محب الشيخ العثيمين
15-04-2004, 08:25 PM
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد ،
فقد ذكر أهل العلم أن المنهيات يعذر فيها بالجهل ... بخلاف المأمورات فلا يعذر فيها المسلم بجهله ..
وممن ذكروا تلك القاعدة :
الإمام الصنعاني والإمام ابن دقيق العيد رحمهما الله ,
... وكذلك ذكرها الشيخ عبدالله البسام ... و الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى ورفع درجته في المهديين .
****
وهذا الموضوع يتكون من شقين :
أولا : هل يعذر بالجهل في المأمورات ؟؟
الجواب :
المأمورات لا يعذر فيها المسلم بجهله
ويدل على ذلك
1 حديث :
" من نسك قبل الصلاة فلا نسك له " متفق عليه ، أي : من ذبح ذبيحته قبل صلاة العيد فلا تعد هذه الذبيحة أضحية ، إنما هي صدقة من الصدقات .
2 ويدل على ذلك أيضا : أمره صلى الله عليه وسلم للمسيئ صلاته بإعادتها ــ رغم تصريحه بأنه لا يحسن سواها ــ
3 ويدل عليها كذلك : أمره صلى الله عليه وسلم لمن صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة ،
******
ثانيا : هل يعذر بالجهل في المنهيات ؟؟
الجواب : نعم
ويدل على ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابي الذي تكلم في صلاته ( وهو معاوية بن الحكم السلمي ) .. لم يأمره بإعادة الصلاة ،
ولو تأملت يا أخي الحبيب في المفطرات ــ في كتاب الصوم ـــ ستجد أن تلك المفطرات يشترط لها أن يكون المسلم عالما بها غير جاهل ... ذاكرا غير ناسٍ ، مختارا غير مكره ,
وفي باب محظورات الإحرام ــ في كتاب الحج ــ ستجد أن تلك المحظورات يشترط لها نفس الشروط ,
.... وهكذا , في سائر أبواب العبادات ... ستجد أن المنهيات يعذر فيها بالجهل ، بخلاف المأمورات فلا يعذر فيها بالجهل ,
***
وفيما يلي نذكر الحديث المشار إليه ــ حديث معاوية بن الحكم ــ والذي جاء فيه أنه تكلم في صلاته وخاطب المأمومين ــ لجهله بالنهي عن الكلام في الصلاة ــ ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة... أحببت أن أنقله لكم كاملا ــ لما تضمنه من فوائد جمة ــ :
عن معاوية بن الحكم السلمي قال :
بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله !! فرماني القوم بأبصارهم .. فقلت وا ثكل أمياه ... ما شأنكم تنظرون إلي ؟؟! .. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم , فلما رأيتهم يصمتونني , لكني سكت ,
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه , فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ,
قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن , أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
.. قلت يا رسول الله , إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام , وإن منا رجالا يأتون الكهان . قال : فلا تأتهم . قال: ومنا رجال يتطيرون . قال : ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم ( قال ابن الصباح فلا يصدنكم )
قال : قلت ومنا رجال يخطون . قال : كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك .
قال : وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي قلت يا رسول الله أفلا أعتقها ؟؟ قال ائتني بها فأتيته بها , فقال لها : أين الله ؟؟ قالت في السماء , قال : من أنا ؟؟ قالت أنت رسول الله , قال : أعتقها فإنها مؤمنة "
قوله : ( واثكل أمياه )
الثكل بضم الثاء وإسكان الكاف وبفتحهما جميعا لغتان , كالبخل والبخل , حكاهما الجوهري وغيره , وهو فقدان المرأة ولدها , وامرأة ثكلى وثاكل , وثكلته أمه بكسر الكاف , وأثكله الله تعالى أمه .
وقوله : ( أمياه ) هو بكسر الميم .
قوله : ( فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم )
يعني فعلوا هذا ليسكتوه , وهذا محمول على أنه كان قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شيء في صلاته . وفيه دليل على جواز الفعل القليل في الصلاة , وأنه لا كراهة فيه إذا كان لحاجة .
قوله : ( فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه )
فيه : بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به , ورفقه بالجاهل , ورأفته بأمته , وشفقته عليهم .
وفيه التخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل , وحسن تعليمه واللطف به , وتقريب الصواب إلى فهمه .
