|
مبدع متميز
|
|
المشاركات: 5,287
|
#1
|
( اتعـــب ........... تسعــد ..!!! )
بسم الله الرحمن الرحيم
- -
كلما كان التعب في طاعة الله سبحانه أكثر ، كانت لذة الروح أعظم ، ومتعتها أوسع ..!
هذا في دائرة الطاعة وتحصيل مرضاة الله .. فماذا عن أمور الدنيا !؟
هي قاعدة لا ينبغي التعامي عنها ، ولا نسيانها ، ولا التلهي عنها بشيء ..
ومن أراد المعالي ، ونهض بهمة إليها ، فإنه يوطن نفسه ابتداءً على... على التعب !!
هذا في طلب معالي الدنيا ، والتصدر فيها ، ونيل شهواتها ، والمنزلة عند أهلها !!
فكيف إذن سيكون حال من طلب _ بجد وصدق _ جنة عرضها السماوات والأرض في نعيم مقيم ، ولذات تتجدد ،
لذات لم تسمع بها أذن ، ولا رأت مثلها عين ، ولا حتى خطرت على عقل أكثر الناس خيالا ..!!
وفوق هذا كله ومعه وبعده : رضوان من الله أكبر ..!!
ولقد قيل قديماً :
من طلب العلا ، سهر الليالي ..
سهر الليالي لا على متابعة الفضائيات ، وما تتقيأ به على وجوهنا من قذارات وتفاهات !!!!!
ولكنه سهرٌ يشق على أكثر الخلق ، مع أنه يحلو لهم السهر على تلك العفونات حتى الصباح !
ولا يملون ولا يتعبون ، ولا يشعرون بالغضاضة ، فهم يتعبون ولكنه تعب في غير محله !!
ومن ثم فلا يجنون إلا مزيدا من نكد القلب ، وتعب الروح ، وكدر النفس ، وضيق الحال !!
أما الذين نتحدث عنهم ، فهم كذلك يتعبون ويسهرون ولكن عيونهم على الذروة ، على السماء ،
ومع أن المرتقى صعب ، غير أنهم لا ييأسون ، ولا يكلون ولا يملون ،
ومع الأيام يطيب لهم ذلك التعب ، ويجدون فيه روح اللذة ، وحلاوة المتعة ،
بما لا مقارنة بينه وبين لذات الصنف الأول من الناس الذين ارتضوا الحوم حول المستنقع ،
وهم يحسبون أنهم يتنفسون عبق الجنة ، ونعيمها ..!!
والخلاصة :
أن من أراد عز الدنيا ، وسعادة الأبد ، ورضوان من الله أكبر وأعظم ،
فلابد له من أن يتعب تعبه في هذه الحياة ، ويسعى في طلب الجنة سعيا حثيثا ،
ويجهد جهده في هذا الطريق مهما شق عليه ،
ويذكر نفسه كل حين ، أن هذه هي طبيعة هذه الرحلة نحو الفردوس ، وصحبة الأنبياء عليهم السلام !
ألم يتعب الأنبياء عليهم السلام تعبا شديدا في هذه الرحلة !؟
ألم تتورم قدما الحبيب المصطفى وهو خير الخلق بلا منازع ، وحبيب الله الأول صلى الله عليه وسلم ؟!
ألم يمر عليه الشهر وراء الشهر ولا يوقد في بيته نار ، وكان يؤثر الصيام ، ويتحمل الجوع ..!؟
ألم يكن يطيل الوقوف في الصلاة ، وفي السجود حتى يظن أصحابه أنه قد قبض !؟
ألم يكن يبكي حتى يبلل لحيته الشريفة بدموعه الطاهرة ، حين كان يناجي مولاه جل في علاه ؟!
ألم يكن يعتكف الأيام والليالي مختلياً بربه سبحانه ، ليمنحه المزيد من كرمه وعطائه ، مع أنه هو الذي يفيض على الآخرين نورا وهدى وبركة !؟
ألم تكن حياته كلها ذكرا متصلا لله سبحانه ، فلا يفتر لسانه ولا قلبه عن ذكر ربه جل جلاله !؟
ألم تكن رحلة عمره كلها في حركة مستمرة من أجل الله سبحانه ، حتى وهو يمازح أصحابه ؟
ألم يكن يقطع عمره جهادا في سبيل الله ، فلا يكاد يعود من غزوة حتى يتهيأ لأخرى ..؟!
