الملبوس
24-04-2001, 10:02 PM
طريق الدعوة إلى الله طريق صعب المسالك، يتطلب من الداعي الحكمة والعلم والصبر والوعي
وفوق ذلك أن يكون حسن الخلق، مستقيم السلوك، طيب المعاملة.
لعل هذه الصفة، لو تحلينا بها تماماً، لحققنا غايتنا المنشودة ولوصلنا إلى قلوب الناس بقليل مع
العناء والتعب، وذلك أن النفوس تكون أقرب إلى حسن الخلق من سيئها، إذ تأنس به وتقبله
وتلتف حوله وبالتالي تعمل على ترجمة أقواله وأفعاله إلى واقع ملموس بينما تبقى الأقوال مجردة والدعوى فاترة باردة عديمة القبول لسيئ الأخلاق.
وحسن الخلق صفة ذكر الله سبحانه وتعالى أنها من صفات أنبيائه ورســله وخاطــب بها
القدوة المثلى والأسوة الحسنة ـ رسول الله ص فقال: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا
من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم (آل عمران:159).
يقول الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في هذه الآية: "أي لو كنت سيئ الخلق قاسي القلب
لانفضوا من حولك، لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ". ويضيف ـ رحمه الله ـ: "فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدنيا تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدنيا،
تنفر الناس عن الدين وتبغضهم إليه مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول
المعصوم يقول الله له ما يقول فكيف بغيره؟! أليس من أوجب الواجبات وأهم المهمات الاقتداء
بأخلاقه الكريمة ومعاملة الناس بما كان يعاملهم به ص من اللين، وحسن الخلق، والتأليف امتثالاً
لأمر الله وجذباً لعباد الله لدين الله".(1)
وهذا ما كان يميز شخصية النبي ص ويجعلها أقرب إلى النفوس وبالتالي كانت دعوته تسير من
نجاح إلى نجاح حتى أخرج أمة بكاملها من الظلمات إلى النور لتحمل بعد ذلك على عاتقها نشر
الإسلام في العالم غربه وشرقه.
كما مدح الله سبحانه هذه الأخلاق الحسنة في شخصية النبي ص فقال وإنك لعلى' خلق
عظيم 4 (القلم)، وإذ أكد المعنى بالمحسنات اللفظية لتضيف إليه الغاية في المدح والعظمة
في الخلق، وجاء في تفسير القرطبي: "هو رفقه بأمته وإكرامه إياهم".(2)
ولو تأملنا سيرته العطرة لوجدنا مصداق ذلك في نجاح دعوته نجاحاً قياسياً في فترة زمنية قصيرة
وما كان ذلك ليتم لولا ما تحلَّى به ص من أخلاق حسنة، ولين، ورأفة ولعل ذلك يظهر جلياً في
الأمثلة التالية التي تعبر عن هذه الحقيقة.
موقفه عليه الصلاة والسلام من الأعرابي الذي بال في المسجد: فقد جاء عن أنس بن مالك ـ
رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله ص إذ جاء أعرابي فقام يبول في
المسجد فزجره الصحابة وقالوا: مه مه، فقال رسول الله لا تزرموه دعوه، فتركوه حتى بال ثم إن
رسول الله دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول إنما هي لذكر الله
والصلاة وقراءة القرآن ثم أمر رجلاً فجاء بدلو من ماء فسكبه عليه.(3)
خلق رفيع وأسلوب حكيم رصين، ودعوة بليغة. فماذا كانت النتيجة؟
جاء في البخاري أن هذا الرجل هو الذي قال: "اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فقال
له النبي لقد حجّرت واسعاً".(4)
لقد اعترف هذا الأعرابي بأن أسلوب النبي كان الأمثل، وأن طريقته هي التي تقرِّب النفوس إليه
مما جعله يدعو الله أن يرحمه ومحمداً فقط دون الصحابة الذين زجروه.!
موقفه من الشاب الذي استأذنه في الزنى: روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي أمامة قال: إن فتى
شاباً أتى النبي ص فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنى، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه!
فقال له النبي ص ادنه فدنا منه قريباً، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا
الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال
ولا الناس يحبونه لبناتهم.. حتى ذكر له كل قريباته وقرره هل تحبه لهن وهو ينفي ثم وضع يده
عليه ودعا له قائلاً: "اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه"، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت
إلى شيء.(5)
هذا الموقف الحكيم يشدِّد على الدعاة إلى الله عز وجل أن يعتنوا بالرفق والإحسان إلى الناس،
ولا سيما من يُرغَب في دخولهم إلى الإسلام أو يزيد إيمانهم ويثبتوا على إسلامهم.(6)
والأمثلة العملية في حياة النبي وسيرته أكثر من أن تُحصى' كما جاءت النصوص والأحاديث
تبين أن حسن الخلق أعظم من العبادة نفسها، فقد روى أبو داود عن عائشة قالت سمعت رسول
الله ص يقول: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم".(7)
وعن أبي الدرداء أن النبي ص قال: ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن
الخلق".(8)
وإذا كان حسن الخلق مطلباً للمسلم العادي فلا شك في أنه في حق الداعي أوجب وأقوى ليكون
سلاحاً طيب النفع بعيد الأثر.
إن المدعو يتطلع دائماً إلى قدوة صالحة في محيطه يتمثل بها ويقتدي بآثارها فتكون عوناً له على
الاستقامة، وبالتالي تبرز أهمية تخلق الداعي بالخلق الحسن، ليكون بالفعل عامل جذب روحاني
للمدعوين يقتربون منه فيغرفون من معين أخلاقه الصلاح والاستقامة، وينهلون من بحر علمه الزاد
والتقوى، ومن ثم يحققون النجاح المرجو في أعظم مهنة، وأفضل عمل، وأنبل غاية، ألا وهي
الدعوة إلى الله تعالى.