قوله : ( فوالله ما كهرني )
أي ما انتهرني .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس , إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن )
فيه : تحريم الكلام في الصلاة , سواء كان لحاجة أو غيرها , وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها , فإن احتاج إلى تنبيه أو إذن لداخل ونحوه , سبح إن كان رجلا , وصفقت إن كانت امرأة , .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) فمعناه : هذا ونحوه , فإن التشهد والدعاء والتسليم من الصلاة وغير ذلك من الأذكار مشروع فيها , فمعناه : لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ومخاطباتهم , وإنما هي التسبيح وما في معناه من الذكر والدعاء وأشباههما مما ورد به الشرع .
وفيه : دليل على أن من حلف لا يتكلم , فسبح أو كبر أو قرأ القرآن لا يحنث , .
وفي هذا الحديث : النهي عن تشميت العاطس في الصلاة , وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتفسد به إذا أتى به عالما عامدا .
قال أصحابنا : إن قال : يرحمك الله بكاف الخطاب بطلت صلاته , وإن قال : يرحمه الله , أو اللهم ارحمه , أو رحم الله فلانا لم تبطل صلاته ; لأنه ليس بخطاب . وأما العاطس في الصلاة فيستحب له أن يحمد الله تعالى سرا , هذا مذهبنا , وبه قال مالك وغيره , وعن ابن عمر والنخعي وأحمد - رضي الله عنهم - أنه يجهر به , والأول أظهر ; لأنه ذكر , والسنة في الأذكار في الصلاة الإسرار إلا ما استثنى من القراءة في بعضها ونحوها .
قوله : ( إني حديث عهد بجاهلية )
قال العلماء : الجاهلية ما قبل ورود الشرع , سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم .
فقوله : ( إن منا رجالا يأتون الكهان قال : فلا تأتهم )
قال العلماء : إنما نهي عن إتيان الكاهن ; لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة ; فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك ; لأنهم يلبسون على الناس كثيرا من أمر الشرائع , وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون , وتحريم ما يعطون من الحلوان , وهو حرام بإجماع المسلمين ,
وقد نقل الإجماع في تحريمه جماعة منهم أبو محمد البغوي رحمهم الله تعالى . قال البغوي : اتفق أهل العلم على تحريم حلوان الكاهن , وهو ما أخذه المتكهن على كهانته , لأن فعل الكهانة باطل لا يجوز أخذ الأجرة عليه . وقال الماوردي - رحمه الله تعالى - في الأحكام السلطانية : ويمنع المحتسب الناس من التكسب بالكهانة واللهو , ويؤدب عليه الآخذ والمعطي , وقال الخطابي - رحمه الله تعالى - : حلوان الكاهن ما يأخذه المتكهن على كهانته , وهو محرم . وفعله باطل , قال : وحلوان العراف حرام أيضا , قال : والفرق بين العراف والكاهن , أن الكاهن إنما يتعاطى الأخبار عن الكوائن في المستقبل , ويدعي معرفة الأسرار , والعراف يتعاطى معرفة الشيء المسروق , ومكان الضالة ونحوهما ,
وقال الخطابي أيضا في حديث ( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم , قال : كان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرا من الأمور , منهم من يزعم أن له رئيا من الجن يلقي إليه الأخبار , ومنهم من يدعي استدراك ذلك بفهم أعطيه , ومنهم من يسمى : عرافا وهو الذي يزعم معرفة الأمور بمقدمات أسباب استدل بها , كمعرفة من سرق الشيء الفلاني , ومعرفة من يتهم به المرأة , ونحو ذلك , ومنهم من يسمي المنجم كاهنا , .. قال : والحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم , والرجوع إلى قولهم وتصديقهم فيما يدعونه . هذا كلام الخطابي وهو نفيس .
قوله : ( ومنا رجال يتطيرون قال : ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم )
, وفي رواية : ( فلا يصدنكم ) قال العلماء : معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة ولا عتب عليكم في ذلك , فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به , ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم , فهذا هو الذي تقدرون عليه , وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف , فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن العمل بالطيرة والامتناع من تصرفاتهم بسببها , وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في النهي عن التطير . والطيرة هي محمولة على العمل بها لا على ما يوجد في النفس من غير عمل على مقتضاه عندهم .