ألم يتسلط عليه السفهاء والحمقى بألسنة حداد ، وهو صابر محتسب ، يطيب له ما دام في ذلك مرضاة الله !؟
أليس هو القائل في مناجاته الضارعة ، وقد أدمى قدميه السفهاء :
إن لم يكن بك عليّ غضبٌ ، فلا أبالي !؟
وهكذا
وقل مثل هذا أو نحوا من هذا ، في صحابته الكرام ، وهم خير القرون ،
وخير جيل عرفته البشرية كلها بعد الأنبياء عليهم السلام ..!؟
ألم تكن حياتهم كلها تعب وجهد وجهاد ، وسعي حثيث لتحصيل رضوان الله سبحانه ؟
إنهم يترجمون ترجمة عملية قول الله عز وجل :
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )
..
فالقضية ليست مجرد دعوى حب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما هو حال أكثرنا في هذا الزمان !!
بل إن من زعم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعليه أن يقدم الدليل والبرهان
على هذه الدعوى التي يدعيها ، وذلك بأن يكون ترجمة ( عملية ) لما كان عليه صلى الله عليه وسلم ،
وبعبارة أخرى ، عليه أن ( يحاول ) و( يجاهد نفسه ) ليكون صورة طبق الأصل
_ أو قريبا من ذلك _ عن هذا الإنسان العظيم محمد ، وهل مثل محمد أحد في العالمين صلى الله عليه وسلم !؟
شعار هؤلاء الساعين لطلب منازلهم في الفردوس بكل همة وعزيمة وإصرار ، قول القائل :
بصرتُ بالراحةِ الكبرى فلم أرها ** تُنال إلا على جسرٍ من التعبِ
ولك أن تعتبر أيضا بما كان عليه ربانيو هذه الأمة قديما وحديثا ، من بذل النفس والنفيس ، واسترخاص التعب والمشقة ، في سبيل الله عز وجل !؟
لقد أدركوا أن النعيم ، لا يمكن أن يتحصل بالكسل والاسترخاء ، وتمني الأماني الحلوة !!
إن لله عبادا فطنا *** طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا *** أنها ليست لحيٍ وطنا
جعلوها لُجةً واتخذوا *** صالح الأعمال فيها سفنا
بل الأمر أبعد من هذا ، فالقانون هو القانون ، وإن كانت النتائج والثمرات مختلفة المذاق ..!!
أعني حتى في أمور الحياة الصرفة ، والأمنيات السفلى، تجد من يطلبها لابد أن يتعب في الطريق إليها !!
ولك أن تعتبر بمن جعل همه _ مثلاً _ أن يصبح لاعباً مشهورا ، ونجماً متألقاً ..!!!!
كيف يتعب ويشقى ، ويجهد ويبذل من وقته وجهده وماله الكثير الكثير ..!
ولعله بعد هذا العناء كله ، وذلك التعب كله ، لا يصير مشهورا كما كان يأمل !!!
وهكذا قل في مجالات كثيرة ،
أشدها مرارة من جعلت همها أن تصبح راقصة تهز وسطها في أجواء السكارى ،
وهم يتأوهون على وقع حركاتها ، وتحسب أنها بهذا تحسن صنعا !!!
ألا ترى كم تتعب وتعاني وتجتهد ، وتسهر وتشقى وتتعرض لما تتعرض له ، ولكن كل ذلك يهون
في سيل الوصول إلى الهدف الذي تسعى إليه .. ويا له من هدف يخدم الأمة ، ويرفع رجليها عاليا !!!!
بل دعنا نمضي إلى أبعد من هذا ..
ألا ترى أن القانون هو القانون حتى مع غير المسلمين ، وفي مجالات كثيرة من دوائر الحياة المتنوعة ،
ممن يطلبون ريح الدنيا ، والشهرة فيها ، والنجابة عند أهلها ، وتخليد أسمائهم في سجلها الحافل !!
