|
عضو جديد
|
|
المشاركات: 8
|
#1
|
التفاوت في الأرزاق
كثير من الناس يتساءلون لماذا خلق الله تبارك وتعالى الخلق متفاوتين في الرزق بين إكثار وإقلال؟.. والقرآن الكريم يجيب علينا، قال تعالى في سورة الزخرف آية 32 { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } ومعنى {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي أفقرنا قوماً وأغنينا قوماً، فحكمة الله في ذلك، أن يتعاون الناس بتفاضلهم وتفاوتهم، ولو لم يكن الناس متفاوتين متفاضلين أرزاقاً وأقواتاً، ومختلفين خبرة وتخصصاً، لما قام مجتمع ولا استقامت حياة، ودولاب الحياة حين يدور بالجميع، يسخر بعض الناس لبعض حتماً، ويسخر بعضهم لبعض في كل وضع وفي كل ظرف، المقدر عليه في الرزق مسخر للمبسوط له في الرزق، والمبسوط له في الرزق مسخر للمقدر عليه في الرزق، فكلاهما مسخر للآخر سواء بسواء، والجميع مسخر للخلافة في الأرض.
والتفاوت في المواهب والإستعدادات، والتفاوت في الأعمال والأرزاق، هو الذي يسخر هذا لذاك. وطبيعة الحياة البشرية قائمة على أساس التفاوت في مواهب الأفراد، والتفاوت فيما يمكن أن يؤديه كل فرد من عمل، والتفاوت في مدى إتقان هذا العمل، وهذا التفاوت ضروري لتنوع الأدوار المطلوبة للخلافة في الأرض، ولو كان جميع الناس نسخا مكررة ما أمكن أن تقوم الحياة في هذه الأرض بهذه الصورة، ولبقيت أعمال كثيرة لا تجد من يقوم بها، والذي خلق الحياة وأراد لها البقاء والنمو، خلق الإستعدادات متفاوتة، تفاوت الأدوار المطلوب أداؤها، وعن هذا التفاوت في الأدوار يتفاوت الرزق، كما قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}الأنعام165
وقوله {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} أي فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق والمحاسن والمساوئ والمناظر والأشكال والألوان وله الحكمة في ذلك، والله سبحانه وتعالى عندما يفقر من يفقر، ويغني من يغنيه، لحكمة بالغة، وهي فلسفة الإحتياج، وهي القاعدة الأصلية لقيام التعاون بين الناس، وعلينا ألا يتحول هذا التفاوت في الأقدار والأرزاق من قناعة ورضا بالمقسوم وشكر لله على أنعمه إلى حقد فقير على غني ولا احتقار غني لفقير، ولا تكبر قوي على ضعيف ولا استذل ضعيف لقوي، فهذا التفاوت، للتعاون لا للتغابن، وللتراحم لا للتظالم.
قال تعالى في سورة النحل آية 71 {وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ} أي جعل منكم أغنياء وفقراء، والنص السابق يرد هذا التفاوت إلى تفضيل الله لبعضهم على بعض في الرزق، ولهذا التفضيل في الرزق أسبابه الخاصة لسنة الله، فليس شيء من ذلك جزافاً ولا عبثاً، فقد أخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، وفي غيرها من الآيات، عن سنة أقام الله عليها الحياة، وفطرة فطر الناس عليها، سنة ماضية بمضاء الحياة، لا تتبدل ولا تتغير، إنها سنة التفاضل والتفاوت في الرزق، وإذا كانت آيات أخرى قد أخبرت وأثبتت أن الرزق بيد الله ومن الله سبحانه وتعالى، فإن هذه الآية قد جاءت لتقرر أمرا آخر، إنه أمر التفاوت والتفاضل بين العباد، لأمر يريده الله، قد يكون ابتلاء واختباراً أو قد يكون غير ذلك، فقد تجد أعقل الناس وأجودهم رأيا وحكمة مقتراً عليه في الرزق، وبالمقابل تجد أجهل الناس وأقلهم تدبيراً موسعاً عليه في الرزق، وكلا الرجلين قد حصل له ما حصل دون ما يدري أسباب ذلك، فالمقتر عليه لا يدري أسباب التقتير في رزقه، والموسع عليه لا يدري أسباب التيسير، وذلك لأن الأسباب كثيرة ومترابطة ومتوغلة في الخفاء، حتى يظن أن أسباب الأمرين مفقودة، وما هي كذلك، ولكنها غير محاط بها.
وعلى أي حال فإن التفاوت في الرزق ظاهرة ملحوظة للناس عامة تابعة لإختلاف في المواهب، وذلك حين تمتنع الأسباب المصطنعة الظالمة التي توجد في المجتمعات المختلفة، قال الشو كاني عند تفسير هذه الآية: فجعلكم متفاوتين فيه "أي الرزق" فوسع على بعض عباده، حتى جعل له من الرزق ما يكفي ألوفاً مؤلفة من بني آدم، وضيقه على بعض عباده حتى صار لا يجد القوت إلا بسؤال الناس والتكفف لهم، وذلك لحكمة بالغة تقصر عقول العباد عن تعقلها والإطلاع على حقيقة أسبابها، وكما جعل التفاوت بين العباد في المال، جعله بينهم في العقل والعلم والفهم، وقوة البدن وضعفه، والحسن والقبح، والصحة والسقم، وغير ذلك من الأحوال.
