|
عضو نشيط
|
بلدة طيبة ورب غفور
|
المشاركات: 94
|
#2
|
العلم عبادة (1)
استنفرنا الله عز وجل له في كتابه فقال سبحانه : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) (2)
وأمرنا ان ندعوه سبحانه بالزيادة منه فقال : ( وقل رب زدني علما ) (3)
ثم نبهنا سبحانه إلى قدر حملته وأهله فقال
( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (4)
وقال سبحانه :
( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) (5)
فمقتضى هذا كله الحرص على العلم وعلى أخذه ممن أثنى الله عليهم
ممن شابت لحاهم في طلبه وتحصيله
من العلماء الأكابر ورثة الأنبياء الذين تناقلوا هذا الإرث كابرا عن كابر بالسند المتصل العالي
أما اخذ العلم والدين من هاهنا وهاهنا سواء من الكتب وحدها أو من نكرات القوم فهذا قصور نظر وجهل بقدر العلم وأهله وسبيل طلبه
ولهذا قال الصفدي : ( قال العلماء : لا تأخذ العلم من صحفي ولا مصحفي ) قال ابن بطلان : أي لا تقرأ القرآن على من قرأ من المصحف ولا الحديث وغيره على من أخذ ذلك من الصحف (6)
وانظروا معي إلى دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ) (7)
فلم يقولا يتلو عليهم آياتك و حسب
بل أضافوا إلى ذلك أمورا شرع الله أنها لا تقوم إلا بالمعلم المربي
وهي تعليم الكتاب وبيانه وتعليم الحكمة وتزكية النفوس وتربيتها
وانظروا إلى منة الله التي امتنها علينا بهذا فقال ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) (8)
وفي كل يوم وليلة نكرر الفاتحة كرات ومرات
وفيها( صراط الذين أنعمت عليهم )
فانظروا معي إلى هذه المنة العظيمة إضافة الله صراطه المستقيم إلى أولئك الرجال الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصالحين ومن سار على نهجهم
أليس فيها تنبيه على فضلهم
وعلى الاقتداء بهم وسلوك صراطهم ونهجهم
فأنى لقوم بعد هذا أن يطرقوا أبواب العلم دون المرور على أهله
عن أبي الدرداء قال :( ثم كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشخص ببصره إلى السماء ثم قال هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء فقال زياد بن لبيد الأنصاري كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا فقال ثكلتك أمك يا زياد إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة هذه التوراة والإنجيل ثم اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم)(9)
وقد قيل ( من دخل في العلم وحده خرج وحده ) (10)
فانظروا أيها الإخوة من أين تأخذون دينكم وإياكم وبنيات الطريق
وإني قلقي ليزداد والله حين أرى من أرى من أرباب البدع والضلالات يتصدرون المجالس والفتاوى في هذه الشبكة
ويلبسون على الناس دينهم بما تسوله لهم عقولهم من زيغ في كتاب الله
بل وينقلون من الكتاب والسنة وكلام أئمة الإسلام ما يوافق أهواءهم وضلالاتهم ويأخذون ببعضه ويتركون بعضا جهلا أو بالهوى
(فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله )(11)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( فإذا رأيتم الدين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى فاحذروهم)(12)
قال ابن كثير رحمه الله : (فليس بحمد لله للمبتدع في القرآن حجة صحيحة فيتبعون ما تشابه منه أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم ولهذا قال الله تعالى ابتغاء الفتنة أي الإضلال لأتباعهم إيهاما لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لا لهم)(13)
وعن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنما أتخوف عليكم رجلا قرأ القرآن حتى إذا رؤي عليه بهجته وكان رديء الإسلام اعتزل إلى ما شاء الله وخرج على جاره بسيفه ورماه بالشرك )(14)
وعن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان )(15)
وقال وكيع : ( من طلب الحديث كما جاء فهو صاحب سنة ومن طلبه ليقوي به رأيه فهو صاحب بدعة ) (16)
فالحذر الحذر والحيطة الحيطة
من الافتتان بمن لا يعرف له شيخ ولا يعرف نسبه في طلب العلم
وكان أبو حيان الاندلسي رحمه الله إذا ذكر عنده ابن مالك يقول( أين شيوخه )!؟(17)
و إياكم ومجالسة من عرفتم عنه مخالفة أهل العلم الراسخين فيه
من أرباب البدع والضلالات أو متابعتهم
وقال الفضيل بن عياض:(لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة )(18)
قال سفيان الثوري: (من أصغى بإذنه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إليها يعني إلى البدع) (19)
وقال الفضيل بن عياض : (من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة )(20)
وقال الفضيل بن عياض:( من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام)(21)
فهي دعوة إلى حلقات العلم التي يقوم عليها أهله
وإلى اللحاق بركب من أفنوا أعمارهم في طلب العلم
ولأخذ العلم عنهم نقيا مؤصلا
قال بعض الشعراء :
من لم يشافه عالما بأصوله ====== فيقينه في المشكلات ظنون (22)
ونقل ابن المبارك عن الأوزاعي قوله : (( كان هذا العلم كريما يتلاقاه الرجال بينهم فلما دخل في الكتب دخل فيه غير أهله )) (23)
وفي هذا تنبيه عظيم وشفاء لما في الصدور في سبيل طلب العلم الحق
من أهله
فحذرا من بنيات الطريق
وإياكم والزلل وأدعياء العلم
وكان أبو حيان الاندلسي رحمه الله كثيرا ما ينشد : (24)
يظن الغمر أن الكتب تهدي ==== أخا فهم لإدراك العلوم
وما يدري الجهول بأن فيها ==== غوامض حيرت عقل الفهيم
إذا رمت العلوم بغير شيخ ==== ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الأمور عليك حتى ===== تصير أضل من ( توما الحكيم )
فهبوا إلى أهل العلم قبل أن تفقدوهم
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده
واذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا )(25)
شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم
----------------------------------------------------------------
(1) : انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 10/11
(2) : سورة التوبة 122
(3) :سورة طه 114
(4) :سورة الزمر 9
(5) :سورة المجادلة 11
(6) : شرح الإحياء للزبيدي 1/66
(7) : سورة البقرة 129
(8) :سورة آل عمران 164
(9) : رواه الترمذي والدارمي والبزار
(10) : السخاوي في الجواهر والدرر 1/58
(11) : سورة آل عمران 7
(12) : رواه البخاري واللفظ له والترمذي
(13) : تفسير ابن كثير 1/32 و 1/346
(14) : رواه البزار وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/188 إسناده حسن
(15) : رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجاله رجال الصحيح كما ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد1/187ورواه ابن حبان في صحيحه أيضا
(16) : سير أعلام النبلاء 9/144
(17) : مقدمة تحقيق كتاب الغنية للقاضي عياض ص 16
(18/19/20/21) : طبقات الحنابلة 2/43
(22/24 ) : حلية طالب العلم ص 33
(23) : سير أعلام النبلاء 7/114
(25) : رواه مسلم
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
جمعه أبو حمزة المزي
|
|
19-02-2005 , 07:14 PM
|
الرد مع إقتباس
|