PDA

View Full Version : ( نعــم ... كان المـرض نعمـة لي ..! )


بو عبدالرحمن
27-01-2001, 09:58 AM
قال الراوي :
أصابتني نوبة مرض حادة ألزمتني الفراش …
وكان لزاماً عليّ أن أقضي ساعات طويلة من يومي و ليلتي منفرداً في هذه الحجرة التي ملأها اللون الأزرق الفاتح … ولأني لا أكاد أنام إلا مغلوباً …… فقد وجدت نفسي ، في مواجهة نفسي تماماً ، وفي جلاء …!!
-
-
نعم هكذا وجدت نفسي فيما يبدو لأول مرة ، أواجه نفسي ، أتحدث إليها وتحدثني … أسألها وتجيبني … أحاورها وتناقشني …
لاسيما وإنني في وضع لا يسمح لي بأن أقرأ شيئاً .. ومن ناحية وجدت نفسي زاهدة إلا في سماع نفسي ، وحوارها وشكواها ، وأنينها .. ولذا آثرت أن أخلو إليها ، وأقبل أوراق التماساتها .. واكتشفت أنني لا أكاد أعرف نفسي ..!!
-
-
وكانت تجربة مثيرة فريدة بالنسبة لي ، فأنا ممن لا يكادون يجدون وقتاً للخلوة بأنفسهم ..دائم أجدني أركض ركضا شديدا وراء الدنيا وملذاتها ، وهي فارة بين يدي ، فلا أنا أتعب ، وهي تقف …!!!

تجربة جعلتني أتعرف على نفسي التي بين جنبي من جديد…!
وأدركت في أعقاب هذه التجربة ،كم قد أسرفت في ظلم نفسي ، وأنا أحسب أنني أسعدها ..!!
-
-
شريط طويل يمر بي .. وأنا أتابع مشاهده ، وأقف عند كثير من لقطاته ، لأفتح كشف حساب مع نفسي ، أو لأقيم محاكمة صارمة معها .. أو لأصفق لها تارة بحرارة ، على ما قامت به في ذلك المشهد الذي يمر أمامي الساعة .. وهكذا ..

كان يخيل إلي ، لو أن أحداً دخل علي فجأة في مثل تلك اللحظة ، لوجدني إما أمسح دموعا سخية انهمرت على خدي .. وإما أضحك منتشياً طرباً ..!
وبعد استعراض طويل ، لتاريخ حافل بالذكريات ..
هالني ما رأيت ..!
أكوام من ملفات سوداء … ما كان ينبغي أن أخطها بيدي لو كنت عاقلا ، ومعي إيماني في تلك الساعة التي فعلت فيها ما فعلت ..!
أين ذهب عقلي يومها ؟ أين توارى إيماني ؟ يا إلهي …!

وتنكّـرت لي نفسي .. وعاتبتها وعاتبتني بدورها ...وصرخت في وجهها ، وزجرتني في عنف …ولكنني حين أخذت أذكرها بالله _جل الله وتبارك _ وكثرة نعمه ، وما أعد لأوليائه ، وأعدائه … سرعان ما وجدتها تبكي منكسرة ، بل أخذت تنوح بشدة ، وتطالبني أن أنوح معها .. فنحت …..!!

ووجدت يومها للبكاء لذة روحية عالية ، وبهجة قلبية راقية ، ما ظننت أن يكون مثل هذه اللذة في الدنيا ، ولكن في الآخرة …...ممكن …!!
لقد شعرت ساعتها أن قلبي يغتسل بوضوح ، وبلا لبس ..
-
-
وكم كانت سعادتي منذ ذلك اليوم حين أجد نفسي منفردا ، ليس بين يدي إلا نفسي ، ومعنا الله ثالثـنا ....!
كنت سرعان ما أسعى إلى تذكيرها ، حتى أثيرها إلى البكاء … والمسكينة سرعان ما تنفعل لتذكيري .. فتجهش ببكاء شديد ، فأعاونها بما أستطيع من نوح وبكاء ..! فإذا أنا في دنيا غير الدنيا ……! آه .. !

آه .. كم ذهبت أخبط في هذا العالم بحثا عن اللذة والشهوة والمتعة … واليوم فقط أكتشف أن كل ذلك كان _ ولا يزال _ أقرب إلي مما يتصور مخلوق ..!
يا إلهي الرحمة ..! ضاع مال كثير .. وتبدد جهد طويل .. في تحصيل ما لا يتحصل ..! وجمعت في يدي صفراً …! يا إلهي الرحمة ..!
-
-
لقد كان ذلك المرض من أعظم نعم الله عليّ ..! فله الحمد ..
لم أغادر المستشفى إلا وأنا أشعر أنني جديد ، طازج على الحياة والأحياء …
أشعر أن دماء جديدة قد سرت في عروقي .. وأن نفساً صافية قد دبت في كياني .. وأن همة ماضية قد تولدت في داخلي .. وأن عزما أكيدا قد شب كالنار بين جوانحي .. عزما لا يرغب إلا فيما عند الله وحده .. فلا خير في حياة تكون بعيدة عن الله جل جلاله ..
ووجدت نفسي غير الذي كنت ..
ألا ما أحلى وأعلى وأرقى وأطيب الحياة يوم تكون لله وبالله ومع الله …
ولكن يا حسرة على العباد ………………..!!