ألا تراهم كيف يتعبون تعباً عجيبا في سبيل الغاية التي يأملون فيها ..!؟
ألا ترى كم يكررون على مسامع الدنيا :
أن هذا التعب الشديد الذي هم فيه ، يهون في سبيل الوصول إلى الغاية ؟
مع أن غايتهم الدنيا ..!!
وعندنا أن الدنيا وما فيها حقير في جنب ما عند الله من نعيم مقيم ، ورضوان من الله أكبر ..
ومع هذا تجد هؤلاء يبذلون الغالي والنفيس ، ويجهدون جهدا شديداً ، ويتعبون تعبا عجيبا ، ويسهرون سهراً طويلاً وقد لا يلتفتون حتى إلى أشياء جوهرية من أمور حياتهم المعيشية ، انشغالاً بما هم فيه من طلب !!!
هذا أديسون المخترع المشهور _ على سيبل المثال لا الحصر _ كان يكرر كثيراً أنه يكره في حياته شيئين ..!!
وقد تسأل _ وأسأل معك _ ترى ما هذين الشيئين اللذين يكرههما هذا المخترع العظيم !!!؟
يقول ... إنه يكره ....... النوم ..... والحلاق ....!!!
رجل يكره النوم لأنه يقطعه عن عمله ومعمله وتجاربه ...!!
وهو يود لو استطاع أن يبقى مستيقظا لا ينام البتة ...!!؟
هذا في النوم .. فما بال الحلاق ..!؟
نعم هو يرى أن جلوسه بين يدي الحلاق لدقائق معدودة ، لجز شعره ، يعتبره وقتاً مهدورا ضائعاً يتحسر عليه !!
اين هذا من أبناء وبنات المسلمين ، ممن يرغبون في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ..
ثم هم يقطعون حياتهم كلها في تفاهات وملهيات ، ومضحكات ومبكيات ..!!
ومع هذا يحسبون أنهم يحسنون صنعا !!
يا ويلاااه !! بل وخجلتااااه ..!!
إن هؤلاء الجادين في حياتهم ممن يطلبون الكمال ، ويسعون إليه بجد وفي صدق ، وبإخلاص ،
في أي مجال من مجالات الحياة ، ليجدون بهجة أرواحهم ، ولذة قلوبهم ،
في بذل مزيد من الجهد والاجتهاد ، والطلب والتعب للوصول إلى ما يريدون ..
نعم قد يشق عليهم الأمر في بداياته ، وقد يعانون في أول قدم لهم في الطريق ، ولكن مع الصبر والمصابرة ، والمحاولة والإصرار ،
تهون عليهم الشدة ، وتنقلب المرارة فإذا هي عين الحلاوة ،
ويطيب لهم عن ذاك السفر في هذه الرحلة التي قد يبدو ظاهرها
فيه العذاب ، غير أن في باطنها كل المتعة ..!
ولك أن تتأمل ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله في هذا المعنى ، فاقرأ متدبراً ،
ثم لك أن تقلب كفيك ، على عمر يضيع من بين يديك هدراً ، وأنت تحسب أنك تحسن صنعا !!
فماذا نقول إذن في من يهدر عمره فعلاً فيما لا يزيده قرب من الله سبحانه ،
بل هو يعرضه لسخط الله وغضبه ، والعياذ بالله ..
وهذه هي أبيات الإمام الشافعي نختم بها هذا الحديث ذو الشجون :
سهـري لتنقيـحِ العلـومِ ألذ لـي *** من وصل غانيةٍ وطيـب عنـاقِِ ِ
وصرير أقلامي على صفحاتهـا *** أحلى مـن الدوكـاء والعشــاق ِ
وألـذ مـن نقـر الفتـاة لدفهـا *** نقري لألقي الرمل عن أوراقـي
وتمايلي طربـاً لحـل عويصـةٍ *** في الدرس أشهى من مدامة ساقي
وأبيـت سهران الدجـا وتبيتـه *** نوماً ، وتبغي بعد ذلـك لحاقـي!؟
كيف يكون هذا .!!!!؟ ولا في الأحلااام !!!
................. وبالله التوفيق ومنه المدد والعون .....
|
|
17-05-2006 , 11:49 AM
|
الرد مع إقتباس
|