الحالة المزرية التي وجد فيها صدام حسين باني عشرات القصور ومنشئ عشرات أجهزة الامن والحماية, وحاكم العراق بالرعب على مدى أكثر 3 عقود, جعلت من الرواية الأمريكية الرسمية حول ظروف اعتقاله في تلك الحفرة الضيقة مليئة بالثغرات.
وما زاد من تلك الشكوك ان الموالين للرئيس العراقي فوجئوا تماماً بالسهولة التي وقع فيها بيد أعدائه, دون مقاومة تذكر واستسلام كامل, بل إن بلدة الدوار حيث يوجد الكوخ الحقير الذي اختبأ فيه وتحته, لم تكن تعرف انه بين ظهرانيها وكان سكانها مستعدين لنصرته في ذلك الموقع لو كانوا يعرفون.
بعبارة أخرى, كان صدام حسين في منطقة موالية له تماماً ما عدا بعض المخبرين فلماذا اختبأ وحده ودون إعلام أحد بمكانه, فإذا كان قائد المقاومة كما يزعم فأين الاحزمة الأمنية التي تحيط به, وأين ذهبت منظومة استخباراته حتى على صعيد الحماية الشخصية? هذا بالإجمال ما دفع خبراء أوروبيين وعرب, إلى افتراض آخر, وهو ان صدام حسين لم يكن مختبئاً بل كان مأسوراً منذ شهر على الأقل, وأن جورج بوش كان يتحين الفرصة المناسبة لاستغلال الحدث إعلامياً وسياسياً وهكذا كان, إلا ان رواية إسرائيلية مغايرة تجعل من قصة اعتقاله سيناريواً مثيراً تتداخل فيه العناصر بشكل أسطوري خاصة بالنسبة لشخص مثل صدام, بدأ حياته كالمجرمين وانتهى في قبضة المجرمين. إن الموقع الإسرائيلي المتخصص بالشؤون الأمنية والاستخبارية والمعروف باسم ''ديبكا فايل'' أجرى تحليلاً وافياً للظروف المحيطة بعملية الاعتقال وللحالة التي كان فيها الرئيس العراقي السابق حين العثور عليه, واستنتج أن صدام حسين لم يكن مختبئاً ولم يكن مأسوراً لدى الأمريكيين طوال هذه الفترة, بل كان ضحية عصابة قبضت عليه, وحبسته في الحفرة, وراحت تفاوض عليه الجهات المعنية, للحصول على المكافأة المقدرة بـ 25 مليون دولار, ومن المؤشرات على ذلك:
1- أن طول شعر رأسه ووضعه يفيدان بأن صدام لم يستخدم ''الشامبو'' منذ أسابيع عدة.
2- طول لحيته يدل على أنها لم تحلق منذ فترة مماثلة.
3- الحفرة الضيقة في تلك المزرعة والتي هي بطول 6 أقدام وعرض 8 أقدام كانت عملاً بدائياً ولا تتوافر فيها الشروط الصحية إلا بالحد الأدنى .
4- بدا صدام وكأنه مضروب وجائع, (ثمة جرح ظاهر فوق حاجبه الأيسر).
5- ألقي القبض على شخصين مجهولين حاولا الفرار, ووجد مع صدام رشاشان هجوميان ومسدس لكنه لم يستخدم أياً منها.
6- لم يكن للحفرة سوى مدخل واحد, وكانت مغلقة بحجر, ولم يكن قادراً لوحده على إزاحة الحجر والخروج من الحفرة إلا بمعاونة أحد.
7- والأهم من ذلك هو العثور معه على مبلغ 750 ألف دولار من فئة المائة دولار ولم تكن لديه أي وسيلة اتصال من أي نوع ولا حتى الحمام الزاجل للتواصل مع العالم الخارجي. وطبقاً لهذه المؤشرات السبعة أكد محللو الموقع الإسرائيلي أن صدام حسين كان أسيراً وليس مختبئاً.
وهكذا فبعد بث شريطه الإذاعي على قناة العربية يوم الأحد الواقع في 16 نوفمبر الماضي, وبمناسبة حلول شهر رمضان ألقي القبض على صدام حسين وربما بموافقة حراسه, ووضع في تلك الحفر في بلدة الدوار, لثلاثة أسابيع او أكثر وفي هذا الوقت سعى معتقلوه للحصول على الجائزة المعلنة مقابل رأس صدام وهي 25 مليون دولار, وهي الجائزة التي تمنح مقابل أي معلومة ترشدهم إلى مكانه والقبض عليه حياً او ميتاً.
وجرت المفاوضات عبر جلال طالباني رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني.
هذه الظروف المشار إليها تبرر استسلام صدام وخضوعه الفاعل لدى عثور القوات الامريكية عليه, فقد كانوا في حقيقة الأمر الذين حرروه من قبضة العصابة وربما كان ممتناً لهم,.
ومن تهرب الجنرال ريكاردو سنشيز عن الإجابة على سؤال جوهري هو من سيقبض الجائزة, يمكن القول إن القوات الامريكية فاوضت المختطفين إلى حين العثور عليه والفوز بالعملية لحسابها الخاص, فقد تحولت قضية صدام حسين مسألة اعتزاز وطني في الولايات المتحدة, ولم يكن مناسباً أن يقال إن عصابة إجرامية هي التي قبضت على صدام حسين ولأنه إذ ذاك سيقال مرة أخرى ان البطل صدام خانه الشعب الذي وثق فيه كما حدث أثناء الحرب. وكان حيوياً التوصل إلى الخاطفين لضمان الحصول على صدام حسين حياً فلربما قتلوه وطالبوا بالمال مقابل الحصول على جثته, فيما يبدو أنهم حرصوا على عدم قتله وربما خدروه حتى يبقى تحت السيطرة.
اما الملاحظة الثالثة وهي الأهم في هذا السياق, ان العمليات العسكرية خمدت في الفلوجة والرمادي وبلدة عندما اعتقل صدام في الحفرة, وانتقلت المقاومة إلى الموصل في الشمال والنجف والناصرية والحلة في الجنوب وكان أمراً مهماً لدى قوات التحالف, القبض على صدام قبل عودة العمليات إلى المثلث السني وبغداد.
أما الدروس التي يمكن ان تستفيد منها إسرائيل حسب الموقع المذكور فهي أن العدو يجب ملاحقته حتى القبض عليه, في إسقاط لحالة صدام على رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات.
إضافة إلى ذلك, فإن سياسيين إسرائيليين تأثراوا بالرأي العام الأوروبي كانوا بدأوا يقولون إن الحرب الامريكية في العراق وصلت إلى أفق مسدود مع العجز عن القبض على صدام حسين, وكانوا يدعون شارون إلى إعطاء الفلسطينيين ما يريدون لإنهاء الازمة لكن مع القبض على صدام فإن على هؤلاء السياسيين إعادة النظر مجدداً.*
ولعل مايدعم رواية (الاسر) قبل الاعتقال هي تلك الصورة المنشورة في وسائل الاعلام (للنخلة) التي تظهر خلف جنديين امريكيين يحاول احدهما النزول الى (القبو) حيث كان يتواجد صدام (فالبلح) المتدلي من النخلة والذي يكسوه (اللون الاصفر) يفضح الرواية الامريكية وينسفها من اساسها
, ومن ثم يدعم رواية (