قوله : ( ومنا رجال يخطون قال : كان نبي من الأنبياء عليهم السلام يخط فمن وافق خطه فذاك )
اختلف العلماء في معناه , فالصحيح أن معناه : من وافقه خطه فهو مباح له , ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح , والمقصود : أنه حرام , لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة , وليس لنا يقين بها , وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : فمن وافق خطه فذاك , ولم يقل : هو حرام , بغير تعليق على الموافقة , لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط , فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حقنا . فالمعنى أن ذاك النبي لا منع في حقه , وكذا لو علمتم موافقته , ولكن لا علم لكم بها .
وقال الخطابي : هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط إذا كان علما لنبوة ذاك النبي , وقد انقطعت فنهينا عن تعاطي ذلك .
وقال القاضي عياض : المختار أن معناه أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته فيما يقول , لا أنه أباح ذلك لفاعله
قال : ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن .
قوله : ( وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية )
هي بفتح الجيم وتشديد الواو , وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء مشددة , هكذا ضبطناه ,.... والجوانية - بقرب أحد - موضع في شمالي المدينة , ....
وفيه : دليل على جواز استخدام السيد جاريته في الرعي وإن كانت تنفرد في المرعى , وإنما حرم الشرع مسافرة المرأة وحدها , لأن السفر مظنة الطمع فيها وانقطاع ناصرها والذاب عنها وبعدها منه , بخلاف الراعية , ومع هذا فإن خيف مفسدة من رعيها - لريبة فيها أو لفساد من يكون في الناحية التي ترعى فيها أو نحو ذلك - لم يسترعها , ولم تمكن الحرة ولا الأمة من الرعي حينئذ ; لأنه حينئذ يصير في معنى السفر الذي حرم الشرع على المرأة , فإن كان معها محرم أو نحوه ممن تأمن معه على نفسها ; فلا منع حينئذ . كما لا يمنع من المسافرة في هذا الحال . والله أعلم .
قوله : ( آسف )
أي أغضب ,, وهو بفتح السين .
قوله : ( صككتها )
أي لطمتها .
.......
[[ الحديث وشرحه من صحيح مسلم بشرح النووي بتصرف ]]
... وفي هذا الحديث دليل على علو الله تبارك وتعالى ، وأنه فوق العرش ، سبحانه وتعالى وعز وجل ... علما بأنني لم أذكر تعليق الإمام النووي على آخر الحديث لأن مذهبه في الصفات مخالف للمذهب الحق .. مذهب أهل السنة والجماعة .
... والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وبعد ،
فقد ذكر أهل العلم أن المنهيات يعذر فيها بالجهل ... بخلاف المأمورات فلا يعذر فيها المسلم بجهله ..
وممن ذكروا تلك القاعدة :
الإمام الصنعاني والإمام ابن دقيق العيد رحمهما الله ,
... وكذلك ذكرها الشيخ عبدالله البسام ... و الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى ورفع درجته في المهديين .
****
وهذا الموضوع يتكون من شقين :
أولا : هل يعذر بالجهل في المأمورات ؟؟
الجواب :
المأمورات لا يعذر فيها المسلم بجهله
ويدل على ذلك
1 حديث :
" من نسك قبل الصلاة فلا نسك له " متفق عليه ، أي : من ذبح ذبيحته قبل صلاة العيد فلا تعد هذه الذبيحة أضحية ، إنما هي صدقة من الصدقات .
2 ويدل على ذلك أيضا : أمره صلى الله عليه وسلم للمسيئ صلاته بإعادتها ــ رغم تصريحه بأنه لا يحسن سواها ــ
3 ويدل عليها كذلك : أمره صلى الله عليه وسلم لمن صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة ،
******
ثانيا : هل يعذر بالجهل في المنهيات ؟؟
الجواب : نعم
ويدل على ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابي الذي تكلم في صلاته ( وهو معاوية بن الحكم السلمي ) .. لم يأمره بإعادة الصلاة ،
ولو تأملت يا أخي الحبيب في المفطرات ــ في كتاب الصوم ـــ ستجد أن تلك المفطرات يشترط لها أن يكون المسلم عالما بها غير جاهل ... ذاكرا غير ناسٍ ، مختارا غير مكره ,
وفي باب محظورات الإحرام ــ في كتاب الحج ــ ستجد أن تلك المحظورات يشترط لها نفس الشروط ,
.... وهكذا , في سائر أبواب العبادات ... ستجد أن المنهيات يعذر فيها بالجهل ، بخلاف المأمورات فلا يعذر فيها بالجهل ,
***
وفيما يلي نذكر الحديث المشار إليه ــ حديث معاوية بن الحكم ــ والذي جاء فيه أنه تكلم في صلاته وخاطب المأمومين ــ لجهله بالنهي عن الكلام في الصلاة ــ ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة... أحببت أن أنقله لكم كاملا ــ لما تضمنه من فوائد جمة ــ :
عن معاوية بن الحكم السلمي قال :
بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله !! فرماني القوم بأبصارهم .. فقلت وا ثكل أمياه ... ما شأنكم تنظرون إلي ؟؟! .. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم , فلما رأيتهم يصمتونني , لكني سكت ,
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه , فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ,
قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن , أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
.. قلت يا رسول الله , إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام , وإن منا رجالا يأتون الكهان . قال : فلا تأتهم . قال: ومنا رجال يتطيرون . قال : ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم ( قال ابن الصباح فلا يصدنكم )
قال : قلت ومنا رجال يخطون . قال : كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك .
قال : وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي قلت يا رسول الله أفلا أعتقها ؟؟ قال ائتني بها فأتيته بها , فقال لها : أين الله ؟؟ قالت في السماء , قال : من أنا ؟؟ قالت أنت رسول الله , قال : أعتقها فإنها مؤمنة "
قوله : ( واثكل أمياه )
الثكل بضم الثاء وإسكان الكاف وبفتحهما جميعا لغتان , كالبخل والبخل , حكاهما الجوهري وغيره , وهو فقدان المرأة ولدها , وامرأة ثكلى وثاكل , وثكلته أمه بكسر الكاف , وأثكله الله تعالى أمه .
وقوله : ( أمياه ) هو بكسر الميم .
قوله : ( فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم )
يعني فعلوا هذا ليسكتوه , وهذا محمول على أنه كان قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شيء في صلاته . وفيه دليل على جواز الفعل القليل في الصلاة , وأنه لا كراهة فيه إذا كان لحاجة .
قوله : ( فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه )
فيه : بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به , ورفقه بالجاهل , ورأفته بأمته , وشفقته عليهم .
وفيه التخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل , وحسن تعليمه واللطف به , وتقريب الصواب إلى فهمه .
قوله : ( فوالله ما كهرني )
أي ما انتهرني .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس , إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن )
فيه : تحريم الكلام في الصلاة , سواء كان لحاجة أو غيرها , وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها , فإن احتاج إلى تنبيه أو إذن لداخل ونحوه , سبح إن كان رجلا , وصفقت إن كانت امرأة , .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) فمعناه : هذا ونحوه , فإن التشهد والدعاء والتسليم من الصلاة وغير ذلك من الأذكار مشروع فيها , فمعناه : لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ومخاطباتهم , وإنما هي التسبيح وما في معناه من الذكر والدعاء وأشباههما مما ورد به الشرع .
وفيه : دليل على أن من حلف لا يتكلم , فسبح أو كبر أو قرأ القرآن لا يحنث , .
وفي هذا الحديث : النهي عن تشميت العاطس في الصلاة , وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتفسد به إذا أتى به عالما عامدا .
قال أصحابنا : إن قال : يرحمك الله بكاف الخطاب بطلت صلاته , وإن قال : يرحمه الله , أو اللهم ارحمه , أو رحم الله فلانا لم تبطل صلاته ; لأنه ليس بخطاب . وأما العاطس في الصلاة فيستحب له أن يحمد الله تعالى سرا , هذا مذهبنا , وبه قال مالك وغيره , وعن ابن عمر والنخعي وأحمد - رضي الله عنهم - أنه يجهر به , والأول أظهر ; لأنه ذكر , والسنة في الأذكار في الصلاة الإسرار إلا ما استثنى من القراءة في بعضها ونحوها .
قوله : ( إني حديث عهد بجاهلية )
قال العلماء : الجاهلية ما قبل ورود الشرع , سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم .
فقوله : ( إن منا رجالا يأتون الكهان قال : فلا تأتهم )
قال العلماء : إنما نهي عن إتيان الكاهن ; لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة ; فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك ; لأنهم يلبسون على الناس كثيرا من أمر الشرائع , وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون , وتحريم ما يعطون من الحلوان , وهو حرام بإجماع المسلمين ,
وقد نقل الإجماع في تحريمه جماعة منهم أبو محمد البغوي رحمهم الله تعالى . قال البغوي : اتفق أهل العلم على تحريم حلوان الكاهن , وهو ما أخذه المتكهن على كهانته , لأن فعل الكهانة باطل لا يجوز أخذ الأجرة عليه . وقال الماوردي - رحمه الله تعالى - في الأحكام السلطانية : ويمنع المحتسب الناس من التكسب بالكهانة واللهو , ويؤدب عليه الآخذ والمعطي , وقال الخطابي - رحمه الله تعالى - : حلوان الكاهن ما يأخذه المتكهن على كهانته , وهو محرم . وفعله باطل , قال : وحلوان العراف حرام أيضا , قال : والفرق بين العراف والكاهن , أن الكاهن إنما يتعاطى الأخبار عن الكوائن في المستقبل , ويدعي معرفة الأسرار , والعراف يتعاطى معرفة الشيء المسروق , ومكان الضالة ونحوهما ,
وقال الخطابي أيضا في حديث ( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم , قال : كان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرا من الأمور , منهم من يزعم أن له رئيا من الجن يلقي إليه الأخبار , ومنهم من يدعي استدراك ذلك بفهم أعطيه , ومنهم من يسمى : عرافا وهو الذي يزعم معرفة الأمور بمقدمات أسباب استدل بها , كمعرفة من سرق الشيء الفلاني , ومعرفة من يتهم به المرأة , ونحو ذلك , ومنهم من يسمي المنجم كاهنا , .. قال : والحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم , والرجوع إلى قولهم وتصديقهم فيما يدعونه . هذا كلام الخطابي وهو نفيس .
قوله : ( ومنا رجال يتطيرون قال : ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم )
, وفي رواية : ( فلا يصدنكم ) قال العلماء : معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة ولا عتب عليكم في ذلك , فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به , ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم , فهذا هو الذي تقدرون عليه , وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف , فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن العمل بالطيرة والامتناع من تصرفاتهم بسببها , وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في النهي عن التطير . والطيرة هي محمولة على العمل بها لا على ما يوجد في النفس من غير عمل على مقتضاه عندهم .
قوله : ( ومنا رجال يخطون قال : كان نبي من الأنبياء عليهم السلام يخط فمن وافق خطه فذاك )
اختلف العلماء في معناه , فالصحيح أن معناه : من وافقه خطه فهو مباح له , ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح , والمقصود : أنه حرام , لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة , وليس لنا يقين بها , وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : فمن وافق خطه فذاك , ولم يقل : هو حرام , بغير تعليق على الموافقة , لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط , فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حقنا . فالمعنى أن ذاك النبي لا منع في حقه , وكذا لو علمتم موافقته , ولكن لا علم لكم بها .
وقال الخطابي : هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط إذا كان علما لنبوة ذاك النبي , وقد انقطعت فنهينا عن تعاطي ذلك .
وقال القاضي عياض : المختار أن معناه أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته فيما يقول , لا أنه أباح ذلك لفاعله
قال : ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن .
قوله : ( وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية )
هي بفتح الجيم وتشديد الواو , وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء مشددة , هكذا ضبطناه ,.... والجوانية - بقرب أحد - موضع في شمالي المدينة , ....
وفيه : دليل على جواز استخدام السيد جاريته في الرعي وإن كانت تنفرد في المرعى , وإنما حرم الشرع مسافرة المرأة وحدها , لأن السفر مظنة الطمع فيها وانقطاع ناصرها والذاب عنها وبعدها منه , بخلاف الراعية , ومع هذا فإن خيف مفسدة من رعيها - لريبة فيها أو لفساد من يكون في الناحية التي ترعى فيها أو نحو ذلك - لم يسترعها , ولم تمكن الحرة ولا الأمة من الرعي حينئذ ; لأنه حينئذ يصير في معنى السفر الذي حرم الشرع على المرأة , فإن كان معها محرم أو نحوه ممن تأمن معه على نفسها ; فلا منع حينئذ . كما لا يمنع من المسافرة في هذا الحال . والله أعلم .
قوله : ( آسف )
أي أغضب ,, وهو بفتح السين .
قوله : ( صككتها )
أي لطمتها .
.......
[[ الحديث وشرحه من صحيح مسلم بشرح النووي بتصرف ]]
... وفي هذا الحديث دليل على علو الله تبارك وتعالى ، وأنه فوق العرش ، سبحانه وتعالى وعز وجل ... علما بأنني لم أذكر تعليق الإمام النووي على آخر الحديث لأن مذهبه في الصفات مخالف للمذهب الحق .. مذهب أهل السنة والجماعة .
... والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات