PDA

View Full Version : شيخ في مرقص ؟؟؟


مسامرطيف
25-02-2001, 04:50 AM
قصة من كتاب قصص من الحياة للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله عام 1946

شيخ في مرقص


كنت أصلي أمس في مسجد العباس فلما قضيت الصلاة و تلفت للسلام لمحت ( فلانا ) فكذبت بصري و عدت إليه أتثبته فإذا هو بلحمه و دمه و إذا هو يصلي صلاة خاشع لله متبتل أواب و كان آخر عهدي به أنه ركب في طريق الغواية رأسه ، و أقدم إقدام الفرس الشموس ، فخب في الضلال ووضع و أغار و أنجد ثم انتهى به الخبط الى الهاوية فوقع على أم رأسه في اشتهاء راقصة مشهورة و حسب هذا الاشتهاء حباً كالذي قرأ وصفه في الروايات فصنع مثلما يصنع المحبوب نسي عقله و دينه و جاد بقلبه و ماله و عرفت منه هذه الفاجرة هذه الحماقة فاستنزفت دم جيبه و ماء قلبه ثم لم توصله إلى إربه و لم تمتعه بحبه … و كان له ضمير يناديه فأعرض عن نداء ضميره ، و كان له إخوان ينصحونه فسد أذنيه عن نصح إخوانه ، فلما يئسوا منه و من صلاحه انصرفوا عنه و تركوه لنفسه و للراقصة و لا بليس ثم للمرض و الفقر و جهنم .
فلما رأيته في المسجد عجبت و انتظرته حتى فرغ ، فأقبلت عليه و سألته فقال : إن حديثي عجب ، و إني لا أحب أن أتحدث به في بيت الله فتعال معي إلى بيتي نسمع حديثي
و حدثني و فقال : إن الفضل علي فيما رأيت من توبتي لله ثم للشيخ صلاح الدين أحسن الله إليه فلقد هداني الله به و هدى أقواما بعد إذ كانوا ضالين و لقد عرفت رجالاً شجعانا أولي عزم و إقدام و سمعت أخبار العلماء الذين واجهوا الملوك بما يكرهون و أحاديث أهل الجراءة و الصدع بالحق ولا و الله ما سمعت و لا عرفت بأجرأ من هذا الشيخ ولا أثبت منه جناناً
قلت إذ صنع ماذا ؟
قال إذ وعظ في المرقص أما سمعت الحكاية لقد استفاض خبرها و تناقلته الصحف و كان حديث السوامر أياماً طوالاً و ذلك أنه نظر فرأى طلاب العلم لا يزالون ينقصون و رأى الناس ينصرفون عن المساجد فلا يحضرها إلا الكهول و العجز و ما يحتاجون هؤلاء الوعظ إنما يحتاجه الشباب و سأل أين الشباب ؟ فأجلوه عن أن يخبروه ثم قالوا إن الشباب في السينمات و المراقص و نوادي القمار قال و ما السينمات و المراقص ؟ و لم يكن الشيخ يدري ماهي و لم يكن يعرف من الدنيا إلا مسجده و داره ولا يسمع إلا حديث العلم و قال المصنف و ذكر الشارح و عقب عليه المحشي.
قالوا إن المراقص أبهاء واسعة تمتلئ بالناس و في صدرها منصات عاليه لها ستر ترتفع و تنسدل يقوم عليها نسوة عاريات ألا من خرق لا تكاد تستر من أجسادهن شيئاً يقفزن و يلعبن و يحركن أيديهن و أرجلهن.
قال حسبكم حسبكم إنا لله و إنا إليه راجعون نساء يلعبن أمام أعين الرجال الأجانب ما ظننت أن مثل هذا يكون في دار الإسلام قوموا بنا إلى المراقص
قالوا إلى المراقص يا شيخ
قال نعم نتقي مثل لعنة داود و عيسى بن مريم و نغير هذا المنكر بألسنتنا إذ قعدت بالحكام رقة دينهم عن أن يغيروه بأيديهم
قالوا يا شيخ إنهم يسخرون منا و يؤذوننا و لا يصغون لمقالنا
قال ما نحن بأفضل من الأنبياء و ما نفوسنا بأكرم علينا من نفوسهم و لقد سخر منهم وأوذوا في سبيل الله فما ضعفوا ولا استكانوا و إنما علينا البلاغ و الهدى هدى الله
قالوا إن المدارس قد ابتدعوا فيها هذه الأيام بدعة جديده من أخزى البدع و أرضاها لإبليس و هي تبرز البنات سافرات حاسرات فيلعبن أمام الرجال فلنبدأ بالمدارس قبل المراقص فإنهم سيقتلون فيها الأخلاق باسم الرياضة و الصحة و الفن
قال الشيخ بل نبدأ بالمراقص إن شاء الله
فلما رأوا منه الجد و الإصرار قالوا أمهلنا يا شيخ حتى نعد لك مكانا فيه تعظ منه الناس
وذهبو الى مرقص أبي نواس فسألوا صاحبه أن يؤجرهم المسرح ربع ساعه ما بين الفصلين ليجئ الشيخ فيعظ فيه الناس فنظر الرجل فيهم لعله يبصر تحت معاطفهم المسروقة ثياب المستشفى التى فروا بها منه و ابتعد عنهم خشية ان تعاود أحدهم جنته فيثب على عنقه فيخنقه او يشج راسه بحديدة يخفيها في كمه و دعا اعواناً له لينقذوه من هؤلاء المجانين الذين يريدون ان يجيئوا بشيخهم ليعظ الناس على مسرح التياترو و لكن القوم قطعوا عليه ماهو فيه و جروه من رسنه فانقاد ذليلاً طيعاً حين عرضوا عليه في هذا لربع الساعة نصف ما يكسبه في الليلة كلها و قبل منهم و شيعهم الى الباب و لكنه لم ينس ان يقبض المبلغ منهم قبل ان بغلقه دونهم
و فرح الرجل بهذا الإعلان الجديد عن مرقصه و انتظر ان يمثل الشيخ مهزلة تكون رواية الموسم و ذهب فطبع إعلانات ضخمه عن المفاجأة المدهشه التي ستروع الناس و جاء الناس يرون هذه المفاجأه و ما يقع في وهم أبعدهم خيالاً إلا انها راقصة جديده أو انها رقصة مبتكره وماذا يكون في المرقص ألا الرقص و كنت تلك الليلة هناك و رقصت فلانه رقصة عبقريه مبدعه عرضت فيها من فنونها و فتونها عجباً ما رأى الراؤون مثله و جننت الحاضرين حتى مايدرون من الفتنة ما يصنعون و حتى دميت الأكف من التصفيح و التصفيق و بحت الحناجر من الهتاف و الصراخ و أرخي الستار على الراقصة و هي أحب الى كل واحد منهم من زوجته وولده وما احد منهم الا و يبذل في ساعة منها ماله و شرفه و دينه و جعلوا ينادون باسمها يريدون ان يمتعوا ابصارهم برؤيتها كرة اخرى فلما تمادى غيابها اقبلوا يرددون اسمها في الحاح و اتصال و يقرعون الأرض بأقدامهم فعل الصبيان و رواد الملاهي لهم عقول كعقول الصبيان فارتفع الستار و نظروا ….
نظروا فاذا هم يرون مكان ذلك الجسم الحبيب المشتهى و ذلك العرى المغري الفتان شيخاً جالساً بعمامته و لحيته و جبته شيخاً حقيقياً لا تمثالاً مكسواً ثياب المشايخ و لا شيخ مزوراً من شيوخ التمثيل
و بدأ الشيخ درسه بحمد الله و الصلاة على رسوله وربطت الدهشه ألسنة الحاضرين لحظة فكانت سكته شامله ثم صاحوا فجأة فكان الانفجار
إن كل محاولة لوصف هذا الانفجار إنما هي إفساد و تشويه لصورته في نفس السامع و إنك تعرف هؤلاء الناس و إن فيهم كل ماجن خبيث و جبار فاجر و فيهم السكران و فيهم الحشاش و قد جاءهم هذا الشيخ في الساعة التي اكتملت فيها نشوتهم و طغت ( براح الراقصة ) سكرتهم ليتلو عليهم حديث التقى و الصلاح من فوق منصة المرقص و ليقول لهم دعوا هذه المرأة فإنها رجس و غضوا عنها أبصاركم فإنها عورة و انصرفوا عن هذه البقعة فإنها دار دنس و إثم و قد طلع عليهم و هم يرتقبون طلعة الغادة العارية المغناج … فتصور ماذا يكون منهم
لقد صفروا و سخروا و رموه بكل قبيح من القول و سألوه أن يتجرد فيرقص لهم و يريهم غنجه و عرضوا عليه كؤوس الخمر مترعة و هو ماض في كلامه كأنما هؤلاء ذباب يحوم حوله من بعيد بل أن الرجل ليحفل بالذباب و هو لم يحفلهم و لم يبال بهم و تعب الشاغبون و مل الساخرون و كان في القوم من يعرف الشيخ فصاحوا بهم أن اسكتوا و يلكم نسمع ما يقول و كانت سكته أخرى و هي كل ما كان يتمنى الشيخ فتمكن فيها من آذانهم و نفذ إلى قلوبهم فأصغوا ثم اطمأنوا ثم خشعوا ثم انقادوا إليه و تعلقوا به و حل في قلوبهم محل تلك و لكن حبهم إياها كان حباً سفلياً و هذا حب مطهر … فلما انتهى من كلامه و قام ليخرج قاموا معه و خرجوا وراءه و تركوا المرقص لصاحبه و للشيطان … و لازمته أنا من ذلك اليوم كما لازمه كثير ممن هناك

مدردش متقاعد
25-02-2001, 05:16 AM
فعلا قصة مؤثرة.. لكن أين هم أمثال هذا الشخ الجليل؟ أين من إيمانه قوي لدرجة أن يحق الحق و يبطل الباطل و لو كره الكافرون؟

تحياتي لك