وفوق ذلك أن يكون حسن الخلق، مستقيم السلوك، طيب المعاملة.
لعل هذه الصفة، لو تحلينا بها تماماً، لحققنا غايتنا المنشودة ولوصلنا إلى قلوب الناس بقليل مع
العناء والتعب، وذلك أن النفوس تكون أقرب إلى حسن الخلق من سيئها، إذ تأنس به وتقبله
وتلتف حوله وبالتالي تعمل على ترجمة أقواله وأفعاله إلى واقع ملموس بينما تبقى الأقوال مجردة والدعوى فاترة باردة عديمة القبول لسيئ الأخلاق.
وحسن الخلق صفة ذكر الله سبحانه وتعالى أنها من صفات أنبيائه ورســله وخاطــب بها
القدوة المثلى والأسوة الحسنة ـ رسول الله ص فقال: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا
من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم (آل عمران:159).
يقول الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في هذه الآية: "أي لو كنت سيئ الخلق قاسي القلب
لانفضوا من حولك، لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ". ويضيف ـ رحمه الله ـ: "فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدنيا تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدنيا،
تنفر الناس عن الدين وتبغضهم إليه مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول
المعصوم يقول الله له ما يقول فكيف بغيره؟! أليس من أوجب الواجبات وأهم المهمات الاقتداء
بأخلاقه الكريمة ومعاملة الناس بما كان يعاملهم به ص من اللين، وحسن الخلق، والتأليف امتثالاً
لأمر الله وجذباً لعباد الله لدين الله".(1)
وهذا ما كان يميز شخصية النبي ص ويجعلها أقرب إلى النفوس وبالتالي كانت دعوته تسير من
نجاح إلى نجاح حتى أخرج أمة بكاملها من الظلمات إلى النور لتحمل بعد ذلك على عاتقها نشر
الإسلام في العالم غربه وشرقه.
كما مدح الله سبحانه هذه الأخلاق الحسنة في شخصية النبي ص فقال وإنك لعلى' خلق
عظيم 4 (القلم)، وإذ أكد المعنى بالمحسنات اللفظية لتضيف إليه الغاية في المدح والعظمة
في الخلق، وجاء في تفسير القرطبي: "هو رفقه بأمته وإكرامه إياهم".(2)
ولو تأملنا سيرته العطرة لوجدنا مصداق ذلك في نجاح دعوته نجاحاً قياسياً في فترة زمنية قصيرة
وما كان ذلك ليتم لولا ما تحلَّى به ص من أخلاق حسنة، ولين، ورأفة ولعل ذلك يظهر جلياً في
الأمثلة التالية التي تعبر عن هذه الحقيقة.
موقفه عليه الصلاة والسلام من الأعرابي الذي بال في المسجد: فقد جاء عن أنس بن مالك ـ
رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله ص إذ جاء أعرابي فقام يبول في
المسجد فزجره الصحابة وقالوا: مه مه، فقال رسول الله لا تزرموه دعوه، فتركوه حتى بال ثم إن
رسول الله دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول إنما هي لذكر الله
والصلاة وقراءة القرآن ثم أمر رجلاً فجاء بدلو من ماء فسكبه عليه.(3)
خلق رفيع وأسلوب حكيم رصين، ودعوة بليغة. فماذا كانت النتيجة؟
جاء في البخاري أن هذا الرجل هو الذي قال: "اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فقال
له النبي لقد حجّرت واسعاً".(4)
لقد اعترف هذا الأعرابي بأن أسلوب النبي كان الأمثل، وأن طريقته هي التي تقرِّب النفوس إليه
مما جعله يدعو الله أن يرحمه ومحمداً فقط دون الصحابة الذين زجروه.!
موقفه من الشاب الذي استأذنه في الزنى: روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي أمامة قال: إن فتى
شاباً أتى النبي ص فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنى، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه!
فقال له النبي ص ادنه فدنا منه قريباً، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا
الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال
ولا الناس يحبونه لبناتهم.. حتى ذكر له كل قريباته وقرره هل تحبه لهن وهو ينفي ثم وضع يده
عليه ودعا له قائلاً: "اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه"، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت
إلى شيء.(5)
هذا الموقف الحكيم يشدِّد على الدعاة إلى الله عز وجل أن يعتنوا بالرفق والإحسان إلى الناس،
ولا سيما من يُرغَب في دخولهم إلى الإسلام أو يزيد إيمانهم ويثبتوا على إسلامهم.(6)
والأمثلة العملية في حياة النبي وسيرته أكثر من أن تُحصى' كما جاءت النصوص والأحاديث
تبين أن حسن الخلق أعظم من العبادة نفسها، فقد روى أبو داود عن عائشة قالت سمعت رسول
الله ص يقول: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم".(7)
وعن أبي الدرداء أن النبي ص قال: ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن
الخلق".(8)
وإذا كان حسن الخلق مطلباً للمسلم العادي فلا شك في أنه في حق الداعي أوجب وأقوى ليكون
سلاحاً طيب النفع بعيد الأثر.
إن المدعو يتطلع دائماً إلى قدوة صالحة في محيطه يتمثل بها ويقتدي بآثارها فتكون عوناً له على
الاستقامة، وبالتالي تبرز أهمية تخلق الداعي بالخلق الحسن، ليكون بالفعل عامل جذب روحاني
للمدعوين يقتربون منه فيغرفون من معين أخلاقه الصلاح والاستقامة، وينهلون من بحر علمه الزاد
والتقوى، ومن ثم يحققون النجاح المرجو في أعظم مهنة، وأفضل عمل، وأنبل غاية، ألا وهي
الدعوة إلى الله تعالى.