وعلى هذا فمعنى الآية: أن الله سبحانه لا غيره بيده رزق عباده، وإليه يرجع الأمر في تفضيل بعض العباد على بعض، ولا يسع العبد إلا الإقرار بذلك، والتسليم لما قدره الله لعباده، من غير أن يعني ذلك عدم السعي وطلب الرزق والأخذ بالأسباب، فهذا غير مراد من الآية ولا يفهم منها، ناهيك عن أن هذا الفهم يصادم نصوصاً أُخْرى تدعو العباد إلى طلب أسباب الرزق، وتحثهم على السعي في تحصيله. قال تعالى في سورة النساء الآية 32 {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} قال الضحاك: لا يحل لأحد أن يتمنى مال أحد. وقال الكلبي: لا يتمنّى الرجل مال أخيه ولا إمرأته ولا خادمه ولا راتبه، ولكن ليقل: اللهم ارزقني مثله. وقال ابن عباس: نهى الله سبحانه وتعالى أن يتمنى الرجل مال فلان وأهله، وأمر عباده المؤمنين أن يسألوه من فضله. وقال الحسن: لا يتمنى أحدكم المال، وما يُدريه لعل هلاكه فيه، وهذا إنما يصح إذا تمناه للدنيا، وإما إذا تمناه للخير فقد جوزه الشرع، فيتمناه العبد ليصل به إلى الرب، ويفعل الله ما يشاء.
والنص العام في النهي عن تمني ما فضل الله بعض المؤمنين على البعض، من أي أنواع التفضيل في الوظيفة والمكانة وفي الإستعدادات والمواهب وفي المال والمتاع وفي كل ما تتفاوت فيه الأنصبة في هذه الحياة، والتوجه بالطلب إلى الله وسؤاله من فضله مباشرة بدلاً من إضاعة النفس حسرات في التطلع إلى ما أنعم الله به على عباده، وبدلاً من المشاعر المصاحبة لهذا التطلع من حسد وحقد، ومن حنق ونقمة أو من شعور بالضياع والحرمان، وقد ينشأ عن هذا كله سوء ظن بالله، بينما التوجه مباشرة إلى الله جل وعلا مصدر الإنعام والعطاء الذي لا ينقص ما عنده بما أعطى، ولا يضيق بالسائلين المتزاحمين على الأبواب، وهو بعد ذلك موئل الطمأنينة والرجاء، ومبعث الإيجابية في تلمس الأسباب، بدل بذل الجهد في التحرق والغيظ.
وعلى العباد إذا وسع الله عليهم أرزاقهم أن يشكروه، ويقوموا بما يجب عليهم في هذه الأرزاق، وإذا قدرت عليهم أرزاقهم أن يصبروا على تقدير الواحد الخلاق، فهم أعلم بمصالحهم وهو أرحم بهم من أمهاتهم، فقد قسم العليم الحكيم الرزق على عباده، فمنهم من بسط له في رزقه، ومنهم من قدر عليه رزقه، قال تعالى في سورة الشورى آية 12 {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } بسط العليم الحكيم الرزق لبعض العباد وضيقه على بعضهم، ليعتبروا بهذا التفاوت، فكما أن الناس في هذه الدنيا متفاوتون، فمنهم من يسكن القصور المشيدة العالية ويركب المراكب الفخمة الغالية ويتقلب في ماله وأهله وبنيه في سرور وحبور، ومنهم من لا مأوى له ولا أهل ولا مال ولا بنون، ومنهم ما بين ذلك على درجات مختلفة، فإن التفاوت في درجات الآخرة أعظم وأكبر وأجل وأبقى، قال تعالى {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً }الإسراء21. فإذا كانت الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا فينبغي أن نتسابق إلى درجاتها العالية وحياتها الباقية ذلك خير وأحسن تأويلا.
ولو قسم الله الرزق على جميعهم لاختل نظامهم، وتهاوت من معيشتهم الأركان، ولو كان الناس في الرزق على درجة واحدة لم يتخذ بعضهم بعضا سُخريا، فلم يعمل أحدهم للآخر صنعة، ولم يحترف له بحرفة، لأن الكل في درجة واحدة، فليس أحدهم أولى بهذا من الآخر، كما أن كثيراً من المصالح الدينية والدنيوية سوف يفقد ويعطل لو تساوى الناس في الأرزاق، ولكن الحكيم العليم قسم بينهم أرزاقهم، وعلينا أن لا نعترض على قضاء الله وقدره، ونبيت أيامنا وليالينا حسرة وندماً، ولكن الموقف الرشيد والسديد من هذه السنة الكونية هو القناعة بما قسم الله، مع الأخذ بالأسباب لتحصيل كل ما هو مطلوب ومباح شرعاً، وبذل ما في الوسع من أجله، فالأمر منظور إليه من طرفين، طرف الرضا والقبول والإستسلام لأمر الله وقضائه، وطرف العمل والسعي المطلوب شرعاً، أما الإستسلام السلبي الذي يشل حركة الإنسان، ويدفع به إلى القعود والتراكن والخنوع، فليس هو الموقف الصحيح والرشيد.
|
|
12-06-2011 , 08:08 PM
|
الرد مع إقتباس
|