلت القوات الأمريكية الشيخ محمد الفرطوسي مدير مكتب الامام الراحل محمد الصدر ثار أنصاره من الشيعة ونظموا مظاهرات صاخبة في بغداد.. هددوا فيها بالتصعيد ضد القوات الأمريكية إذا لم تبادر بإطلاق سراحه.. وهو ما أرغم القوات الأمريكية علي الاستجابة بالافراج عنه وعن أتباعه من مشايخ الشيعة.
والأمر الآخر يتعلق باستعراض القوة الذي أبداه الشيعة من دعوة أنصارهم للاحتشاد في مدينة كربلاء بمناسبة الذكري الأربعينية علي بداية يوم استشهاد سيدنا الحسين بن علي 'رضي الله عنه وأرضاه' والتي تقام سنويا.. ولكن في أجواء مغايرة.. حيث اختار الشيعة رحيل نظام صدام وتواجد القوات الأمريكية مناسبة استعراضية أفضت إلي احتشاد قرابة الخمسة ملايين مواطن جاءوا سيرا علي الأقدام من كافة أنحاء العراق.. حيث تجلت رؤيتهم السياسية فيما رفعوه من هتافات وطرحوه من شعارات تندد بالوجود والاحتلال الأمريكي للعراق.. وتعهدهم بمقاومته إذا لم يغادر أرضهم.
ھھھ
مثل هذين الموقفين.. تتعاظم خطورتهما عند الحديث عن الدور الإيراني الداعم للشيعة في العراق، حيث تنطلق الكتلة الرئيسية للمعارضة العراقية والتي يقودها محمد باقر الحكيم رئيس ما يسمي بالمجلس الأعلي للثورة الإسلامية في العراق من إيران، والتي تتخذ منها مقرا وموئلا بعد أن وفرت المال والسلاح لما يسمي 'بفيلق بدر' الذي يشكل الجناح العسكري لتنظيم الحكيم 'الشيعي'.
ولا جدال في أن واشنطن التي تعتبر الامتداد الإيراني مع شيعة العراق يشكل خطرا علي مصالحها، وهو ما تجسد في التحذيرات التي يوجهها بوش وأركان إدارته إلي ايران من مغبة تدخلها في الشأن العراقي قد رأت أن اشكالية 'إيران الشيعة' تحتاج إلي معالجة من نوع جديد.. ويبدو أن مثل هذا 'الخطر الحال' علي وجودها ومصالحها في العراق قد أسقطته من حساباتها وهي بصدد تنسيق حملتها للتخلص من صدام.. أو في أضعف الأحوال أهملت مخاطره المستقبلية علي وجودها في العراق.. وهو الأمر الذي يبدو أنها بدأت تستوعبه وتستعد له باتفاقها الأخير مع حركة 'مجاهدي خلق' الإيرانية المعارضة، والتي كانت تحظي بدعم واضح من نظام الرئيس العراقي صدام حسين.. حيث تركت لها القوات الأمريكية بمقتضي الاتفاق الحق في الاحتفاظ بمعداتها العسكرية.. وهو ما يعني أحقيتها في مواصلة عملياتها العسكرية الموجهة ضد السلطات الإيرانية.
في ضوء كل ذلك.. قد تبدو الحاجة ماسة لدي القوات الأمريكية لكي تستفيد من بعض أو كل أركان نظام صدام لمواجهة اشكالية 'الشيعة' الذين يسببون قلقا متصاعدا لها.. خاصة أن لدي صدام وأركان إدارته تراثا قديما، وخبرة واسعة في التعامل مع هذه الاشكالية.
ھھھ
ثانيا: لقد أثبتت مجريات الأحداث التي تلت اجتياح القوات الأمريكية لبغداد والعراق أن من يسمون بالمعارضة العراقية يفتقدون لأي تأييد أو غطاء شعبي.. حيث عبر المواطنون العراقيون، وكذلك القوي السياسية والشعبية العراقية في الداخل عن رفضهم لتلك الشخصيات التي تسعي الادارة الأمريكية لفرضها عليهم.. الأمر الذي دفع بالحاكم الاستعماري الأمريكي للعراق 'جاي جارنر' إلي الاعلان صراحة عن عدم وجود أي دور قيادي سيوكل إلي 'أحمد الجلبي' لص البنوك الذي جاء في حماية القوات الأمريكية ليحكم العراق بعد أن قضي جل حياته في الخارج، وعاش تحت حماية الجنسية الأمريكية التي حصل عليها.. وكذلك إعلانه عدم تعيين إدارة مدنية لبغداد.. وهو ما يعني اسقاط محمد محسن الزبيدي 'العميل المعارض' الذي حاول تنصيب نفسه بنفسه حاكما لبغداد.. وبعيدا عن الأكراد الذين يحتفظون بوضعيتهم الخاصة في مناطق شمال العراق.. فإن بقية مناطق العراق لا يحظي فيها من يسمون أنفسهم 'معارضة عراقية' بتأييد يذكر.