ان صدام اعتقل قبل هذا التوقيت بكثير, فالعالمون ببواطن الامور يقولون ان البلح لا يظهر في الشتاء لاسيما في العراق. ويؤكد الباحث محمد بن عزيز بن مصطفى الذي يحضر دكتوراه في (النخيل) بجامعة ويلز ان البلح وبالذات في المنطقة العربية لا يصل الى مرحلة (البسر) ذات الشكل الاصفر الا في فترة الصيف . لكن موقع البصرة على الانترنت قدم لنا رواية تبدو (بعثية) بل (وعبثية) من الدرجة الاولى لما دار في (قضاء الدور) بمدينة تكريت ونقلت عن مواطنين عراقيين من سكان المنطقة قولهم ان معركة حقيقية دارت في المزارع بين صدام ورفاقه من رجال المقاومة في مواجهة قوات الاحتلال التي استعملت كل مالديها من تكنولوجيا السلاح حتى المحرم منها دوليا وسقط خلال هذه المعركة نحو (150) عراقيا فيما فاقت خسائر القوات الامريكية اكثرمن (250) بين قتيل وجريح ودمرت عشرات الآليات العسكرية الم اقل لك انها رواية (بعثية عبثية)
ولما فشلت هذه القوات في النيل من المقاومة يقول شخص يدعى محمد ابراهيم الدوري لجأت الى اطلاق قنابل تحمل غازات مخدرة ولم تكن معلوماتها حتى هذه اللحظة تشير الى وجود صدام حسين في تلك المنطقة لكنها استهدفت فقط اسكات مصادر النيران التي اوقعت الخسائر الفادحة بقواتها.
واضاف شاهد العيان وقد تكون رواية حقيقية لكن مبالغاته تطرح علامات استفهام ان الغاز المخدر الذي انتشر بسرعة في الهواء افقد المقاتلين العراقيين وعيهم الامر الذي مكن القوات الامريكية من القاء القبض عليهم وهم فاقدو الوعي, ومن بينهم الرئيس صدام حسين, وهذا المشهد الذي يتمنى الكثيرون ان يكون حقيقيا يقول الدوري اكده كل المنصفين الذين شاهدوا ما اسماه (بالاكذوبة) التي عرضتها القوات الامريكية في بغداد ظهر الرابع عشر من ديسمبر الجاري.ولم يكتف الدوري بهذا السيناريو الذي تنقفه تماما الرواية الامريكية بل اضاف ان طبيعة المعركة التي دارت في تلك المنطقة المليئة بمزارع النخيل تؤكد كذب الرواية الامريكية وسذاجتها في نفس الوقت ويؤكد ان الرئيس صدام حسين قاد المعركةواثبت شجاعة فائقة في التصدي لقوات الاحتلال*.
وفي محاولة لتأكيد سيناريو الغاز المخدر قال مزارع عراقي يدعى عبود مصطفى ان عدة الاف من الدجاج الذي يملكه في حقله ماتت فجأة بدون اي اعراض مسبقة, وهو مافسره اطباء بيطريون بانه نتيجة لقوة الغاز الذي نشره الامريكيون في المنطقة
وسواء كانت هذه الرواية صحيحة ام انها من بنات افكار بعثية عراقية, فان الحقيقة وحدها تظل امرا يستحق البحث والعناء من اجل الوصول اليها.
وهكذا تختلط الحقائق بالخيال لتظل (عملية الفجر الاحمر لغزا امريكيا خالصا حتى يجيء الوقت المناسب لازاحة الستار والكشف عن حقيقة ماجرى ليل السبت ونهار الاحد الماضيين.
والى ان تختار (زعيمة العالم) هذا الوقت لتطلعنا علي (الحقيقة) التي تحتكرها وحدها فان الروايات حول قصة الاسر والاعتقال لن تتوقف.
وهناك من يؤكد بانه مثلما كانت امريكا مستترة علي خبر اعتقال صدام حسين وتأجيله الى هذا الوقت فانها كذلك متسترة على خبر اعتقال اسامة او الملا عمر او كليهما وتتحين الوقت المناسب لاعلانه والاستفادة من ذلك في دعم بوش انتخابيا وفي دعم سياسة امريكا الامبراطورية. ***المصدر عكاظ اليوم