د . عبد الله قادري الأهدل
10-01-2001, 09:48 PM
( 14 )
=== الأعذار التي تبيح التخلف عن الجهاد في سبيل الله ===
مقدمة
لم يكلف الله تعالى الناس هذا الدين لإنزال الحرج بهم ، أو تحميلهم مالا يطيقون من الأعمال ، بل كلفهم الله هذا الدين رحمة بهم ، ولإتمام نعمته عليهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، كما قال تعالى : ) ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ( [ المائدة 6 ] وقال تعالى : ) الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( [ البقرة 257 ]
وقد مضى أن الجهاد معناه بذل الجهد والطاقة والوسع ، فما لم يكن داخلا في جهد الإنسان وطاقته ووسعه لا يكلفه الله إياه ، وقد نفى الله عن المؤمنين الحرج في سياق أمرهم بالجهاد بمعناه الشامل الذي يتضمن كل أنواعه ، كما قال تعالى : ) وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ( [ الحج 78 ]
وكل نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله فيه حرج ، على الفرد أو الأمة ، فإن تكليفهم إياه منتف عنهم .
قال تعالى : ) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ( [البقرة 232 ، الأنعام 152 ]
وقال تعالى : ) لا تُكَلَّف نفس إلا وسعها ( [ البقرة 232 ]
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ) لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ( [ البقرة 284 ]
قال : فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم بركوا على الكب ن فقالوا : يا رسول الله ، كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزلت عليك هذه الآية ، ولا نطيقها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ ( بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ( [ في سورة البقرة 93 : ) قالوا سمعنا وعصينا ( وفي سورة النساء 46 : ) ويقولون سمعنا وعصينا ( قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير . فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم ، فأنزل الله في إثرها : ) آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ( [ البقرة 285 ]
فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى ، فأنزل الله عز وجل : ) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ( قال : نعم ) ربنا ولا تحملنا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ( قال : نعم ) ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ( قال : نعم ) واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ( قال نعم . [ الآية من سورة البقرة 286 ] والحديث في صحيح مسلم 1/116 ]
والقائل : " نعم " هو الله تعالى يحكيه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم . ومعناه : استجبتُ دعاءكم ، فلا تؤاخذون بما نسيتم أو أخطأتم ، ولا تحملون إصرا ، ولا تُحَمَّلون ما لا طاقة لكمم به ، وسأغفر لكم وأرحمكم ، وأنصركم على القوم الكافرين .
وفي رواية لابن عباس : " قال : قد فعلت " مكان " نعم " التي في رواية ابي هريرة .
بل إن الله تعالى نهى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، أن يأتوا من الأعمال ما يشق عليهم ، كما في حديث ابي هريرة رضي الله عنه : ( إياكم والوصال ) قالوا : فإنك تواصل يا رسول الله ، قال : ( إنكم لستم في ذلك مثلي غني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون ) [ البخاري مع فتح الباري 4/ 206 ومسلم 2/774 ]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " الأمر والنهي الذي يسميه العلماء : [ التكليف الشرعي ] هو مشروط بالممكن من العلم والقدرة ، فلا تجب الشريعة على من لا يمكنه العلم ، كالمجنون والطفل ن ولا تجب على من يعجز ، كالأعمى والأعرج والمريض في الجهاد ، وكما لا تجب الطهارة بالماء والصلاة قائما ، وغير ذلك على من يعجز عنه " [ مجموع الفتاوى 10/344 ]
وهذا المعنى واضح في كثير من الكتاب والسنة .
وسبق أن الجهاد فرض كفاية ، وقد يكون فرض عين في بعض الأحوال .
وهناك أعذار تسقط عن صاحبها وجوب مباشرة الجهاد ، سواء كان النفير عاما أم لا ، وأعذار أخرى تسقطه إذا لم يكن فرض عين ، وسيأتي الكلام على هذه الأعذار في الفقرة الآتية .
=== الأعذار التي تبيح التخلف عن الجهاد في سبيل الله ===
مقدمة
لم يكلف الله تعالى الناس هذا الدين لإنزال الحرج بهم ، أو تحميلهم مالا يطيقون من الأعمال ، بل كلفهم الله هذا الدين رحمة بهم ، ولإتمام نعمته عليهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، كما قال تعالى : ) ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ( [ المائدة 6 ] وقال تعالى : ) الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( [ البقرة 257 ]
وقد مضى أن الجهاد معناه بذل الجهد والطاقة والوسع ، فما لم يكن داخلا في جهد الإنسان وطاقته ووسعه لا يكلفه الله إياه ، وقد نفى الله عن المؤمنين الحرج في سياق أمرهم بالجهاد بمعناه الشامل الذي يتضمن كل أنواعه ، كما قال تعالى : ) وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ( [ الحج 78 ]
وكل نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله فيه حرج ، على الفرد أو الأمة ، فإن تكليفهم إياه منتف عنهم .
قال تعالى : ) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ( [البقرة 232 ، الأنعام 152 ]
وقال تعالى : ) لا تُكَلَّف نفس إلا وسعها ( [ البقرة 232 ]
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ) لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ( [ البقرة 284 ]
قال : فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم بركوا على الكب ن فقالوا : يا رسول الله ، كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزلت عليك هذه الآية ، ولا نطيقها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ ( بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ( [ في سورة البقرة 93 : ) قالوا سمعنا وعصينا ( وفي سورة النساء 46 : ) ويقولون سمعنا وعصينا ( قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير . فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم ، فأنزل الله في إثرها : ) آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ( [ البقرة 285 ]
فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى ، فأنزل الله عز وجل : ) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ( قال : نعم ) ربنا ولا تحملنا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ( قال : نعم ) ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ( قال : نعم ) واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ( قال نعم . [ الآية من سورة البقرة 286 ] والحديث في صحيح مسلم 1/116 ]
والقائل : " نعم " هو الله تعالى يحكيه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم . ومعناه : استجبتُ دعاءكم ، فلا تؤاخذون بما نسيتم أو أخطأتم ، ولا تحملون إصرا ، ولا تُحَمَّلون ما لا طاقة لكمم به ، وسأغفر لكم وأرحمكم ، وأنصركم على القوم الكافرين .
وفي رواية لابن عباس : " قال : قد فعلت " مكان " نعم " التي في رواية ابي هريرة .
بل إن الله تعالى نهى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، أن يأتوا من الأعمال ما يشق عليهم ، كما في حديث ابي هريرة رضي الله عنه : ( إياكم والوصال ) قالوا : فإنك تواصل يا رسول الله ، قال : ( إنكم لستم في ذلك مثلي غني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون ) [ البخاري مع فتح الباري 4/ 206 ومسلم 2/774 ]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " الأمر والنهي الذي يسميه العلماء : [ التكليف الشرعي ] هو مشروط بالممكن من العلم والقدرة ، فلا تجب الشريعة على من لا يمكنه العلم ، كالمجنون والطفل ن ولا تجب على من يعجز ، كالأعمى والأعرج والمريض في الجهاد ، وكما لا تجب الطهارة بالماء والصلاة قائما ، وغير ذلك على من يعجز عنه " [ مجموع الفتاوى 10/344 ]
وهذا المعنى واضح في كثير من الكتاب والسنة .
وسبق أن الجهاد فرض كفاية ، وقد يكون فرض عين في بعض الأحوال .
وهناك أعذار تسقط عن صاحبها وجوب مباشرة الجهاد ، سواء كان النفير عاما أم لا ، وأعذار أخرى تسقطه إذا لم يكن فرض عين ، وسيأتي الكلام على هذه الأعذار في الفقرة الآتية .