على نفسهِ فليبـكِ ما ضـاع عَمرهُ **** وليس له منها نصيبٌ ولا سـهمُ

سردال
27-01-2001, 03:54 PM
المرض نعمة لو أبصر الناس في حكمة الله، عجباً لأمر المسلم.... إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له.

المرض فرصة لمغفرة الذنوب وتدارك العيوب، ومراجعة النفس، فكم تجلس مع نفسك في مرضك محبوساً في مكانك لا تستطيع حراكاً؟ سبحان الله! أين الذي كان يركض طول نهاره ويسهر ليله في عمل وكد؟

أتذكر مرة جائني مرض يا بو عبد الرحمن، شفاك الله من كل مرض، جعلني طريح الفراش أسبوع، في هذا الأسبوع لم أكن استيقظ أو أتحرك، إلا مرتين أو ثلاث لأذهب أعزك الله للحمام وأرجع للنوم والراحة، كنت أهذي وأقول كلاماً غير مفهوم، كانت اللقمة تكفيني، وفنجان من الماء يرويني، أين الذي كان لا يقوم من مجلس الطعام حتى ينهي المائدة عن آخرها؟! أين الذي يشرب قنينة الماء في يوم، أصبح ضعيفاً هزيلاً، أعجب كيف يتكبر الإنسان وهو أضعف من أن يتكبر على نفسه فكيف يتكبر على غيره...

موضوعك ذو شجون أخي... وأنا خرجت عن الخط خروجاً كخروج شيخنا في مقالاته! أتذكر؟ دائماً ما كان يكتب، أخرج من الموضوع لا كخروج القطار عن سكته، بل خروج السائح ليلتقط لكم جميل الصور :).. أتذكر الشيخ؟

همسه
27-01-2001, 07:45 PM
الحمدالله مسبب الأسباب وهادي العباد..
نعم الكل منا يصاب بمرض او تعب بسيط...ولكن قد يكون هذا فيه خير كثير لتربية الروح..ومعرفة النعمه الحقيقه التي غفلنا عنها في صحتنا ووجدنها في سقمنا..
ومااجمل البكاء عندما يسقط من العيون في محاولة غسل مافات من الذنوب..
والاروع والاجمل عندما يتذكر هذا العبد المسكين ان له رب غفوراً رحيم..فسبحان الله مسبب الاسباب
وجزاك الله اخي ابو عبد الرحمن خير الجزاء..
ونحن من المتابعين لكتاباتك..وان لم ارد عليها لقوة الموضوع فاعجز والله عن كتابة كلمه واحده..ولكن ادعو لك بان يجزيك الله الخير الكثير على كل حرف كتبته..
ولك خالص احترامي وتقديري
اختك
همسه*

بو عبدالرحمن
28-01-2001, 08:28 PM
-
جزاك الله خير الجزاء على هذه المتابعة ..
وجزاك أيضا جزاء مضاعفا على هذه التعقيبات الرائعة التي تثري الموضوع ..

نعم .. يصبح المرض نعمة ..ولو فقه الإنسان حكمة هذا البلاء الذي يمر به .. وسيجد نفسه يردد في خشوع :
( فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا )
ولوتأمل الإنسان بقلب مؤمن ، وحاول أن يحصي فوائد أيام المرض التي يمر بها ، لربما وجد بين يديه قائمة طويلة من الفوائد التي لم تكن تخطر له على بال ..

ولقد أوردت في تعقيبك الرائع بعضها ، بارك الله في أنفاس حياتك

أما خروجك عن الخط ... فهو خروج محمود ، لأن ثمراته واضحة ، ، ورحم الله شيخنا الجليل رحمة واسعة ، لقد كان يخرج من خط سير رحلته المباركة التي كان يتدفق خلالها بأعذب الكلام ، غير أنه يعود إلينا ويداه مملوءتان بالفوائد واللطائف الطرائف .. رحمه الله ورفع قدره ..

تبقى كلمة :
يبدو أن قلمي ( بتوفيق من الله ) استطاع أن يحبك القصة حبكا متقنا ، حتى جعلت كل من يقرأها يظن أنني أنا المقصودبها ، وأني أتكلم عن نفسي ..!!
لا .. إنما أنا مجرد ( مصور ) لكني أصوّر بالكلمات والحروف ..!
فأنا هنا أنقل عن غيري ، وأقص قصته .. ليس أكثر ..
والحمد لله الذي أعان ووفق في صدق النقل ، وحرارة الأداء حتى خيل للآخرين أنني صاحبها ..!!
وما توفيقي إلا بالله ..