إذن.. والحال كذلك.. فإن الادارة الأمريكية التي وجدت نفسها في مأزق.. بين معارضة شيعية كاسحة.. وأغلبية مؤكدة لها.. وبين رفض شعبي عارم لأدواتها من العملاء المعارضين.. أصبحت في حاجة لإعادة حساباتها السياسية.. وبما يحقق مصالحها من جهة.. ويضمن لها عدم وقوع العراق في قبضة الشيعة الذين يشكلون امتدادا لإيران.. والتي تعد إحدي دول محور الشر وفقا للتصنيف الأمريكي.. وأصبحت تشكل الخطر الأول والأكبر علي المصالح الأمريكية في منطقة الخليج.. ومن هنا تصبح قضية البحث عن مخرج من تلك المآزق المتعددة مطلبا أمريكيا ملحا.. ويبدو أن الأمريكان وجدوا عند 'طارق عزيز' مخرجا من عقدتهم المستحكمة..
ومن هنا يبقي السؤال.. لماذا طارق عزيز؟
ھھھ
طارق عزيز في نظر الكثيرين يحتفظ بجملة من المؤهلات التي قد لا تتوافر لغيره من المسئولين العراقيين من أركان حكم صدام.. فهو بالاضافة لإجادته الانجليزية التي تجعله أهلا لمفاوضات مباشرة مع الأمريكان.. يوصف بأنه سياسي ودبلوماسي بارع، خاصة أنه سبق أن تولي منصبي وزير الاعلام (1974) ووزير الخارجية بدايات حرب الخليج الأولي في بداية الثمانينيات.. هذا بالنسبة لشخص طارق عزيز.. أما بالنسبة لماهية القضايا محل التفاوض.. فهناك احتمالان يبرزان في هذا المجال:
الأول: هو أن يكون التفاوض بهدف إيجاد 'ممر آمن' يسمح بعبور الرئيس العراقي صدام حسين وأركان قيادته المطلوبين من مواقعهم إلي مواقع أخري 'آمنة' وفقا لحسابات واتفاقات سوف تكون محور هذا التفاوض 'المرجح' والذي سيلعب فيه طارق عزيز دور 'ممثل النظام'.
الثاني: هو أن يكون التفاوض بهدف إيجاد آلية سياسية تعيد التوازن للوضع السياسي المقلوب في العراق.. وهي آلية قد تقبل الولايات المتحدة ببعض أسسها في ضوء التعقيدات الداخلية التي يشهدها الواقع العراقي.. خاصة أن حزب البعث وبالرغم من كل التحفظات التي تبديها واشنطن بشأنه يشكل معادلة مهمة في الواقع السياسي العراقي يصعب تجاوزها بسهولة أو القفز عليها دون تحمل تبعاتها.. حيث يشكل التواجد المكثف لعناصر الحزب في الواقع السياسي إحدي الاشكاليات التي قد تلجأ الادارة الأمريكية للتعامل معها مرغمة تماما كما استعانت ببعض رجال الشرطة السابقين لدي تعرضها لمأزق 'الفوضي' الذي عاشته بغداد بعد سقوطها.
وهنا يبقي من المهم الإشارة إلي التصريحات التي أدلي بها فلاديمير جيرينوفسكي نائب رئيس البرلمان الروسي 'الدوما' والتي نشرتها الزميلة 'الوفد' الخميس الماضي، والتي ذكر فيها أن الرئيس العراقي صدام حسين موجود في العراق وسيعود للحكم بعد عام.. وقال في مؤتمر صحفي عقده في باريس: إن الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي الذي يرأسه لديه معلومات تؤكد ذلك.. وقال إن كبار القادة العراقيين سيبقون مع صدام داخل مخبئه السري في العراق لمدة عام.. بعده ستوافق أمريكا علي عودة صدام للحكم في دولة فيدرالية يتمتع فيها الأكراد بحقوق واسعة.. مشيرا إلي أن الولايات المتحدة ستوافق علي عودته خوفا من قيام دولة إسلامية أخري في المنطقة.
ھھھ
أما عن صدام حسين ومستقبله ودوره في مثل هذه الصفقة التفاوضية إذا ما كانت صحيحة فإن الأمر المؤكد أن أي اتفاق، أو تفاوض مع الأمريكان سوف يضع علي رأس اهتماماته استبعاد صدام حسين، وانتهاء دوره السياسي.. وأن غاية ما يمكن تصوره في هذا المجال هو 'حياة آمنة' أو 'محاكمة شكلية' تدفعه بعيدا عن الواقع السياسي العراقي.. أما غيره من القادة العراقيين.. فقد تقتضي طبيعة الأوضاع السياسية المعقدة في العراق أن يلعب أحدهم، أو بعضهم، دورا ما في المقبل من الأيام.. أما عن طبيعة هذا الدور.. ومدي القبول به.. وحدوده.. وآلياته.. وكيفية إخراجه.. وما إذا كان ممكنا أو غير ممكن.. فكل تلك الأمور تبدو الاجابة عليها 'رجما بالغيب' أو 'قراءة للطالع'.. وهي أمور لا نملك آلياتها.. ولا حتي مفاتيحها.. فقط نحن نقرأ الأحداث بطريقتنا.. وقد تصيب.. وقد تخطئ.
أما الذي لا نخطئ قراءته.. فهو أن مثل هذا التصور لو كان صحيحا فإن أصحابه سوف يخسرون كل ما تبقي لهم.. وهي خسارة سوف تكون إذا ما حدثت 'بالغة الفداحة' علي أصحابها.

mustafa Bekhit
06-05-2003, 11:53 PM
وشكرآ على النقل

وحسبى الله ونعم الوكيل